يحكى أن أحد العرب فى السبعينات كان فى زيارة إلى لندن، وقد كان يستقل يومياً قطار الأنفاق من إحدى المحطات هناك ويومياً كان يمر على «كشك» سيدة إنجليزية عجوز يثرثر معها قليلاً ثم يشترى «لوح» شيكولاتة بمبلغ ثمانية عشر بنساً (قرشاً)، وكانت تلك العجوز «ترص» ألواح الشيكولاتة على «الرف» مع وضع ديباجة تعلن ثمن السلعة. ذهب العربى يوماً كالعادة، وفى أثناء «الحديث» لمح أنها قد وضعت على «رف» آخر ألواحاً من الشيكولاتة ولكنها تحمل ديباجة سعر مختلف وهو عشرون بنساً، وبجوارها الرف الآخر المكتوب عليه ديباجة الثمن ثمانية عشر بنساً، فسأل المرأة قائلاً: اليوم أرى عندك نوعاً جديداً من الشيكولاتة؟ أجابت فى اقتضاب: نفس النوع. واصل العربى متسائلاً: إذن، هو وزن وحجم جديدان؟ أجابت: نفس الوزن والحجم. واصل الرجل قائلاً: إذن هو مصنع آخر؟ أجابت: نفس المصنع. هنا سألها العربى متعجباً: إذن لماذا والحال هكذا هناك ثمنان، أحد الأرفف يحمل 18 بنساً ورف آخر يحمل20 بنساً؟!! فأجابت المرأة شارحة للوضع قائلة: هناك مشاكل فى نيجيريا التى يأتى منها الكاكاو وهذا هو الثمن الجديد. فسألها العربى: ترى من يشترى منك بعشرين بنساً ما دمت أنت تبيعين نفس النوع بثمانية عشر بنساً؟ هنا قالت: نعم أنا أعمل ذلك ولكن بعد أن ينفد ذاك الذى هو بالسعر القديم سوف يشترى الناس بالسعر الجديد. فقال العربى لها فى غفلة وبلادة: لماذا لا تخلطين النوعين معاً وتبيعين بالسعر الجديد؟(أى بعشرين بنساً) هنا جحظت عينا المرأة ومالت نحو الرجل وهى تهمس فى فزع قائلة: هل أنت حرامى؟ انتهت القصة إلى هنا وبقيت العبرة. هل نحن لصوص؟ إن الذى يتربح من وظيفته العامة «لص» والذى يقوم بتسطيح أفكار الناس «لص» والذى يمارس الخداع المستمر فى الإعلام وغيره «لص» والذى يفتعل الأزمات ثم يتاجر بها ويستغلها «لص». إن اللصوصية ليست مجرد فعل، بل هى منهج وطريقة تفكير يمكن اختصارها فى جملة واحدة هى «حقق ما تستطيع من المنافع فى الخفاء وبغير أن يشعر بك أحد، ثم اخرج أمام الناس كأنك أشرف الشرفاء ودافع بإخلاص عن قيم الأمانة والعدل والمساواة». إن اللصوصية هذه قد تتسلل إلى عقولنا ولا ندرى فقط بمجرد تقديم المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، والاهتمام بالدنيا ونسيان الآخرة. وإن المجتمع الذى تقل وتضعف الثقة المتبادلة بين أفراده هو مجتمع معرض للتشتت والضياع إذ قوة شبكة العلاقات الاجتماعية هى ضمانة قوة المجتمع واستقراره ونهوضه لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً»(متفق عليه)، ويقول فى الحديث الآخر: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» إن شيوع حالة التخوين وضعف الثقة والاتهام فى النوايا مع إشاعة الفوضى وترويج الفتن ووضع العراقيل أمام طريق البناء والإصلاح كلها أفعال لصوصية يظن فاعلها أنه قد يحقق من ورائها مكسباً عاجلاً، لكنه لو فطن وعقل لعلم أن الله يعلم ما فى الصدور وأن الله لا يصلح عمل المفسدين. أيها الناس: إننا نحتاج إلى إعادة زرع الثقة من أجل شىء من الاطمئنان والهدوء، وإلا فالبديل تعرفونه.