فيلم «أسرار عائلية» كاد يتعرض لمصير «جنون الشباب» الرقابة تمنع أفلاما بعينها بأوامر من وزارة الداخلية مثل «البريء» الرقابة تعتبر مشهد اغتصاب هيفاء وهبي في «حلاوة روح» إباحيا بعد ثورتين ومطالب عديدة لم يتحقق منها شيئا على المستوى الجماهيري والفني، وبين المطالبة بتقنين دور جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية وبين استمرار وجوده في ظل هذه القوانين التي تحكمه، يظل السؤال الأبرز هو، من يدير جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية؟ هذا الجهاز العتيد الذي بدا عمله مع تعديل قانون الرقابة علي المطبوعات عام 1914 ليشمل ايضاً الأفلام السينمائية مع بداية ظهور السينما في مصر، وربما تستطيع الوقائع الابرز للرقابة الاجابة علي السؤال السابق بعد مرور مائة عام. يقول الناقد الكبير هاشم النحاس في مقال له بعنوان «لمحات من تاريخ القمع للسينما المصرية»: حينما أراد المخرج محمد كريم أن يصور القرية في فيلم «زينب»، صامتاً عام 1930 ،ثم ناطقاً عام 1952 ، حرص أن تكون القرية نظيفة علي المستويين المادي والمعنوي وابتعد كما ابتعدت بقية الأفلام عن ابداء رأي اجتماعي مغاير لما هو سائد في رقابة ذاتية هي الاسوأ على الإطلاق. ويستطرد هاشم النحاس في مقاله : «الأزهر أعطي لنفسه حق السبق في المصادرة حينما أفتي شيخ الأزهر عام 1926 بتحريم تصوير الرسل والأنبياء ورجال الصحابة علي أثر ما نشر في الصحف عن مشروع انتاج فيلم "محمد رسول الله" ، ليوسف وهبي، وتوقف المشروع، وهرول يوسف وهبي معلناً براءته من النيه في تمثيل دور النبي محمد صلي الله عليه وسلم». لم يتوقف التدخل في محتوي الفيلم السينمائي عند حدود الافتاء بتحريم تناول بعض الشخصيات، بل أصبح الأزهر أحد الجهات التي تتحكم في جهاز الرقابة عن بعد، فبعد ثورة 1952 تم الحاق سلطة الرقابة علي الافلام بوزارة الداخلية، ولم يكن الحاق الرقابة بهذا الجهاز الأمني الا اعلان مباشر عن الجهه التي تديره فعليا منذ تأسيسه، ففي عام 1938 منعت وزارة الداخلية عرض فيلم "لاشين" بدعوي انه يتعرض للذات الملكية ويحرض علي قلب نظام الحكم، وتوالت بعد ذلك سلسلة منع العديد من الأفلام التي تعكس الحياة الواقعية للشعب المصري في ظل الاحتلال الانجليزي والملكي، والتي تحرض علي الثورة ضد النظم القمعية، في عام 1952 منع عرض فيلم "مصطفي كامل" للمخرج احمد بدرخان، والأمثلة عديدة الأفلام التي تم منعها في ظل الحكم الملكي، تم الافراج عنها بعد ثورة 1952، ولكن الثورة لم تنصف الافلام التي تناولتها بالنقد، منعت الرقابة وقتها فيلم "شئ من الخوف" عام 1969 وكان من اسباب المنع ان الفيلم يشبه نظام الحكم علي أنه عصابة وأن شخصية عتريس ما هي الا اسقاط علي شخص الرئيس الراحل جمال عبد الناصر اما شخصية فؤادة فهي تمثل مصر التي تم اغتصابها ،وأيد منع عرض الفيلم ايضا جهاز الأمن والإتحاد الإشتراكي ، ولم يعرض الفيلم وقتها الا بموافقة شخصية من الرئيس الراحل عبد الناصر بعد مشاهدتة الفيلم. وتم منع عرض فيلم «الشيخ حسن» انتاج عام 1954 للفنان حسين صدقي لأنه يتناول زواجا بين مسلم ومسيحية تشهر إسلامها في نهاية الفيلم. وتعرض فيلم «المذنبون» لأول حادثه من نوعها فى تاريخ الرقابة كله، حيث تمت محاكمة موظفى الرقابة بأمر من الرئيس السادات لموافقتهم على عرض الفيلم، الذي اعتبره مسيئا للمجتمع. وتم منع عرض فيلم «زائر الفجر» الذى عرض لمدة أسبوع واحد فقط عام 72 بسبب الإسقاط السياسي. واختفى فيلم «وراء الشمس» الذي قام ببطولته نادية لطفى، رشدى أباظة، شكرى سرحان لدرجة أن جيلا بأكمله لم يشاهده حتى عرض فضائيا مؤخرا. وتم الإعتراض على المشهد الأخير في فيلم «البريء» وحذف من دور العرض، بسبب اعتراض