انتظرت بفارغ الصبر كما انتظرت الملايين غيرى نتيجة انتخابات رئاسة الجمهورية، وذلك لأسباب متعددة، لعل أهمها أنها أولى الثمار المحسوسة لثورة 25 يناير المجيدة. هذه الثورة التى تفرقت السبل بمن قاموا بها، وضاع بعضهم فى متاهات المظاهرات الزاعقة والمليونيات الحاشدة التى تعددت حتى سئمتها جماهير الشعب التى تسعى وراء لقمة العيش، وتبحث عن الأمن، وتتوقد للاستقرار بعد فترة اضطرابات عظمى، وأحداث دموية شهدتها المرحلة الانتقالية. وصلنا بشق الأنفس إلى المحطة الأخيرة من محطات المرحلة الانتقالية التى ارتفع فيها شعار «يسقط حكم العسكر»، وتعالت الأصوات مطالبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتسليم السلطة للمدنيين، ووعد بأن يفعل ذلك بعد انتهاء جولة إعادة الانتخابات الرئاسية فى 30 يونيو المقبل. ومع ذلك سعت ائتلافات ثورية متعددة وتيارات سياسية تقليدية فى مقدمتها جماعة «الإخوان المسلمين» إلى تعطيل المسيرة، برفع شعارات متعددة أهمها الدستور أولاً قبل انتخابات الرئاسة، أو لا يمكن وضع الدستور فى ظل حكم العسكر! وتقتضى هذه المطالب إطالة مرحلة الفترة الانتقالية، وفى ذلك تناقض واضح مع مطلب تسليم المجلس الأعلى السلطة لرئيس جمهورية مدنى منتخب. غير أنه من بين الأسباب الأخرى التى جعلت ملايين الشعب المصرى بل ملايين الشعب العربى تنتظر إعلان النتيجة، أنها أول انتخابات ديمقراطية حرة فى تاريخ مصر المعاصر، بل ولعلها أيضاً فى تاريخ العرب الحديث! انتخابات تنافسية حقاً دخلها ثلاثة عشر مرشحاً، بعضهم يمثلون ثورة 25 يناير، وبعضهم الآخر كان جزءاً من النظام القديم، والبعض الثالث يمثل التيارات الدينية وفى مقدمتها جماعة «الإخوان المسلمين». وجاءت النتيجة الصادمة وهى نجاح د. محمد مرسى مرشح «الإخوان المسلمين»، والفريق أحمد شفيق الذى يعتبر فى نظر الكثيرين من «الفلول»؛ لأنه محسوب على النظام السياسى السابق وكان أحد أركانه. وراقبت ردود أفعال من انتصر من المرشحين ومن خسر، لكى أعرف هل ترسخت لدينا أولا تقاليد الخسارة بشرف، والاعتراف العلنى بالفوز لمن فاز. غير أنه لم ينجح فى هذا الاختبار الحضارى سوى مرشحين هما «عمرو موسى» و«حمدين صباحى»، وذلك لأن «عمرو موسى» لم يهاجم الانتخابات، ولم يدع أنها مزورة، ولكنه قرر أنه سيظل -بالرغم من خسارته- يعمل بالسياسة من أجل بناء الجمهورية الثانية لمصر، أما «حمدين صباحى» هذا النسر المحلق الذى استطاع أن يحصد أصوات أكثر من أربعة ملايين صوت وكان الأول فى محافظتى القاهرة والإسكندرية، فقد صرح بأنه علينا أن نحترم نتيجة الصندوق، فهذه هى الديمقراطية الحقيقية. غير أن بعض الخاسرين فى السباق من المرشحين اندفعوا لمهاجمة الانتخابات، فقد صرح «عبدالمنعم أبوالفتوح» بأنها عانت من «التزوير الناعم» ويعنى أن المال السياسى كان مؤثراً، على الرغم من أنه لم يطعن عليها بالتزوير. أما «خالد على» الذى قدم نفسه باعتباره مرشح الثورة الذى لم يحصل إلا على 11.00 صوت من كل محافظات مصر، فقد أسرع بالذهاب إلى ميدان التحرير ليقود مظاهرات غوغائية متهماً الانتخابات بأنها مزورة، ولم يسأل نفسه إذا كانت مزورة حقاً، فلماذا حصل «حمدين صباحى» على أربعة ملايين صوت وهو ممثل بارز لمرشحى الثورة، ولم يحصل هو إلا على بضعة آلاف صوت؟ وللأسف الشديد، فإن المظاهرات الغوغائية التى احتشدت فى ميدان التحرير احتجاجاً على النتيجة لا يمكن اعتبارها إلا كونها انقلابا صريحا على الديمقراطية، ومخالفة جسيمة لقيم ثورة 25 يناير. لقد اتفق المجتمع المصرى على أن الانتخابات النزيهة والشفافة هى المعيار، وبالتالى علينا جميعاً أن نحترم النتيجة مهما كانت صادمة لنا، ومهما كانت اعتراضاتنا على الفريق «أحمد شفيق» أو الدكتور «محمد مرسى». آن الأوان لمن يزعمون أنهم يدافعون عن ثورة 25 يناير، أن يلتزموا ليس فقط بآليات الديمقراطية ولكن بقيمها فى المقام الأول، وأبرزها قبول النتيجة، والصراع الديمقراطى السلمى لمعارضة الفائز بعد أن يتولى منصبه فعلاً بناء على الإرادة الشعبية.