تركت أثراً عميقاً على الشعر الروسي الحديث، تناولت في أعمالها (التي تراوحت بين المقطوعات القصيرة البسيطة إلى المطولات المركّبة) عدداً متنوعا من المواضيع مثل الزمن، الذكريات، الحب، الخيانة، مصير المرأة المبدعة، وصعوبات الكتابة والعيش في ظل الستالينية. ترجمت أعمالها إلى العشرات من اللغات، وعدت واحدة من أشهر الشعراء الروس في القرن العشرين. آنا أخماتوفا (آنا أندرييفنا كورينكو) شاعرة روسية، تمر اليوم الذكرى ال48 على وفاتها، ولدت في أوديسا-أوكرانيا، وبدأت الكتابة في سن الحادية عشرة متأثرة بشعرائها المفضلين راسين وبوشكين وباراتينيسكي، وعندما رفض والدها رؤية اسمه "المحترم" على قصائدها المطبوعة اختارت تبني لقب جدتها التتارية اسماً فنياً لها. حظيت آنا بإعجاب وحب العديد من شعراء روسيا وتزوجت عام 1911 الشاعر "نيقولاي غومليوف" الذي سرعان ما تركها متوجها إلى صيد الأسود في أفريقيا، ثم إلى الحرب العالمية الأولى غير مدرك لأهمية شعرها حتى فاجأه الشاعر الشهير "الكسندر بلوك" بأنه يفضل شعرها على شعره. نشرت مجموعتها الأولى "المساء" عام 1912 وحازت على الكثير من الإعجاب والثناء والشهرة حتى أن روسيا كانت بحلول عام 1914 –موعد صدور مجموعتها الثانية- تعج بالآلاف من الشاعرات اللاتي يكتبن الشعر على الطريقة "الأخماتوفية" مما دفعها إلى التعليق قائلة: لقد علمت نساءنا كيف يتحدثن، لكنني لا أعرف كيف أسكتهن! بعد انهيار زواجها ارتبطت أخماتافوفا خلال الحرب العالمية الأولى بالشاعر وفنان الموزائيك "بوريس أنريب" الذي كتبت عنه ما لا يقل عن 34 من قصائدها وقام بدوره بتجسيدها في العديد من لوحاته التي حفظ بعضها في عدد من المتاحف العالمية. أعدم زوجها الأول عام 1921 لنشاطاته المعادية للثورة فتزوجت عالم الاشوريات البارز "فلاديمير شيليجكو" ثم الباحث الأدبي "نيقولاي بونين" الذي توفي في معسكرات الأشغال الشاقة. أدينت بعد عام 1922 ل"ميولها البورجوازية" ولم تنشر بعدها إلا نادراً حتى الحرب العالمية الثانية وحصار لينينغراد الأسطوري، فكتبت العديد من أشعار المقاومة البطولية التي وجدت طريقها إلى جبهات القتال كما إلى الصفحات الأولى من صحيفة "البرافدا". غير أن "أندريه جدانوف" المسؤول عن الثقافة في عهد ستالين وصمها عام 1945 بأنها "نصف مومس ونصف راهبة" ومنع قصائدها من النشر وسعى إلى طردها من اتحاد الكتاب وسُجن إبنها في معسكرات العمل القسري حتى اضطرت إلى كتابة بعض المدائح لستالين لتأمين إطلاق سراحه. بعد وفاة ستالين أعيد إليها الاعتبار وصدرت طبعة خاضعة للرقابة من أعمالها وأصبح منزلها الريفي مزاراً للأدباء الروس (أمثال "جوزيف برودسكي" وزملائه الذين واصلوا تقاليد أخماتوفا ومدرسة "سان بطرسبرغ" حتى هذا القرن) والأجانب (أمثال شاعر أمريكا الكبير روبرت فروست). كما أقيمت لها احتفالات تكريمية بمناسبة بلوغها الخامسة والسبعين وصدرت طبعة خاصة من أعمالها. حظيت أخماتوفا بشهرة كبيرة في الغرب ونالت التكريم ونشرت أعمالها الشعرية والنثرية في كثير من بلدان العالم كما حصلت على الدكتوراه الفخرية من جامعة أوكسفورد. ولم تتوقف شهرتها بوفاتها ، وفي الذكرى المئوية لولادتها صدرت أخيراً مجموعتها "قداس لراحة الموتى" التي منعت من النشر خلال حياتها، وتحولت شقتها إلى متحف يرتاده محبوها، وأقيم لها تمثال في سنت بطرسبرغ كما أطلق اسمها على أحد الكواكب الصغيرة التي اكتشفها اثنان من علماء الفلك السوفييت عام 1982. ومن قصائدها «قراءة هاملت»، ننشرها بالتزامن مع ذكرى وفاتها: 1 الأرضُ التي عند المقابر كانت أرضاً متربةً .. ساخنة. والنهر من ورائها .. باردٌ .. أزرق؟ أنت قلتَ لي " حسناً، اذهبي الى الدير أو تزوجي أحمقاً ما .." هكذا يتحدثُ الأمراءُ دوماً ، قاسينَ كانوا أو طيبين. بيدَ إني أعِزُّ هذا الحديث .. الأخرق .. الوجيز .. فليتدفق ويشرق عبر آلاف السنين مثل معاطف فراء على الأكتاف ! 2 وكما لو بالخطأ قلت لك " أنتَ …" وأضاءت بسمةٌ رخيةٌ من سعادة هذا الوجه العزيز. من زلات لسانٍ كهذه مسموعةً كانت أم في العقل يتورد كلُّ خدّ. أحبك كما لو أن أربعينَ أختاً أحببنكَ وباركنك !