أودعت محكمة الجنايات، حيثيات حكمها ببراءة توفيق عكاشة، من تهمة إهدار دم الرئيس والتحريض على قتله، أنها محصت الدعوى عن بصر وبصيرة وفطنت إلى أدلة الثبوت التي قام عليها الاتهام ووازنت بينها وبين أدلة النفي وداخلتها الريبة والشك في صحة عناصر الإثبات، وأنه بالنسبة للاتهام بالتحريض علانية على ارتكاب جريمة القتل بإهدار دم رئيس الجمهورية، فإن الثابت من مطالعة الأوراق والاسطوانات المدمجة أن عبارة إهدار الدم جاءت في سياق حديث بعبارة عامة غير موجهة إلى رئيس الجمهورية أو غيره وكان من المتعين قانونا أن تكون تلك العبارة صريحة ومحدده وليست غامضة، وتوافر صلة السببية المباشرة بين التحريض على ارتكاب الجريمة والجريمة ذاتها وهو مالم يتوافر في الاتهام المسند للمتهم بشأنها وهو ما نفته أيضا تحريات قطاع الأمن الوطني. أما بالنسبة للاتهام بإهانة رئيس الجمهورية، بأن المتهم بث عبر قناته الفضائية ببرنامج "مصر اليوم" العبارات المبينة بوصف الاتهام فإنه لما كان من المقرر وفقا لنص المادة 45 من الدستور الحالي التي تنص على "حرية الفكر والرأي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبير" وحيث أنه من المقرر أن النقد المباح هو إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر أو العمل بغية التشهير به، وأن حرية الرأي والتعبير قيمة عليا في حياة الناس، وهي من مصادر الخلق والإبداع وتنمية الخيال الأدبي والفني في كل الاتجاجاهات الممكنة فضلا عن أنها تعطي الأمل والثقة للناس في قيام نظام اجتماعي وسياسي سليم يحترم الفرد ويقدر مشاعره وضميره الأدبي وتعطي حرية التعبير للإنسان القدرة على المشاركة بإخلاص وفاعلية في الحياة الاجتماعية العامة والمساهمة في دفع التقدم الاجتماعي إلى الأمام مما لا يفسح المجال أمام نمو النفاق الاجتماعي وطغيان الانتهازية وسيادة العلاقات المزيفة القائمة على المصالح الشخصية البحتة التي تجد ضالتها في عهود الظلام وكبت الحريات، كما وأن حرية التعبير التي كفلها الدستور هي القاعدة في التنظيم الديموقراطي فلا يقوم إلا بها ولا ينهض إلا عليها، وما ألحق في الرقابة الشعبية النابعة من يقظة المواطنين المعنيين بالشؤون العامة والحريصين على متابعة جوانبها وتقرير موقفها من سلبياتها إلا فرع من حرية التعبير ونتاج لها وهي التي تردتد لخلق الله ومن أجل هذا جعلها الدستور مصونه ولا تمس. كما أنه من المقرر أيضا أن الطبيعة البناءة للنقد لا تفيد لزوما رصد كل عبارة احتواها مطبوع أو مسموع أو مرأي وتقييمها منفصلة عن سياقها بمقاييس صارمة ذلك أن ما قد يراه الإنسان صوابا في جزئية بذاتها قد يكون هو الخطأ بعينه عند آخرين ولا شبهة في أن المدافعين عن آرائهم ومعتقداتهم، كثيرا ما يلجأون إلى المغالاة، وأنه إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس في المجال الذي لا يمكن أن تحيا بدونه فإن قدرا من التجاوز يتعين التسامح فيه، ولا يسوغ بحال أن يكون الشطط في بعض الآراء مستوجبا إعاقة كما ينبغي أن يعتبر نقد رئيس الجمهورية في إطار حرية التعبير شريطة ألا يتم استخدام عبارات مهينة حقا لشخصه لا سيما أن كثيرا مما ينتقدون عمل الرئيس يطالبون الإصلاح وهدفهم الصالح العام، ومن هنا يعتبر ما يكتب أو يصرح به هؤلاء، في هذا الإطار ليس عيبا أو تطاولا أو إهانة، كما أن للرئيس أن يتسع صدره للجميع، فلابد من قوى معارضة له ولنظامه حتى يشعر الجميع أن هناك مراقبة فعالة لا شكلا، حتى يتحد أبناء الوطن بكافة طوائفه ومنظماته على قلب رجل واحد لإصلاح الوطن. ولما كان ما تقدم، وكان القانون لم يحدد العبارات التي تعتبر إهانة في حق رئيس الدولة بل ترك ذلك لقاضي الموضوع الذي عليه أن يحيك بالظرف الذي تطلق فيه الألفاظ موضوع الاتهام مع الوضع في اعتبار التقدير اللازم لشخص رئيس الجمهوية باعتباره رأس الدولة والواجب احترامه دون التمسك بحرفية تلك العبارات لاختلاف الدلالة باختلاف الزمان والمكان، وعليه فان الثابت للمحكمة وما استراح في وجدانها من أوراق الدعوى والاسطوانات المدمجة، أن المتهم كان يعتقد أن العبارات التي عبر بها عن رأيه كانت في نطاق النقد المباح وحرية التعبير والمصلحة العامة، ولم تتجه إرادته إلى النتيجة التي تتمثل في سعيه إلى إهانه شخص رئيس الجمهورية لاسيما وأن المتهم أنكر تلك الاتهامات بجلسات المحاكمة، وإذا كان هناك من يرى وجود ثمة تجاوز فإنه ينال من هذه الرؤية أن الدولة في أعقاب ثورة 25 يناير، وما ترتب عليها من إعلاء بحرية الرأي والتعبير قد سادتها بعض من السيولة لدى كافة أطياف المجتمع نتيجة للحالة الثورية التي كانت تمر بها البلاد. وأضافت المحكمة، أنها لم تطمئن لأدلة الثبوت على النحو السالف ذكره لكونها جاءت قاصرة على حد الكفاية لإقناع المحكمة لإدانة المتهم ومن ثم فإنها تعتد بإنكاره وما أبداه من دفاع، وكانت الأوراق خلت من ثمة دليل آخر يمكن التعويل عليه في إدانة المتهم، وقد خالج وجدانها الشك لعدم كفاية الأدلة مما يتعين معه براءة المتهم عملا بالمادة 304 /1 من قانون الإجراءات الجنائية.