لم يتبق الكثير على حلول عيد الاضحى المبارك، حيث اللحوم والفتة التي تزين المائدة المصرية كل عام في هذا التوقيت، وبدأ الكثير من الجزارين بذبح الذبائح وتعليقها على أبواب محال الجزارة إيذانا بحلول عيد الأضحى، ومحاولة منهم لجذب المارة ليشتروا اللحم، ولا تقتصر فتة العيد على اللحوم فقط فمكونات الفتة كثيرة وتختلف من طبقة لأخرى، فلان هذا يرى أن الفتة لا تكتمل الا بالطماطم ولا تخلو من الخبز، فبائعي الخضار ومخابز العيش ايضا بدأت في الاستعداد وتهيئة اوضاعها للازدحام الذي ستشهده الايام القادمة، ولأن كثيرا من الاسر المصرية لا تكتفي باللحوم او تساند اللحوم ببروتين من نوع آخر كالفراخ والاسماك، بدأ الفررارجية ومحال الاسماك في التحضير لما سيشهدونه من طلبات الزبائن التي يملئوا بها "الثلاجات" فكلا يستعد على طريقته، ولكن كل عيد بعد الآخر يقل هذا الاستعداد لأن الزبائن تقل رغبتهم في الشراء ويقل مخزون "ثلاجاتهم" نظرا للارتفاع الواضح في الاسعار الذي يغزو السوق الفترة التي تسبق كل عيد، وياتي العيد هذا العام "اخر الشهر" فيتزامن مع خلو جيوب الموظفين من الرواتب، ومع دخول رب الأسرة في دوامات واسئلة "منين؟ وبكام؟ وازاي؟" وضرب الاسداس في الاسباع" فمنهم من سيضطر للانتظار حتى يوم 24 اي قبل الوقفة بيوم لشراء مستلزماته للعيد ربما للحصول على القبض قبل العيد، ومنهم من سيحرم من شراء ما يحتاج لأن راتبه قد اوشك على النفاذ او نفذ وصاحب العمل اصر على ان يكون القبض بعد العيد، ومنهم من يعتمد على المساعدات الخارجية من "السلف"، والى من لا يجد من يسلفه فينتظر "فرج الله"، وبين هذا وذاك فوسط كل هذا يجد المواطن المصري نفسه داخل دوامة كبيرة ليس لها بداية ولا يعرف كيف ستكون نهايتها ويجد نفسه حائر بين الفرح بدخول العيد ام الانشغال بغلو الاسعار وخلو الجيوب من الاموال. "سهير. م" 40 عام، مدرسة بمدرسة اعدادية انها ستقبض راتبها يوم الاربعاء وحتى الآن لم تشتري اللحوم اللازمة لها في العيد حتى الآن، وقالت إن سعر اللحوم وصل في المنطقة التي تعيش بها الى 70 و75 جنيه في حي الدقي وان الارتفاع لم يقتصر على اللحوم بل طال الفراخ فوصل الكيلو بها الى 14 جنيه، اضافة الى الخضار والطماطم، وقالت ان اكثر ما يعاني منه الشعب المصري هو رغيف العيش وان الرغيف الذي يصلح للاكل يصل سعره الى 25و50 قرش للرغيف الرغيف الذي تدعمه الحكومة ب"5 قروش" لا يعتبر رغيف ولا يقبل الفراخ اكله وليس بني ادمين من لحم ودم". وتابعت ايمان عاملة بمصنع ملابس 35 عام ان سعر اللحوم في منطقة حلوان حيث تسكن وصل إلى 60 و65 جنيه وقالت ان اسرتها تتكون من 6 افراد وانها تشتري 3 كيلو من اللحوم فقط قبل العيد، واشارت ان هذا الكم لا يكفيهم وانها تضطر لتقضية العيد "يوم لحمة ويوم مفيش" لانها لا تستطيع هي وزوجها تحمل تلك التكلفة المرتفعة للحوم والخضار ومستلزمات المنزل الاخرى. واما عن ام محمود 48 عاما، ترتدي عباءة سوداء وواضعة على راسها اشارب اسود اللون يملأ وجهها تجاعيد تعبر عن شقاء وتعب سنوات وتدل على فقر شديد تعيشة تلك السيدة بمنطقة "ابو اتاتة" فهي بائعة خضار داخل مشنه واحدة على رصيف، كان السؤال يبدو غريب عليها عندما سألناها كم كيلو من اللحم ستشتري هذا العام، اجابت "وهي انهي سنه كنا بنشتري لحمة في عيد او غيره" وتابعت " يا بنتي انا عيالي ممكن يكونوا اكلوا اللحمة دي من 3 سنين مرتين جبهالنا ولاد الحلال من الجامع" وامتلأت عينها بالدموع وبدأت تدعي على كل من بيديه سلطة في هذه البلاد وقالت "منهم لله الذي لا يضيع عنده حق مظلوم، بتوع الفرن وبتوع الخضار وكل اللي بيذلنا في البلد دي" وبعد صمت اتخذته لتهدأ وتكمل كلامها قالت بسخرية تصحبها ضحكة صفراء ممزوجة بالم شديد قالت "اهو