شهد الشارع المصرى فى الأيام القليلة الماضية أعمال عنف وصدام وخراب كثيرة، ولكن بالرغم من شدة الأحداث وقسوتها فإننا نرى تفاوتا كبيرا فى تغطية وسائل الإعلام لهذه المشاهد. فإذا نظرنا إلى التليفزيون المصرى الحكومى، على أساس أنه يقع على عاتقه مسئولية تعريف وتثقيف المواطن بكل ما يحدث فى الشارع المصرى، فسنجد أنه ما زال يعانى من نفس الأخطاء التى وقع فيها فى تغطيته لثورة 25 يناير، مع اختلاف طفيف. فكانت تغطية مسيرات يوم جمعة الخلاص قاصرة فقط على قناة النيل الإخبارية التى غطت معظم المسيرات ولكن كان التركيز على ربط الأحداث بوثيقة الأزهر عن نبذ العنف. أما القناة الأولى والثانية فكانت تأتى بأخبار المظاهرات فقط فى نشرة الأخبار دون تخصيص جزء كبير لتغطيتها. وفى غير النشرة كانت القناة الأولى تذيع برنامجا يتحدث عن العنف فى المجتمع وربطه بوثيقة الأزهر، أما القناة الثانية فقررت أن تذيع برنامجا عن الجمال والصحة. وبالرغم من هذا التجاهل لأهم ما يحدث فى الشارع المصرى، فإنه لا يقارن بالأسبوع الماضى الذى غابت تقريبا عنه تغطية أحداث بورسعيد بعد النطق بحكم الإعدام على واحد وعشرين مواطنا من محافظة بورسعيد وعن تغطية ما حدث من أعمال عنف وحرائق فى المحافظات الأخرى مثل السويس. فهل هذا هو الدور الذى يجب أن تلعبه القنوات التليفزيونية الحكومية؟ وهل البث الحى لما يحدث فى الشارع يندرج تحت مسمى التهويل؟ وهل ينتظر التليفزيون المصرى أخبارا أشد وأعنف ليقوم بالتغطية الحية للأحداث؟ أعتقد أن التليفزيون المصرى يجب أن يكون أول من ينقل الخبر بمصداقية للمشاهدين. ولكن ما زلنا لا نلمس تغييراً كبيراً فى تغطية الأخبار والأحداث السياسية. وبالرغم من أن هناك برامج تعمل جاهدة لتقديم وجهات نظر مختلفة، وبرامج أخرى توجه الانتقاد إلى الحكومة دون خوف، فإن كثيراً من الأحداث تتطلب تغطية أعمق وأشمل، خاصة فى ظل الأزمات التى تمر بها مصر الآن. كما أن بعض الظروف تتطلب النقل الحى لما يحدث فى الشارع المصرى. إن وجود قنوات أخرى عدة تعمل على نقل الأحداث لحظة بلحظة من أكثر الأسباب الداعية لأن يكون التليفزيون المصرى أول من يقوم بنقلها؛ وذلك لوجود بعض القنوات التى تحاول إما أن تهول وتشحن وإما أن تعتم وتقلل من شأن الخبر. ولكن هذا لا ينفى أبداً وجود قنوات فضائية مصرية تعمل بمهارة عالية ومصداقية فى نقل الأخبار فى إطارها الصحيح وبما يعكس مختلف وجهات النظر. وهذا هو الدور المطلوب من تليفزيون الدولة أن يلعبه. وإذا كنا نتحدث عن إعادة هيكلة الإعلام المصرى وأهمية تحوله من إعلام حكومى إلى إعلام دولة (أو الخدمة العامة) فإنه الإعلام الذى يغطى الأخبار بدرجة عالية من المصداقية والشفافية، وهو الإعلام الذى يجب أن يعكس البث الحى لما تشهده شوارع مصر من اضطرابات واحتجاجات وعنف وقتل وصدام وخراب دون تهويل أو تعتيم. وإعادة الهيكلة تتطلب أيضاً فصل الملكية عن السياسة التحريرية، وهذا ينطبق على إعلام الدولة والإعلام الخاص، حتى يكون هناك معايير محددة لتغطية الأخبار دون ممارسة أى ضغوط سياسية أو اقتصادية. لقد شهد التليفزيون المصرى تغييرا طفيفا فى تغطية الأخبار وأجندتها، ولكنه ليس بدرجة كافية تجعله على مستوى المنافسة فى عصر تعددت فيه القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية الإخبارية وتطورت فيه التكنولوجيا التى مكنت المواطن من معرفة الخبر فور حدوثه.