شاركوا في حرب اكتوبر ولا يعرفهم الإعلام ، تجدهم بين الملايين لا تحمل جبهتهم علامة المشاركة في حرب اكتوبر مثلما تحمل رؤسهم خصلات شعر بيضاء ووجه ملئه التجاعيد ، تحمل أعمارهم رائحة نصر لا يعرف للشهرة طعما، سوي أنهم علي قيد الحياة ، يتذكرون ساعات يوم النصر وكأنها حدثت أمس ، لا زال مشهد دماء الشهداء يحفر رؤوسهم وذاكرتهم التي لوثها فساد النظام المخلوع كما روو ل"الوادي" عن تحول أحلامهم بنصر اكتوبر بعد خمسة عشر عاما إلي كابوس ينهش ما تبقي من ذكريات فرحة النصر ، وقد شارك في حرب اكتوبر الاف الشباب الذين لم يعرفهم الاعلام ولم تسلط عليهم الأضواء تحولوا إلي مسنين مخلد في ذاكرتهم يوم النصر ودماء الشهداء . على الرغم من عجزه يرتدى "كاب وتيشرت" فاتح اللون ويجلس على كرسى امام محطة المترو ليبيع كروت شحن والبسمة لاتفارق عينيه سمير عبد الوهاب يبلغ من العمر 65 عام أحد ابطال حرب اكتوبر يقول عن ذكرياته يوم السادس من اكتوبر "عندما دقت الساعة الثانية ظهرا واستعد للانتصار بوقوفه امام مدفعيته ليطلق النيران على العدو الصهيونى لتغطية الجنود الذين يعبرون قناة السويس وحمايتهم منه فهم كانوا من جهة والدفاع الجوى من الجهة الاخرى وهذا ساعد الجنود ان يقوموا بفرش الكبارى ويحققوا الانتصار" واكثر المشاهد التى لا يستطيع ان ينساها حتى الان هم زملاءه الذين أستشهدو بجانبه ، ومن كان يفقد جزء من اطرافه ، ومن كان يتمزق كليا والدماء تتطاير على وجوهم ، وهم مستمرين فى قول الله اكبر ، إلا ان هذا ليس اصعب من حرب الاستنزاف التى فقدت فيها مصر الكثير ، وخصوصا الشهيد عبد المنعم رياض عندما كان يزور موقع" نمرة ستة" ثم غدر بنا العدو فجأة فحرب اكتوبر هى من جعلته من جديد يرفع راسه ويفتخر بانه شارك فى حرب مجيدة اخذ قرارها رجل شديد الذكاء والتضحية من اجل وطنه وهو الزعيم الراحل انور السادات الذي ضحي من أجل مصر واخذ اخطر قراراته ، فكان من الممكن ان يحاسب اشد الحساب اذا فشلت الحرب ولكن بتوفيق الله استطعنا ان ننتصر ثم عاد سمير الى حياته الطبيعية بطل من ابطال مصر ليجد وظيفة بشهادة البكالوريس فى احد البنوك المصرية ويربى اولاده الاثنين ويعملهم ويزوجهم ثم اصبح على المعاش ولكنه لا يستطيع تحمل الجلوس فى المنزل فقرر ان يختار له مهنة وهو يتمنى ان تكون مصر بافضل حال دائما والى الابد. بينما كان عم عبده يقف لينظم سيارات الشركة التى يعمل بها اقتربت اليه عدسة " الوادى " لتسجل ذكرياته فى حرب اكتوبر عندما كان يبلغ من العمر 21 عام حيث جاءه قرار الحرب و الذى كان مفاجئ للجميع لكنه لم مفاجئا له ، خاصة لا دائما كان فى تدريبات وعلى استعداد فى خوض اى حرب مهما كانت فى اى وقت هو وكل الجنود ، وبالفعل اتجه مباشرة لمكان المعركة الذى كان متشوقا جدا للتخلص من كل صهيونى محتل يقابله قائلا أنه كان فى المؤخرة و يشرف على الطعام والمؤن ، ولكن اخيرا حلمه تحقق عندما كان يضطارد الجنود الصهاينة حتى خرجوا تماما من سيناء ، واصبحت بالفعل مرة اخرى فى الايدى المصرية فعلمته ايام الحرب الكثير واهمها هو كيف يعلم ابناءه ان يستعيدوا عزتهم وان يقوم بتربيتهم على البطولة والمرؤة وكيف يجدوا صحبة طيبة ولا يتركوها مثله فهو مازال على صلة باحد زملاءه من محافظة الشرقية المجندين وق اصبحوا اكثر من الاخوة وعلى صلة قوية ببعضهم ومازالو يزوروا بعضهم حتى الان ، الا زال حالهم كما كانوا معا ينتظرون ان تدق طبول الحرب حتى يحققوا الانتصار. عم عبده على استعداد ان يحارب مرة اخرى ويلبى نداء مصر عندما تحتاج اليه مثل باقى المصريين الشرفاء ووسط روايته عن حرب اكتوب وسرد زكرياته ضحك ضحكة عالية ، لانه تذكر احد اصدقائه الذى كان من المفترض ان يتزوج فى يوم السادس من أكتوبر ولكنه منع ان يذهب لحضور عرسه بعد طول انتظار اكثر من اربع سنوات على زواجه واطلقوه عليه " المجند النحس " ولكن لم تطول ضحكته لانه قال " ان وجدت مصر بطلا حقيقيا بعد حرب اكتوبر واستثمر الحرية او حتى ثورة الخامس والعشرون من يناير لكانت