بردو احنا بنسيب اللحمة دي لناسها، احنا بناكل كبد واوانص زي الفل"، وختمت الحمد لله كل اللي يجي من عند ربنا رضا. واستكمالا لراي ربات المنازل في الاسعار قبل العيد قالت رباب 39 عام، موظفة بنقابة المعلمين ان اسعار اللحم في شبرا وصلت الى 60 و70 جنيه للكيلو وانها تستطيع شراء 2 كيلو لحم في العيد فقط حتى يكفي راتبها هي وزجها لباقي الشهر من مصاريف دروس لمواصلات ولطعام لاشياء اخرى. وقالت انها ستضطر للانتظار ليوم الاربعاء حتى تقبض ال600 جنيه راتبها وفي هذا الوقت تقل البضائع من السوق وترتفع الاسعار نظرا لقلة المعروض. وقالت ام هند ربة منزل انها لن تشتري لحمة هذا العيد لان ظروفها الاقتصادية لا تسمح، وقالت ان هذا ليس عيبا وان معظم المصريين سينصرفون عن شراء اللحمة ولكنهم لا يريدون القول لانهم يعدون ذلك عيبا، واضافت انها ترى ان هناك استغلال واضح للمواطنين في كافة السلع من الخضار والدجاج والاسماك وانها لا تعرف كيف تستطيع تدبير امورها هي وزوجها الموظف البسيط مع انهم لا ياكلون "ولا لحمة والفراخ مرة في الاسبوع". وفي ذات السياق قالت عبير حسنين ان زوجها اعطاها لتشتري كيلو ونصف لحمة فقط قبل العيد بعد مشادة كبيرة بينها وبينه بسبب عدم وجود اموال كافية معه وان هذا آخر الشهر ولن يقبض الا بعد العيد بأسبوع، وانها نظمت "جمعية مع جيرانها لتشتري لحمة العيد ولكن تم صرفها لدروس اطفالها". وعن محال الجزارة المنتشرة في كل مناطق الجمهورية والتي يظهر فيها بوضوح اختلاف الأسعار الكبير من منطقة لاخرى، ففي المناطق الشعبية كبولاق وامبابة والمنيرة ودار السلام يتراوح سعر اللحوم بين 50 و55 للكيلو ويصل بعضها لل60 اما في المناطق المتوسطة كالدقي والعجوزة تصل الى 65و70 جنيه للكيلو وفي المناطق الراقية تبدأ الاسعار من 80 الى ما يتجاوز المئة للكيلو الواحد، واكثر من يعرف سبب ذلك هم الجزارين المتمرسين في هذه المهنة. فقال اسماعيل عوض الدين جزار إن سعر اللحوم يرتفع عند دخول العيد وذلك لانه موسم وان طوال العام يقل الطلب بشكل ملحوظ على اللحوم والعيد هو الموسم الوحيد للجزارين وهذا لا يعني استغلال بالمرة، وقال ان كل عام طلب المصريين يقل اكثر من العام الذي يسبقه في العيد وهذا يعود الى الظروف الاقتصادية القاسية وظروف المعيشة الذي يعيشها كل المصريين بما فيهم الجزاريين، وقال إن كل جزء في الدبيحة يختلف سعره عن الآخر فالضاني غير البتلو غير الكندوز غير الفليه. وأضاف عبد الرحمن الجنيدي جزار بمنطقة الدقي أن اقصى طلب يطلبه الزبون قبل العيد حتى الآن هو 4 كيلو لحمة فقط وهذا عكس ايام زمان وقت ما كان الطلب قبل العيد يصل الى 7و10 كيلو، وقال ان هذا يدل على الفقر الشديد الذي وصل اليه الشعب وانه يستعجب ممن يعتقد ان الجزار يأكل كل يوم "لحمة"، وقال ان الجزار يمكن ان يأكل لحمة مرة كل شهر كأغلب المصريين لأن اللحوم الذي يعرضها ليست ملك له ولكنه مدان بثمنها، وقال ان اغلبية المصريين يأكلون اللحوم اول يوم فقط ويقضون باقي ايام العيد على الفراخ، وقال ساخراً الفته بالفراخ بديل يحاول المصريون ان يقنعوا انفسهم به". وعن المحال الكبرى التي تبيع معظم السلع الغذائية والتي يتردد عليها عدد كبير من المصريين لسد حاجتهم من مستلزمات المنزل اكد العاملون بمحال "ابو زكري" و"خير زمان "و"مترو" ان حركة البيع والشراء شبه نائمة هذه الايام على عكس السنوات الماضية التي كان يتكدس بها المواطنون على هذه المحال، وقال ان السبب يعود الى ارتفاع اسعار بعض السلع الغذائية مع تدهور الاحوال الاقتصادية وقال إن المصريين معتادون على شراء خزين لمنازلهم يكفيهم خلال أيام العيد، ولكن حتى الآن كل الطلبات على البضائع بسيطة ولم يتم سحب كميات كبيرة كالمعتاد الا قليل من الزبائن.