لنعد للوراء عاما وشهورا، لأيام التحرير، من حلم وهو يصرخ لإسقاط النظام بأن يحل محل الرئيس السابق أى من المرشحين للرئاسة اليوم. أهذا هو طموح الثورة؟ ما أقصره. صرخوا ضد مبارك. ذاك رئيس طاعن. كهل يحكم بفكر متهالك. أما أنتم فأردتم روحاً شابة تقود الأمة لمستقبل حر وعادل. وبعد أكثر من عام يصل لنهائيات السباق مرشحان أصغرهما فى الستين. صرخوا ضد الاستبداد وقمع الحريات. ويصل للإعادة شخصان أحدهما لا يعرف هو وجماعته ما تعنيه (حرية) وآخر هو بشهادتكم متهم بأنه جزء من الاستبداد القديم. فأين ثورتكم؟ ماذا فعلتم بشوارع التحرير؟ ولماذا هيجتم الشعوب العربية ضد أمنها وسلامة أفرادها؟ ومن قائد الثورات العربية الحقيقى؟ هكذا ببساطة ساروا ليصوتوا لأشخاص ليس بهم رجل تنطبق عليه مواصفات ثورة التحرير. بل حتى مواصفات الزعيم. فمن قائد الثورة؟ من الزعيم الحقيقى الذى أوصل الناخبين إلى إما شفيق أو مرسى؟ ونحن انتظرنا. كل شهر تخيلنا أن بطلاً قائداً لأولئك الشبان قد لاح وأعلن عن وجوده. ومرت الأيام ولم يظهر أحد. لم يكن هناك أحد. الحقيقة أن شبحاً مر بخيالنا التواق لعهد البطولات والزعامات العربية. كان الشباب غير منظمين، متناثرين. لدرجة دفعت البعض لتسميتهم ب(شلة صيع) والأهالى للمناداة: (يسقط ميدان التحرير)، وحتى الثورة تبدو كأنها تحققت بفعل فاعل استخدم الشباب لإفساح المجال للقوى السياسية المتصارعة أن تتنفس الصعداء، أو أنها تحققت بهوجة شبابية أدت لإسقاط النظام بالصدفة. وحسبت الملايين أولئك الشبان أبطالاً سيعيدون مجد النهضة العربية. اليوم أجادل شابا من التحرير، أو كما سيُطِلق عليه الإخوان مستقبلا (ميدان التكبيل)، فيقول: إنه سيصوت لمرسى كيلا يعود فلول النظام السابق. سيضحى الشاب بالحريات الاجتماعية والدينية لأجل ديمقراطية سياسية. أن تجتمع الحريات السياسية مع فقدان الحريات الاجتماعية بمكان واحد أمر مستحيل. أبداً لن يجتمعا. أما قبول التضحية بالحريات الاجتماعية والأدبية والفنية التى كانت ممنوحة وقت النظام السابق مقابل عدم وصول الفلول، فيعنى أن شباب الثورة عديمو الوعى. ومثلهم كالإخوان لا يدركون معنى (الحرية). بل يؤكد المساكين بسذاجة أنهم سيشترطون ضمانات من الرئيس الإخوانى القادم. هل حدث والتزم الإخوان بكلمة تعهدوها؟ صوتوا للإخوان. لأن «شفيق» كان جزءا من النظام؛ ولأن الموقعة تستدعى الرضوخ مدى الدهر والصلاة لإله اسمه الإخوان. صوتوا لمن لا يعترف بحق الحرية الشخصية التى منحها الله للبشر، وانظروا لتونس (الحرة سابقاً) يستعرض الإسلاميون بشوارعها عروضا قتالية رافعين علم القاعدة. لمن الأولوية؟ لمصر أو للثأر؟ وأهلا بالديمقراطية. يمنع تسمية مرشحى شفيق بالفلول. خمسة ملايين وخمسمائة ألف فلول؟ عدا الذين لم يصوتوا. الأمر يستحق التوقف عن تداول اللقب، وعن اتهام الإعلام والمخابرات والمجلس العسكرى بالتأثير على أصوات الناخبين. أليست ديمقراطية الثورة نزيهة؟ خمسة ملايين؟ كثيرة. الذين خرجوا لتأييد مبارك ضد الثوار قيل إنهم قبضوا. والذين خرجوا لشفيق اليوم يُقال إنهم قبضوا. وفى مراحل عربية سابقة وراهنة، أُطلق على معارضى الأنظمة الأيادى الغربية أو الشيوعيون أو الإرهابيون. ماذا تغير بديمقراطية العرب؟ لنفرض -مجرد فرض- أنهم لم يقبضوا. لنفرض أنها خمسة ملايين حقيقية. أنستمر بمناداتهم فلولاً؟ هؤلاء جزء ضخم من النسيج المصرى. جزء يحن للأمن السابق. ولا يؤمن بالديمقراطية العربية المشوهة. جزء يريد «شفيق». الذى نعرفه جيدا أن الإخوان هم من لعبوا على عاطفة الفقر وبنوا المصحات المجانية من سنين ومشوا لأبعد القرى ليشتروا الأصوات بالخبز والسكر من غلابة تقف لقمة العيش عائقا أمام اهتمامهم بمن يحكم. وإن كان نصف المصريين (إخوان) ونصفهم الآخر (فلول). فمن يتبع فكر شباب الثورة؟ لا أحد. ثورة يناير ليس لها فكر. كانت ثورة الإخوان بجدارة. حتى العراك الذى دار قبل عام كان بحقيقته بين الإخوان والنظام السابق. بين مرسى وشفيق. والشبان الذى قضوا للأسف كانوا فداء لقضية ليست قضيتهم. لعب الإخوان كعادتهم. والعرب انتظروا خروج الزعيم. لطالما أخرجت مصر زعماء للحرية. فهل ننشر الإعلان التالى: (أفلست مصر)؟ وهل نبحث عن زعيم بمكان آخر؟ موت الحرية بمصر يعنى أن سنين كئيبة طويلة تنتظرنا بلا حرية. بلا وحى للحرية. هذا المقال أختمه بتهنئة لصحيفة «الوطن» على بدايتها الحرة الأنيقة. وأهنىء نفسى على علاقة صداقة ومهنة تربطنى بالأستاذ مجدى الجلاد. رجل من مصر التى نعرفها. وقف يساندنى (دون أن يعرفنى جيداً) أيام معارك قضائية ومجتمعية ودينية باسم حرية الرأى لمقالات كتبتها بجريدة (المصرى اليوم) بوقت لم يتجرأ رجل من ديارى على كتابة كلمة عنى. وأهنئ نفسى بكل المصريين الذين ساندونى بوقت اعتقدت أننى أسير فى الطريق وحيدة. هذه مصر. هذه حضارة ليست ملكا للمصريين وحدهم.