وزارة الداخلية، بينما ظل فيلم «العصفور» عامين كاملين ينتظر العرض لاعتراض الرقابة على عرضه لمهاجمته ثورة يوليو . وكان قانون الرقابة الذي وضعته وزارة الشئون الاجتماعية عام 1947 ابان الحكم الملكي، لا يسمح للفنان بعرض المواضيع التي تحتوي علي افكار ضد نظام الملكية أو التي ترسخ لعدالة اجتماعية، ولا يجوز اظهار المشاهد التي تدعو الي الثورات او الاضرابات ويجب اظهار رجال الدولة بشكل لائق وخاصة رجال البوليس والجيش وعدم تحقير اي طائفة منهم، ولا يجوز التعرض لأنظمة الجيش او البوليس او تناول رجاله بالنقد. لم تقتصر المحاذير الرقابية علي النظم الحاكمة داخل مصر، بل شملت حظر تناول الانظمة السياسية في الدول الصديقة، ولا يخلو قانون الرقابة في الاربعينات من محاذير الجنس والتي اقرت باستبعاد المعانقات والقبلات التي تتعدي حد العاطفة العادية الي الشبق وتخفيف المناظر الخاصة بالنساء والساقطات وعدم اظهار الاجسام العرية سواء بالتصوير او الظل، وتحت بند السوقية حظر علي الفنان اظهار منظر الحارات الشعبية القذرة والعربات الكارو وعربات اليد والباعة المتجولين ومبيض النحاس. أما بعد ثورة 1952 تم تغيير قانون الرقابة بحيث انتقلت السلطة من وزارة الارشاد الي وزارة الثقافة، واختصر القانون الجديد البنود السابقة في خضوع الاعمال السمعية والسمعية البصرية للرقابة علي المصنفات الفنية بقصد حماية النظام العام والأداب ومصالح الدولة العليا، وفي عام 1976 قامت وزارة الاعلام والثقافة بتعديل قانون الرقابة خاصة المواد التي تمس حرية الابداع ،حيث سرد القرار الوزاري المعدل عدم ايجاز الاعمال الفنية التي تدعو الي الالحاد والتي تتعرض للديانات السماوية واظهار صورة الرسول محمد ،او صور الخلفاء الراشدين، بالاضافة الي مشاهد الشذوذ الجنسي والمشاهد الجنسية المثيرة وتصوير الرذيلة علي نحو يشجع علي محاكاتها، او التعرض لدولة أجنبية او بشعب ترتبط معه مصر بروابط وثيقة،عرض الحقائق التاريخية فيما يتعلق بالشخصيات الوطنية بطريقة مشوهه، عرض المشكلات الاجتماعية بطريقة تدعو الي اشاعة اليأس والقنوط واثارة الخواطر او خلق نعرات طبقية او طائفية . تغير قانون الرقابة بعد ذلك اكثر من مره فيما يخص الأطفال حيث منع استيراد او عرض الافلام التي تحتوي علي رياضة الكاراتية او الجودو او الرياضات العنيفة بناء علي قرار وزاري عام 1997، واصدار قانون حماية المؤلف وغيرها من القرارات التي لم تلتفت الي تطور اليات صناعة السينما خصوصا مع بزوخ جيل جديد من المخرجين الشباب يتمتعون بقدر وفير من التمرد الذي تحكمه الرقابة الذاتية علي الأعمال التي يقدموها، وتمثل تجربة المخرج عمرو سلامة في فيلم "لامواخذة" خير دليل، بعد رفض الرقابة المتكرر لقصة الفيلم ، والنجاح الجماهيري الكبير الذي حققه بعد عرضه، خذل وعي الجمهور كل تخوفات الرقابة ، الجمهور أصبح لديه بعد نظر ووعي لم يدركه الرقيب حتي الان،ان لم يدرك القائمين علي جهاز الرقابة اهمية تغيير تلك المفاهيم العقيمة في التعامل مع المنتج الفني، سوف يسحق تدريجياً هذا الجهاز بين مطرقة التطور التكنولوجي المفزع والسريع وسندان حماس الشباب في التعبير عن احلامهم بحرية. وكانت أزمة فيلم «أسرار عائلية» مع الرقابة والتي امتدت لأسابيع طويلة بسبب طبيعة الفيلم الذي يتناول قضية شاب شاذ، في موقف يشبه منع عرض فيلم «جنون الشباب» لميرفت أمين بسبب تناول المثلية الجنسية في أحداثه، ولم يتم عرضه إلا بعد عدة سنوات في مهرجان القاهرة السينمائي، بينما تعترض الرقابة أيضا هذه الايام على مشهد اغتصاب «هيفاء وهبي» في فيلمها الجديد «حلاوة روح» وتعتبرها خارجا وإباحيا، ومازال الفيلم في انتظار تنفيذ تعديلات الرقابة من أجل تصريح العرض.