لا تُقصّف رسالتي يا صديق بل اقرأها حتى النهاية لقد مللتُ أن أكونَ مجهولةً غريبةً في طريقك. لا تنظرُ هكذا، عابساً مُتجِّهاً. فأنا حبيبتك، أنا لك لستُ راعيةً، ولا أميرة وما أنا راهبة. رُبّما ما زلتُ في ردائي الرمادي المُعتاد وعلى كعبينِ عتيقين ولكنني كسابق عهدي، حارة في العناق والرعبُ يملأُ عينيَّ الكبيرتين. لا تقصّف رسالتي يا صديقي ولا تبكِ كذبةً محبوبةً ضع الرسالة في حقيبةِ سفركَ الفقيرة. في قعرها العميق نفسه. آنا أخماتوفا الطفلة التى بدأت تقرض الشعر وهى لم تتجاوز الحادية عشرة من عمرها، قررت ان تكتب الشعر بأسم مستعار لآنا أندرييفنا غورنكو ، ولدت أخماتوفا في 23 يونيو 1889 ببلشوي فونتان إحدى ضواحي أوديسا بروسيا لأبوين هما اندريه انطونوفيتش غورينكو واينا ايرازموفنا. بعد عامين من ولادتها انتقلت أهلها للعيش في تسارسكويه سيلو في بطرسبورغ؛ في 1905 تطلق والداها وانتقلت ووالدتها إلى يفباتوريا ثم إلى كييف لتكمل تعليمها، تعززت مكانتها حين ألقت أشعاراً من نظمها في ندوة أقيمت تكريماً للشاعر الرمزي فياتشيسلاف إيفانوف ومنذ شتاء 1911 بدأت أخماتوفا تشارك في "مُحترف الشعراء" الذي ضم شعراء الحركة " الأوجية"، التي تزعمت تياراً أدبياً في الشعر الروسي ظهر سنة 1910 يناهض الرمزية ويدعو إلى الموضوعية وتحري الدقة في انتقاء معاني الكلمات والاهتمام بالعالم المحسوس، وكانت هذه الحركة تضم إضافة إلى منظرَيها الرئيسين نيقولاي غوميليف وسيرغي غروديتسكي عدداً من الشعراء الشباب منهم: أوسيب ماندلشتام ،وميخائيل كوزمين، وغيرهم. تعرفت على نيقولاي غوميلوف الذي أرتبط بها عام 1910 منجبة منه ليف غوميلوف أبنها الوحيد. نشرت مجموعتها الأولى "المساء" عام 1912 وحازت على الكثير من الإعجاب والثناء والشهرة حتى أن روسيا كانت بحلول عام 1914 –موعد صدور مجموعتها الثانية- تعج بالآلاف من الشاعرات اللاتي يكتبن الشعر على الطريقة "الأخماتوفية" مما دفعها إلى التعليق قائلة: لقد علمت نساءنا كيف يتحدثن، لكنني لا أعرف كيف أسكتهن! . استمر ارتباطها بنيقولاى إلى إن تمت علاقتهما بالطلاق وذلك عام 1918. وبعد إعدام زوجها سنة 1921 بتهمة الاشتراك في مؤامرة معادية للسوفييت اصبح وضع آنا أخماتوفا حرجاً للغاية، ودخلت منذ العام 1923 في صمت مطبق عن قول الشعر، ولم ينشر لها أي كتاب في العهد السوفييتي حتى العام 1940، حين بدأت مجلة "النجم"الشهرية تنشر لها قصائد مختارة، ثم صدر لها مجلد ضم مختارات من شعرها القديم عنوانه «مختارات من ستة كتب ولكنه سحب من المكتبات قبل انصرام بضعة أشهر على صدوره. تزوجت عالم الآشوريات فلاديمير شليكو، وفي 1922 تغير الحال عندما أنفصلت عن فلاديمير، لتعيش مع الناقد نيكولاي بونين الذي أصيح زوجها الثالث. بعد انهيار زواجها ارتبطت أخماتافوفا خلال الحرب العالمية الأولى بالشاعر وفنان الموزائيك "بوريس أنريب" الذي كتبت عنه ما لا يقل عن 34 من قصائدها وقام بدوره بتجسيدها في العديد من لوحاته التي حفظ بعضها في عدد من المتاحف العالمية. تعكس المجموعتان الاخيرتان " عابر السبيل 1921 ، و" آنّو دوميني 1922" موقف أخماتوفا من الثورة البلشفية والحرب الأهلية، ,تميزت أشعارها بالواقعية والبعد عن الشكل والتجريد، وبالجرأة في اختيار بعض الجزئيات التي تبدو ثانوية في ظاهرها، وكانت تستوحي نظمها من الجماليات الاتباعية التي يعد بوشكين وباتيوشكوف خير نموذجين لها. تعلمت آنا اللغة الفرنسية وأتقنتها، وأحبت بشكل كبير التاريخ والأدب، وتعرفت على الأدب الأوروبي عامة والروسي خاصة، وأكثر ما أولعت به هو الشعر الذي دام معها طوال حياتها. أشرفت أخماتوفا على ترجمة أعمال شعراء أجانب مثل فكتور هوغو وطاغور وليوباردي وبعض الشعراء الأرمن والكوريين، وأعدت دراسة عن ألكسندر بلوك كما تُرجمت أعمالها إلى لغات كثيرة، ومنحت عام 1964 جائزة إتنا تورمينا العالمية لمسابقات الشعر التي تنظمها إيطالية، وكرمتها جامعة اكسفورد بمنحها لقب الدكتوراه الفخرية عام 1965. توفيت آنا أخماتوفا فى 5 مارس 1966ودفنت بالقرب من موسكو.