(1) هذا الوطن لا يملكه من يحكمه، هذه الأرض لم يقدر عليها أحد لا من الخارج ولا من الداخل، هذه الأرض ملك ناسها، شعبها هو من يحرك حبات رملها، وهو من يسمح للهواء بأن ينقل بعض ترابها من اليمين إلى الشمال، ولم نسمع يوماً ما أن هذا الشعب قد صمت أو ارتضى بانتهاك أرضه غصباً أو تحايلاً، لذا أنا لا أخشى على مصر طالما ظلت أصوات المصريين مسموعة كما كانت أفراس النهر تزعج المرتبكين من الحكام والغاصبين، وهى فى بطن النيل. (2) سخرية المواطنين فى مصر لاذعة وحراقة وقاتلة فى كثير من الأحيان، وتتعدى حدود الأدب فى أوقات كثيرة، وتغتال بعض الناس معنوياً، وتنهى حياة البعض سياسياً، ولكننا ولدنا لنجدها هكذا، ولدنا وقبل أن تتم عملية فطامنا أخبرونا أن الشعب المصرى ابن نكتة، وأن نكته الساخرة لا تفرق بين غفير ولا وزير ولا رئيس، لا ترحم أحداً فى وقت الشدة أو وقت اليسر. والنكتة المصرية لم تكن أبداً نبتاً شيطانياً، هى بضاعة المسئول يلقيها إلى المصريين خائبة وبكل جدية، ويردها المواطن المصرى إلى قلبه نكتة تسخر من حال تصريحه وطريقة تفكيره. لا أتفق كثيراً مع أداء مواقع التواصل الاجتماعى تحديداً فى تلك النقطة التى يختلط بها ما هو ساخر بما هو تجاوز للأدب، ولكننى أعلم يقيناً أن نكتة المصرى وسخريته هى سلاحه الذى يهاجم به المسئول حينما يخطئ، لا يخترع النكتة ولا يسخر من الفراغ، ولكنه فقط يرد خطأ المسئول إلى صدره، لذا كفى المسئولين عن ارتكاب الأخطاء الساذجة أن يجدوا ما يهينهم بهذا الشكل على مواقع التواصل الاجتماعى. المسئول نفسه بأدائه بتصريحاته بأفعاله هو الذى يحدد صورته وشكله فى أذهان الناس، سواء على المقاهى أو فى مواقع التواصل الاجتماعى، لذا توقفوا عن لوم الناس، الناس لن تتحرك ألسنتها بالشر سواء كانت ساخرة أو غاضبة إذا وجدت أمامها أداء سليماً وتصريحات منضبطة. (3) أكبر المخطئين هو الواقف على ضفة أخرى ولا يرى أن الشعب المصرى لم يتغير، وأن المصريين على حالهم السابق فى عهد «مبارك»، يسيرون بجوار الحائط، لا يرغبون فى الاشتباك ولا يهتمون أصلاً بما جرى أو سيجرى، مخطئ من يرى أن هذا الشعب قطيع يمكن تحريكه لوقت طويل وفقاً للهوى، أو تارة بالكلام المعسول وأخرى بالعين الحمراء. ما بعد 25 يناير 2011 المواطن المصرى مختلف، يصمت ولكنه غاضب، جاهز للانفجار ولكنه هادئ، لا يقبل بعمليات إخضاعه، لا يقبل بتقييد حريته، لن يجعل ليالى أى مسئول سهلة أو بسيطة، لا يترك تصريحاً إلا وقام بتقييمه، ولا يترك فعلاً إلا وقام بدراسته. الشعب الموجود الآن لا تحكمه عصا ولا تفرقه حيل، فقط تجمعه أحلام ورغبة فى العيش بكرامة وحرية، إن لم يجد من يبذل جهداً وعرقاً لتحقيقها لن يبقى فى فترة ثباته لمدة طويلة. (4) لا تخَف بعد الآن من أى شىء يحدث، لا ترتبك بسبب أى قضية مطروحة، كن على ثقة دوماً أن الناس فى الشوارع أصبحوا من هؤلاء الذين يرون ويسمعون ويتكلمون ويراقبون ويعرفون من يعمل لصالحهم، ومن يعمل لصالح نفسه.