فى ظل الوضع الاقتصادى الصعب الذى تمر به مصر، تتطلع مصر إلى المؤسسات المالية العالمية والحلفاء الاستراتيجيين من دول المنطقة لمدّ يد العون لها للخروج من أزمتها الاقتصادية. وبالرغم من تقاعس الكثيرين عن المساعدة، نجد «قطر» تمنح مصر نصف مليار دولار إلى جانب قرض بقيمة 2 مليار دولار كدفعة مساعدات أخرى فى وقت حرج تتردد فيه أنباء عن إفلاس الدولة وتوقع بانهيار «الجنيه» أمام «الدولار». لذلك قبل أن نبدأ فى التحليل لا بد من أن نشكر «قطر» على هذه المساعدات فكما يقولون «الشكر واجب»، وبعد تأدية الواجب، لزم علينا تحليل دوافع ونتائج هذه المساعدات. هل هذه مساعدات اقتصادية عادية؟! فى ظل هذا الجو الضبابى الذى يسود الاقتصاد المصرى والتوقعات السلبية للفترة المقبلة، فإذا حللنا الجدوى الاقتصادية التى تعود على «قطر» من وراء هذه القروض سنجد أن هذه القروض عالية المخاطرة ولا يجب تقديمها أو على الأقل يجب تأجيلها حتى ينتهى صندوق النقد الدولى من مفاوضاته مع الحكومة المصرية، لذلك فالتعجيل بهذه القروض وكذلك إعطاء منح معها يشيران إلى أن هذه المساعدات سياسية بلا شك. لكن لماذا تقدم «قطر» هذه المساعدات؟! من يتابع أخبار قطر واستثماراتها ودورها السياسى مؤخراً يدرك أن قطر، الدولة الصغيرة قليلة السكان كثيرة الموارد، تطمح للعب دور سياسى كبير ليس فقط على المستوى الإقليمى بل وعلى المستوى الدولى، لكن دولة كقطر تحتاج إلى شريك استراتيجى ذى ثقل حتى يساعدها على القيام بذلك، ولن تجد قطر خياراً أفضل من مصر لعقد هذه الشراكة، لذلك فمثل هذه المساعدات فى هذا الوقت الحرج إنما يدل على رغبة حثيثة من الجانب القطرى لتوطيد هذه الشراكة. هل لهذه المساعدات آثار إيجابية على الاقتصاد المصرى؟! بالطبع نعم، فعلى الرغم من الطبيعة السياسية لهذه المساعدات، فإنها تخدم الاقتصاد فى ثلاثة أوجه رئيسية: 1- ضخ مبلغ اثنين ونصف مليار دولار فى البنك المركزى الآن يشكل دعماً استراتيجياً لاحتياطى النقد الأجنبى ويعطى البنك المركزى قدرة أكبر للسيطرة على سعر صرف الدولار. 2- فى عام شديد الصعوبة على الحكومة، متوقع أن يتخطى عجز الميزانية فيه 200 مليار جنيه، فإن هذه المساعدات ستساعد الحكومة على تغطية جزء من هذا العجز بطريقة أخرى غير الاقتراض من البنوك المحلية التى أصبحت مثقلة بتمويل عجز الحكومة. 3- هذه المساعدات ستمنح الحكومة فرصة زمنية أطول بعض الشىء للبدء بالإصلاحات الاقتصادية المطلوبة التى ستثير الرأى العام وقد يصعب تطبيقها بسهولة كما حدث فى قرار رفع الضرائب. لكن هل هناك سلبيات لهذه المساعدات؟! للأسف نعم، ويمكن الإشارة إلى 3 سلبيات رئيسية: 1- هذه المساعدات بمثابة مُسَكِّن للألم يعطَى للاقتصاد ليصمد لفترة من الوقت دون الحاجة للتعجيل بالإصلاحات. فمع اقتراب انتخابات مجلس النواب يكون من الصعب على الرئيس والحزب الحاكم التعجيل بمثل هذه النوعية من الإصلاحات الاقتصادية غير الشعبية. 2- مُسَكِّن الألم يخفف الآلام حين تناوله ولكن يزول أثره وبعدها سيفاجأ الجميع بوضع أكثر صعوبة يحتاج إلى إصلاحات أكثر قسوة. 3- الدول الخليجية هى دول قبلية بطبيعتها، ولعل نظام الكفالة الخليجى يعكس فكر هذه الدول بشكل كبير. واستمرار الاعتماد على قطر يبنى جسوراً قوية معها ولكن على صعيد آخر يبنى حواجز مع باقى دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات تمنعها من تقديم المساعدات لمصر، ففى عرف الخليج لا يجوز أن يكون لك أكثر من «كفيل». ولذلك إذا نظرنا لهذه المساعدات، لا يسعُنا إلا أن نشكر «قطر» على الوقوف بجانب مصر فى هذه الأزمة، ولكن لا بد أن ندرك أن تسكين الألم سيكلف مصر الكثير عند بدء الإصلاحات الحقيقية.