تصاعدت حدة الأزمة بين مجلس نقابة الصحفيين والنظام ككل، وجاء التصعيد بفعل غياب الحكمة من طرفى الأزمة فى البداية، وزارة الداخلية التى بادرت باقتحام النقابة للقبض على مطلوبين دون إخطار النقيب أو اصطحاب عضو من النيابة العامة، وأيضاً مجلس النقابة الذى أدار الأزمة بعصبية شديدة واندفاعه إلى تصعيد غير مبرر وغير مطلوب، ورفع سقف المطالب إلى درجة نعلم أنها غير موضوعية وغير واقعية، فبدلاً من المطالبة بإقالة وزير الداخلية كسقف أعلى أو تقديم اعتذار رسمى للنقابة كحد أدنى فوجئنا بالسقف يرتفع إلى اعتذار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وإقالة وزير الداخلية، وهى مطالب لا تتسم بالحنكة ولا الموضوعية وأوصلت العلاقة إلى طريق مسدود، اختصام الرئيس الذى كان يفترض مخاطبته كحكم. أيضاً كان الرد من قبل مؤسسة الرئاسة مزيداً من التصعيد على النحو الذى تمثل فى رسالة سير وزير الداخلية إلى جوار الرئيس فى رحلة الفرافرة وترديد الرئيس لكلمة «أنا مابخافش» تسع مرات. استمر طرفا الأزمة فى التصعيد فوجه مجلس النقابة الدعوة لحكماء المهنة ونواب البرلمان من أعضاء النقابة للنظر فى كيفية تفعيل قرارات الاجتماع الذى أطلقوا عليه «الجمعية العمومية» وهو ليس كذلك، فى المقابل تم الإيعاز لجماعة أخرى بالدعوة إلى اجتماع فى مؤسسة الأهرام تحت عنوان «تصحيح المسار» والهدف هو الترتيب لسحب الثقة من مجلس النقابة. هذا التصعيد المتبادل وغير المبرر لن يصب فى مصلحة لا النقابة ولا الدولة، وفى أجواء الاستقطاب الحاد تم جر شيوخ المهنة وحكمائها إلى ساحة الصراع فباتوا طرفاً فى الأزمة بدلاً من أن يكونوا جزءاً من الحل بل أداة الحل. فى تقديرى أن مصلحة البلد تقتضى الوقف الفورى لهذا التصعيد المتبادل أولاً، وقيام حكماء وشيوخ المهنة بطرح مبادرة تستند إلى مخاطبة الرئيس باستضافة أطراف الأزمة وزير الداخلية ونقيب الصحفيين وعدد من شيوخ المهنة وحكمائها، وتسوية الأزمة ودياً من خلال تعهد النقيب بعدم سماح النقابة بإيواء مطلوبين للعدالة بقرار من النيابة العامة، واعتذار وزير الداخلية عن واقعة الاقتحام والتعهد بعدم تكرارها. فى نفس الوقت لا بد من المسارعة برأب الصدع داخل نقابة الصحفيين كنتيجة لحالة الاستقطاب الشديد، ووقف كافة المحاولات الرامية إلى سحب الثقة من النقيب والمجلس، فالانتخابات على منصب النقيب ستجرى بعد عشرة شهور وعلى القوى المختلفة الاستعداد جيداً للانتخابات وتقديم مرشح لها فى انتخابات حرة نزيهة بدلاً من تمزيق النقابة التى هى فى النهاية قلعة الحريات ومنبر الرأى. يخطئ من يظن أن المواجهة الجارية يمكن أن تنتهى لمصلحة أحد الطرفين، فالمواجهة فى حد ذاتها تخصم من رصيد تحالف 30 يونيو، وتصب فى صالح جماعة الإخوان الإرهابية وتستخدم من قبل عواصم عالمية للهجوم على النظام القائم، وتعطى فرصة لخلايا إخوانية نائمة داخل النقابة للنشاط من جديد وهو ما شهدناه فى رفع شخصين لعلامة رابعة على سلالم النقابة وبث قنوات إخوانية مثل «الشرق» للأحداث مباشرة من داخل النقابة، وهو أمر ما كان له أن يتم إلا فى أجواء الأزمة الحالية. فى تقديرى أننا فى أمس الحاجة اليوم لسيادة الحكمة من مختلف الأطراف والابتعاد عن التصعيد، فأولى خطوات حل الأزمة وقف التصعيد والجنوح نحو التهدئة، ثم تغليب مصالح البلاد على المصالح الفئوية وعلى حالة العناد التى يلجأ إليها البعض، وأحسب أن مسئولية شيوخ المهنة وحكمائها تتمثل فى التقدم بمبادرة للسيد الرئيس، فليس منطقياً أن يطلب من الرئيس التقدم بالمبادرة، بل تأتى من شيوخ المهنة وحكمائها، يدعون الرئيس لاستضافة اجتماع والوصول إلى حل وسط يحفظ للجميع كرامته، فلا مجال لمواصلة التحدى وممارسة العناد والتصعيد فى قضية الجميع فيها خاسر.