مصر شيئا اخر الان وماكان يعمل حتى الان وهو فى العقد السادس من عمره بعد رحل عمل طويلة مر بها بعد الحرب فى دول الخليج ولكن لم يتبقى من ماله شئ لغلاء المعيشة فأولاده يحتاجوا اليه حتى الان على الرغم ان كلا منهم اصبح له حياته الخاصة ولكن صعوبة المعيشة فى مصر كان سبب فى ان تنتصر يوما على اعدائها وهى نفسها التى جعلته لا يستطيع ان يجد الراحة بعد كل هذا العناء والتضحية ولكنه يتمنى ان ينظر المسئولون جيدا للمصريين "الطيبين" الذى يجب ان ينتشلوهم من الفقر لان هذا واجب عليهم وعلى الشعب ايضا ان يساعدهم على هذا. عشرون جنيها هى مكافأة عم رسمى يوسف 70 عام "صانح الاحذية العجوز" يبدأ حكايته " كنت وقت الحرب ذاهبا إلي المنزل لروية والدتي التي لم آراها منذ شهرين وفى يوم الحسم اوقفني الضابط ومنعني من الذهب ولم أكن أعرف السبب وفجأة فى تمام الساعة الثانية ظهرا سمعت اطلاق النيران وأعطوا لي الاوامر أن أجهز نفسي للحرب فى سلاح المهندسين وبعد أن جهزت المؤن فتحت احد خراطيم المياة التى كانت السبب فى تحطيم خط برليف الساتر الترابى وكانت هذه الفرصة بمثابة انتقام لشهدائه الذين فاضت أرواحهم في حرب الإستنزاف ، وصديقة الذي بترت ساقة في الحرب فتركته خطيبته " ، وسط هذه الذكريات يعيش عم رسمى فى محله الصغير يلمع أحذية المواطنين التى ذابت من السعى وراء اكل العيش مقابل جنيه ونص ،حامدا الله على رزقه "ويفخر كثيرا انه كان احد ابطال حرب اكتوبر ". ويصف الحاج حمدى كامل وهو جالس على كرسيه الخشب فى قهوته المفضلة ان قرار الحرب كان مفاجئ للجميع وهذا ساعد على اغفال العدو الاسرائيلى وخصوصا أن هذا اليوم كان يوم عيد لديهم وهو عيد "الكيبور" او الغفران وهذا ماكان ينتظره بعد مقتل اكثر من 100 الف مجند مصرى فى سيناء على غدر وكان اكثر سبب فى هذا ان سيناء ارض مكشوفة فاستطاعوا ان يقتلوا كل هذا العدد غير الاسرى من الجنود الذين تعذبوا كثيرا عندما كانوا تحت سيطرة العدو وكان لا يوجد حينها طيران مصرى، ويرى ان حرب اكتوبر تدل على ذكاء المصريين لانها حرب سريعة استطاعت ان تجعل ارض سيناء تعود الينا مرة اخرى ، فعند استعداده للانتصار كان يرى الحماسة فى وجوه الجنود ، وكان من بين الجنود الذين مروا الى الضفة الغربية ورأى اول من رفع العلم المصرى ويؤكد ان الاسرائيلين كانوا غير متوقعين تماما انهم سيستطيعوا ان يقضوا على ساترهم الترابى ،كان يتوقع بعدها أن تكون مصر من الدول العظمي إلا أنه وجد عكس ماكان يحلم من فقر مدقع وجوع وجهل وعدم مراعاة المسئولين وخلافاتهم السياسية وقال ان كان لديه ابن كان سيجعله بطلا يحقق تنمية هذه البلد ولكن لم يوفقه الله ان ينجب إلأ أنه متفائلا ان مصر ستنجب بطلا سينقذ شعبها ويرفع علمها . كان يعمل سعيد محمد "سمكرى" فى ورشته بمحافظة أسيوط منذ اكثر من تسعة وثلاثون عاما حتى اخذه واجبه الوطنى ليتدرب على حماية بالده وامنها فهو نال شرف انه كان من أول دفعة عبرت القناة ليركب رابع لنش بعد تركيب خراطيم المياة ويحميهم جنود من خلال أطلاق النار وكان من قبلها يعيش الاعداء فى جو الغفلة فى خناديقهم وفجئوهم واستطاعوا الانتصار فمن المشاهد التى يتزاكرها حتى الان هو كيف كان يدربوه فى الجيش قبل الحرب على الصبر والتحمل والعزيمة وحب الوطن وماكان يبذله المسئولون حينها ليتدربوا تدريبا عاليا للاخذ بثأر شهداء النكسة واخذ ارض الخير سيناء ولن ينسى ايضا فرحتهم التى كانت تلمع فى عيونهم جميعا عند الانتصار وحكى لنا قصة تعبر عن المشاعر الطيبة بين المصريين الابطال وهى ان كان هو واصدقائه فى الجيش عندما يخرج احدهم فى اجازة يزور اهل كل صديق له الذى يرسل معه شيئا يرغب فى اعطاءه لاهله. ويتعجب عم سعيد،مرددا الم يان الاوان ان تكون مصر من اكبر دول العالم ويؤكد ان اذا عمل اهل مصر وشعبها بروح بطولة اكتوبر سيتغيرون فهم السبب فى فقرها وضعفها الذى يزداد كل يوم عن اليوم الذى يليه وكانت احد يداه تتعجز على عجاز والاخرى رفعها الى السماء ويدعو لمصر انها تكون احسن بلد.