فتحت النيابة العامة بالجزائر تحقيقا في الهجوم الذي تعرض له مصنع الغاز في أميناس جنوب شرق الجزائر، وما تبعه من احتجاز مئات الرهائن، في ما اعتبره خبراء "كارثة" سببها إما إستراتيجية أمنية خاطئة وإما عدم تطبيق الإستراتيجية الأمنية كما يجب. وقالت صحيفة الخبر المستقلة التي نقلت النبأ عن "مصدر أمني رفيع" المستوى أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة "أمر بتشكيل لجنة تحقيق عالية المستوى وإعطائها كافة الصلاحيات" وذلك "لكشف التقصير الأمني". وأوضحت أن "محققين وصلوا إلى عين أميناس السبت ويجرون حاليا التحريات الأولى لكشف التقصير الذي تسبب في عدم فعالية إجراءات الأمن المشددة في منع الهجوم". وكان النائب العام بالجزائر العاصمة أعلن الاحد في التلفزيون الحكومي أن "القطب الجزائي المتخصص في قضايا الإرهاب فتح تحقيقا في الهجوم بعد تلقيه للتقارير الأولى للضبطية القضائية". وعادة، تتولى مصالح الشرطة القضائية التابعة لمخابرات الجيش مثل هذه الملفات كما ان اغلب القضايا الكبرى المتعلقة بالأعمال الإرهابية يتم النظر فيها في الجزائر العاصمة. وقال وزير الطاقة والمناجم الجزائري يوسف يوسفي "سنقوم بتعزيز الأمن بالاعتماد أولا على وسائلنا"، موضحا "لا نقبل بقوات أمن خارجية للتكفل بأمن منشآتنا"، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية. كما ان وزير الطاقة اكد ان كل عمال سوناطراك "مدربون جيدا" للتعامل مع اي خطر "بما في ذلك الخطر الارهابي". وانتقد الخبير "بطء" الإجراءات الأمنية المتخذة داخل الموقع "فصافرات الإنذار لم تطلق إلا بعد أن وصل الإرهابيون إلى بوابة المصنع ومساكن العمال، وهذا غريب". وتابع "المفروض أن هناك كاميرات حرارية تراقب كل التحركات بعيدا عن المصنع". لكن صحيفة "لوسوار دالجيري" اعتبرت أن الهجوم على أحد أهم المواقع الغازية "عرى" ضعف المنظومة الأمنية التي فرضتهاالشركات الأجنبية لسنوات و"تهاون الشركة الجزائرية سوناطراك بخصوص المسائل الأمنية للمواقع". وتستغل مصنع "تيقنتورين" لإنتاج الغاز منذ 2006 عملاق الطاقة البريطاني "بي بي" وشركة "ستيت أويل" النرويجية وسونطراك الجزائرية العامة. وقالت صحيفة النهار إن أمن الموقع كان تحت مسؤولية مختلطة بين الشركة البريطانية المتخصصة في خدمات الأمن "ستيرلينج" ومجموعة "ريد ميد" الجزائرية التي يعتبر توفيق بن جديد نجل الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد أحد ملاكها. وبحسب "لوسوار" فإن سوناطراك سلمت كل قضايا الأمن غلى شريكها البريطاني باسم "المعايير البريطانية في مجال النظافة والأمن والبيئة وهي الأفضل في العالم". وعزا خبير مختص في الشؤون الأمنية، فضل عدم ذكر اسمه، سبب "الكارثة" إلى احتمالين "إما أن الشركات لم تطبق الإستراتيجية التي وضعها خبراء الأمن، أو أن الخطة الأمنية فاشلة وهي كارثة أكبر". وأوضح أن قيمة موقع إنتاج الغاز "بان اميناس" تقارب أربعة مليارات دولار. وهو يدر على بريتيش بتروليوم البريطانية وسوناطراك الجزائرية وستيت أويل النرويجية نحو ثلاثة مليارات دولار سنويا "لذلك لا يعقل أن يتم التهاون أو الاقتصاد في تجهيزات الأمن". وأعلن رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال أن 32 إرهابيا انطلقوا قبل شهرين من شمال مالي ومروا بمحاذاة حدود الجزائر و"تحركوا بمحاذاة الحدود الجزائرية المالية، ثم الحدود الجزائرية النيجرية، قبل أن يصعدوا على طول الحدود مع ليبيا"، من حيث تسللوا لتنفيذ الاعتداء. وأوضح أنهم ينتمون إلى مجموعة "الموقعون بالدم" بزعامة مختار بلمختار أحد مؤسسي تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التي غادرها في أكتوبر 2012 ليؤسس كتيبته الخاصة. وقالت صحيفة الخبر إن قرار تنفيذ الهجوم جاء من مختار بلمختار "الذي قرر قبل أقل من ثلاث ساعات من العملية إصدار أمر للإرهابيين بتنفيذها". وأشارت في هذا الشأن إلى أنه "تم رصد مكالمة هاتفية بهاتف ثريا من قبل مصالح الأمن وتلقت وحدات الجيش الموجودة في صحراء عين اميناس إنذارا من مصالح الأمن تضمن الاشتباه في وجود مجموعة أرهابية أو إرهابيين في موقع بالصحراء". وتابعت "وقد تحركت قوة عسكرية لتمشيط المنطقة في الساعة الرابعة صباحا بعد ساعتين من رصد المكالمة لكن الوقت كان قد فات" لمنع الاعتداء. وقتل 67 شخصا في الاعتداء بحسب حصيلة رسمية غير نهائية أعلنها رئيس الوزراء الجزائري بعد ظهر الاثنين. وأوضح سلال في مؤتمر صحفي خصص لهذا الهجوم الدامي، أن 37 أجنبيا من ثماني جنسيات وجزائريا واحدا و29 إرهابيا قتلوا في هجوم المسلحين الإسلاميين وما تلاه من احتجاز رهائن وتصدي قوات الأمن والجيش لهم. وأضاف أنه تم القبض على ثلاثة مسلحين في حين لا يزال هناك خمسة أجانب مفقودين، وأن قائد المجموعة الخاطفة إرهابي معروف لدى أجهزة الأمن، وهو جزائري يدعى محمد الأمين بن شنب وقتل في قصف لمروحية عسكرية لسيارة كان على متنها خلال محاولته الفرار.