لو قلبك علي مستقبل صناعة السينما ، الغي جهاز التصنت علي الافكار المعروف باسم جهاز الرقابة ، هذه هي الخطوة الاهم التي يجب ان يتخذها السادة الخائفون علي مستقبل الصناعة، الرقابة شكلت منذ تدشين صناعة السينما في مصر وحتي الأن حائط صد قوي في وجه المخرجين خاصة اللذين يقفون بأعمالهم علي يسار السلطة، الفن دائماً يجب ان يكون في هذا الجانب ، لا يمجد أفراداً او انظمه، بل يلعب دوره الاساسي في تنوير الشعوب، الرقابة في الحقيقة مجرد غطاء قانوني في يد الأنظمة هي في الواقع من تديره، الافلام التي يدعوها الكاتب الصحفي احمد المسلماني في مقاله المنشور بعنوان " موليوود.. السينما والقوة الناعمة في مصر" بالسينما الزرقاء وافلام البلطجة وسينما البله" ، ما هي الا انعكاس لواقع اكثر بلاء وبله ، فلا تحاسب من صور كومة من القمامة ، بل حاسب من القي بهذه القمامة ومن تركها دون ان ينظفها. الموجة الأولي من السينما المصرية التي ذكرها الكاتب الصحفي أحمد المسلماني في المقال الذي دعا فيه الا تترك السينما للسينمائيين وحدهم، هذه الموجة تكسرت علي اعتاب هذا الجهاز العتيد الذي تديره خفيه الاجهزة الأمنيه، بعد ثورة 1919 الذي اعتبرها المسلماني بداية الموجة الاولي من السينما المصرية، تم منع العديد من الافلام التي كانت تنتقد النظام الملكي والتي كانت بشكل غير مباشر تحرض الشعب علي الثورة ضده، في عام 1926 منعت الرقابة انتاج فيلم "نداء الله" الذي كان سيتناول قصة سيدنا محمد بعد اعتراض الأزهر الشريف، وفي عام 1937 تم وقف عرض فيلم "ليلي بنت الصحراء" بناء علي طلب وزارة الداخلية حتي لا تتوتر الاوضاع بين مصر وايران، بدعوي ان الفيلم يسيء الي ملك الفرس القديم، اما فيلم لاشين الذي تم مصادرته عام 1939 ، لأن موضوعه كان يحرض علي ثورة ضد الملك، وفيلم من فات قديمه الذي خضع لتشويه مقص الرقيب عام 1942 لأن الفيلم يرمز الي زعيم حزب سياسي يرضخ لأوامر زوجته عند اتخاذه اي قرار سياسي، والفيلم الابرز الذي منع لأنه يرصد كفاح شعب مصر كان فيلم مصطفي كامل للمخرج أحمد بدرخان عام 1952. معظم هذه الأعمال لم تري النور ولم تأخذ حقها في العرض الا بعد قيام ثورة يوليو 52 ، اي بداية الموجة الثانية من السينما المصرية علي حد وصف المسلماني ،حيث اجازت قوي الثورة عرضها لأنها كانت تهاجم النظام الملكي والاستعماري، في الوقت الذي منعت فيه افلام كانت تنتقد ممارسات رجال يطلق عليهم مراكز القوي، استغلوا نفوذهم وانحرفوا عن اهداف ثورة يوليو ابرزها فيلم ''الكرنك، وفيلم "إحنا بتوع الاتوبيس،وفيلم "البريء" والمذنبون ،فيلم شيء من الخوف وفيلم الله معنا لم يعرضا الا بقرار جمهوري من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر،فيلم البريء توقف عرضه عام 86 ، والأمثلة كثيرة خاصة الافلام التي تعرضت لأسباب نكسة 67 ، فضلا عن ان في المقابل انتشرت افلام تمجد في ثورة يوليو وتدعم الحكم العسكري وتنتقد فضائح النظام الملكي البائد، ظهرت افلام مثل غروب وشروق ورد قلبي والايدي الناعمة وفي بيتنا رجل، لكن السلسلة الاشهر التي سخرت الوسيط السينمائي ليمجد بطولات الحياة العسكرية كانت سلسلة افلام اسماعيل ياسين في الجيش والاسطول والبوليس الحربي. نأتي الي الموجه الثالثة التي يدعو المسلماني ان تنطلق ولكن تحت قبضة حفنة من "المفكرين ومخططي السياسات ورجال الدولة"، من اجل هؤلاء تصنع الأفلام ؟، فلتذهب السينما وقتها الي الجحيم، تري كيف يستقبل دعاة الموجة الثالثة من السينما المصرية افلام تنتقد سلبيات ثورة يناير او ثورة يونيه؟ ، وهل ستجيز الرقابة وقتها اعمالا تناهض سياسات الحكومة الحالية او حتي الحكومة القادمة ؟ ،ام ستبقي الرقابة في صف الأنظمة علي مر العصور؟ .. تجيز ما ينتقد العهد البائد وتمنع ما ينتقد العهد الحالي؟ .. اعتقد ان الاجابة جاءت مبكرة بعد سلسلة المنع الذي بدات في الاعلام وتبعتها في الصحف المستقلة . السينما والفنون عامة تستمد قوتها من حريتها في التعبير ، الفن هو سلاح الحرية ،رغم ان السينما بشكل خاص تخضع لهيمنة رأس المال، لكنها تظل عمل ابداعي حر او شراكة بين المنتج والمخرج ، المنتج يدعم افكار المخرج الذي قد يؤمن بها او لا يؤمن، في تلك الحالة يتعامل مع العمل الفني علي انه منتج يدرك جيداً طريقة توزيعه، مبادرة المسلماني تعني تأميم الأفكار وممارسة القمع المقنع عن طريق ابتزار رأس المال، واستغلال الازمة التي يعيشها الانتاج السينمائي في مصر اسوء استغلال، لكن الواقع الذي لا يراه ولا يعترف به الكثيرون هو انفلات تلك الافكار المتزامن مع انفتاح الفضاء الاليكتروني بسرعة لن تواكبها الانظمة المعتقة داخل مكاتبها، السينما والفنون لا يمكن تحجيمها لصالح الانظمة مهما بلغت قوة تلك الانظمة او نفوذها او تحكمها برؤس الأموال، السينما خلقت حرة ولن يمتهنها الا الجدعان الأحرار.