سألنى صديقى محمد الميكانيكى: «هو إنت ليه قلت لازم إن المعارضة تتحد؟». قلت له: لأن من مصلحة مصر ومن مصلحة المحافظين دينيا أن توجد معارضة قوية قادرة على تحمل المشاركة فى عبء الحكم؛ لأنه حين يمتلك نفس الحزب كل مقدرات الدولة تكون هناك مخاطر كبيرة على الدولة وعلى الحزب. فاكر لما سألتنى عن معنى الاستراتيجى ومعنى التكتيكى وقلت لك إن الاستراتيجى متعدد الجوانب وطويل المدى. والتكتيكى أحادى التوجه وقصير المدى. والمفروض أن الاستراتيجى يتضمن عددا من الخطوات التكتيكية. وأن التفكير التكتيكى عادة مباشر وسريع ومرتبط بحل مشكلة جزئية، والتفكير الاستراتيجى يأخذ فى الاعتبار عدة مشاكل مترابطة ويحاول أن يعالجها بشىء من التخطيط؛ لذلك المعلومات مهمة وتوقيت اتخاذ القرار وتنفيذه لا يقل أهمية. وهو ما حدث مع النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، حين قبل بصلح الحديبية لما له من مكاسب مثل: ضمان الحج فى العام اللاحق، تأمين الجبهة الجنوبية للمدينة، التفرغ لجهاد مشركى الجزيرة من غير أهل مكة، والأهم تقوية الجبهة الداخلية داخل المدينة نفسها. «فاكر؟».. سألت صديقى. «طبعا فاكر، وقلت لك إن أنا كمان استراتيجى لأننى لما اخترت مدرسة لكريم ابنى اخترت مدرسة بعيدة عن البيت شوية وبدفع فيها فلوس كتير علشان مدرسة كويسة ونفسى كريم لما يكبر يكون زى الناس المتعلمة، وما فكرتش تكتيكى بأن أدور على المدرسة الأريح والأقرب والأرخص. ووقتها سألتك: بس ما دمتم فاهمين كده، أمال البلد ليه ماشية غلط؟ وإنت قلت له لأن معظم المصريين فى مجال السياسة اتعلموها سماعى، لا قرأوا تاريخ ولا فلسفة ولا منطق ولا علم نفس ولا علم سياسة، علشان كده إحنا لا بنفكر استراتيجى ولا تكتيكى: إحنا بنفكر استراكيكى» قال صديقى. «هو ده بالظبط! يعنى اللى عايز يعمل حاجة يعملها الأول على أسس تكتيكية فتأتى النتائج الجانبية وغير المقصودة لتدمر ما كان يقصده، فلا يلوم نفسه على سوء تخطيطه وإنما يعتبرها مؤامرة شمالية غربية جنوبية صهيونية ضده. يعنى مثلا لما أحمد عز وجمال مبارك قررا أن الحزب الوطنى يفوز بالأغلبية الكاسحة من مقاعد البرلمان فى انتخابات مجلس الشعب فى 2010 وانسحبت على أثرها المعارضة وزادت احتمالات «التزويث» (وهو المصطلح الذى اخترعته فى 2010 لأشير لكيف أن مصر كانت تتعامل مع التوريث أحيانا ومع التزوير أحيانا، ولكنها على أواخر عهد مبارك أصبحت تشهد النمطين: التزوير من أجل التوريث). وكانت مكسبا تكتيكيا ترتب عليه خلل استراتيجى مهول أسهم فى قيام ثورة 25 يناير. ونفس الكلام مع بعض القوى الليبرالية والثورية التى طالبت بتأجيل الانتخابات من منتصف 2011، لم تكن تعرف أنها تعطى فرصة أكبر للإسلاميين، ولما صمموا أن تكون الأغلبية للقوائم فى الانتخابات لم يكونوا يعلمون أنهم يعطون فرصة أكبر للسلفيين، والمجلس العسكرى لما صمم أن تكون هناك عقوبة 500 جنيه ضد كل من لن يصوت، لم يكونوا يعلمون أن هذا يخدم السلفيين تحديدا، مع أن كل هؤلاء كانوا خايفين من الإسلاميين لكن عملوا لمصلحتهم. ولما قررت القوى الوطنية الخاسرة فى الانتخابات أن تتحد بعد الحكم ما صفر (يعنى بعد الانتخابات) فى مجلس رئاسى، كل ده تفكير استراكيكى على أعلى مستوى. «طيب وده إيه علاقته بتوحد المعارضة؟» سألنى صديقى. قلت له: من يفكر تكتيكيا من القوى المحافظة دينيا سيسعى «للتكويش» على كل حاجة، لكنه سيكون تفكيرا استراكيكيا، قد نندم عليه جميعا؛ لأنه سيدمر أحد أسس الديمقراطية وهو التوازن بين السلطات، وهو ما لا ينبغى أن نفرط فيه، كما أنه سيهدم مقومات التعايش السياسى فى مجتمع مأزوم؛ لذا من الأفضل أن تحصل المعارضة على أكبر عدد ممكن من مقاعد مجلس النواب فى حدود ديمقراطية العملية الانتخابية. «طيب ودى تحصل إزاى؟» سألنى صديقى. قلت له: «ما هو ده التفكير الاستراتيجى يا صديقى».