ريشة بيضاء تداعب أوتار الشمس الذهبية وتُحيط بقرص الشمس كل صباح، وريشة سوداء تسبح فى فضاء السماء تلهو مع النجوم وتحيط بقرص القمر الفضى كل مساء، لا يتقابلان لكنهما رغم ذلك أصدقاء، هكذا تعلما من السماء.. يكفى أنهما الذكرى الوحيدة الباقية والشاهدة على قصة بدأت بشجار وانتهت بدمار.. فى يوم بعيد من أيام الشتاء استعدّت الشمس للرحيل، فلملمت أشعتها الذهبية، عادت أسراب الطيور إلى أعشاشها، وانحنت الزهور على أغصانها وتوارى قرص الشمس الذهبى خلف السحاب بعد يوم عمل شاق من أيام الشتاء كل الكائنات فيه تتمنى لحظة دفء تُبدد قسوة وبرودة الليل الطويل، كانت الغابة هادئة، وفجأة شق سكون الليل نعيق وصياح أيقظ كل الطيور والحيوانات، حتى السُحب انزعجت فى السماء، نظر الديك إلى السماء، قائلاً فى ضيق: اختفى القرص الذهبى اللامع الذى ينشر الدفء والنور، نعقت البومة فى غضب قائلة: ليس ذهبياً، أنه فضى يسطع فى السماء، فيُبدد ظلامها ويُشعرنى بالانتعاش فى ليالى الصيف، وبالبرودة فى ليالى الشتاء. صاح الديك وقال: القرص الذهبى يظهر فى الصباح، نعقت البومة وقالت لونه فضى ويظهر فى الليل وينير السماء، اختلطت زقزقة العصافير بنقيق الضفادع، قال العصفور لونه ذهبى، وقفزت الضفدعة فى تحدٍّ، قائلة «لونه فضى»، قال الخفاش فى ثقة: الديك نظره ضعيف، لكن لا أحد يختلف على حدة نظر صديقتى البومة، لذلك فهى على صواب، نبح الكلب وقال: الاثنان على صواب، الديك يستيقظ مبكراً فيرى قرص الشمس الذهبى ينشر أشعته فى السماء، والبومة الساهرة ترى فى الليل قرص القمر الفضى ينير السماء. أرجوكم يا أصدقائى لا تتشاجرا، ليسمع كل منكما الآخر بدلاً من النعيق والصياح.. لكن لا فائدة، كان الديك لا يسمع سوى صوته والبومة لم تحاول أن تفهم كلام الكلب. انقسمت الطيور فريقين يصيحان فى وقت واحد ولا يحاول كل منهما أن يسمع الآخر.. قال الكروان: أعشق القرص الفضى الساحر عندما يسطع فى السماء، أشعر بالسعادة وأغنى أجمل الألحان. زقزق العصفور، وقال: القرص الذهبى الساطع يتلألأ فوق حقول القمح الذهبية فتزدهر السنابل وتطرح الخير الوفير.. سمع القمر هذه الضوضاء، فتوارى خلف سحابة كبيرة واشتد الظلام، وغضبت السماء، فاشتدت الرياح وهبّت عاصفة شديدة فتناثرت أعشاش الطيور فى كل مكان، ولا يزال الديك يصيح والبومة تنعق والكلب ينبح. أوشكت الشمس أن تشرق، فجاءت مجموعة من السُحب واعترضت طريقها لتمنعها من نشر أشعتها الذهبية، فلم يَصِحْ الديك وظلت الغابة فى ظلام حالك، ذبلت الزهور وجفّت أوراق النبات، ولا يزال الديك يصيح والبومة تنعق، كل يُصر على رأيه من دون أن يسمع الآخر، والكلب ينبح فى ألم قائلاً: لماذا تتشاجران؟ كلاكما على صواب، لكن دون فائدة، قل الغذاء ومرضت الطيور والحيوانات، وانتشرت الأوبئة.. لم يجد النحل زهوراً يمتص منها الرحيق، لم تأكل البومة فئران الحقل، فهاجمت المحاصيل وأولها حقل القمح الذى صار مُسكناً لها، لم تلتهم الضفدعة الحشرات الضارة التى تؤذى أوراق النبات كان نقيقها الحاد يختلط بزقزقة العصافير فى شجار، كما اختلط الليل بالنهار واستمر الحال لأيام دون أن يلحظ الديك أو البومة اختفاء القرص الذى بسببه تشاجرا وتمسك كل منهما برأيه دون أن يُعطى لنفسه فرصة أن يسمع الآخر، ولم يبق فى الغابة الحزينة سوى الديك والبومة، كل منهما ما زال يصر على رأيه حول القرص الذى هجر السماء، اشتد الشجار فهجم الديك على البومة كان يشعر بالجوع وبادلته البومة هجوماً، فاختلط ريش الديك الأسود بريش البومة الأبيض، وأخيراً سكن صوت النعيق والصياح. وتناثر ريشهما الأسود والأبيض فى كل الأرجاء، لم يبقَ سوى ريشتين، واحدة سوداء والأخرى بيضاء تعانقتا وطارتا لتصنعا قلادة تُزين عنق السماء الرحبة التى تتسع لكل السحب وتظلل البشر فى كل مكان، يتجاور فيها قرص الشمس الذهبى وقرص القمر الفضى، كما يتجاور الليل والنهار. وكلما صاح الديك فى الصباح ونعقت البومة فى المساء، تتساقط دمعة من دموع السماء تتقاسمها الريشة البيضاء والسوداء..