اسمها الأصلي ماري إلياس زيادة، وهي شاعرة وأديبة ومترجمة «لبنانية- فلسطينية» مولودة في11 فبراير 1886 في الناصرة بفلسطين. كان أبوها صاحب جريدة «المحروسة»، واختارت لنفسها اسم «مي» الذي اشتهرت به، وهي الابنةً الوحيدةً لأب لبناني، وأم سورية الأصل، فلسطينية المولد. وتلقت «مي» دراستها الابتدائية في الناصرة, والثانوية في عينطورة بلبنان وفي 1907 انتقلت مع أسرتها للإقامة في القاهرة، وفيها عملت بتدريس الفرنسية، والإنجليزية، ثم تابعت دراسات في الأدب العربي، والتاريخ الإسلامي، والفلسفة في جامعة القاهرة، وحين جاءت القاهرة خالطت الكتاب والصحفيين وأخذ نجمها يتألق ككاتبة مقال اجتماعي وأدبي ونقدي. وأسست «مي» ندوة أسبوعية عرفت باسم «ندوة الثلاثاء» تردد عليها لعشرين عامًا صفوة من كتاب العصر،وشعرائه و من أبرزهم أحمد لطفي السيد، ومصطفى عبدالرازق، وعباس العقاد، وطه حسين، وشبلي شميل، ويعقوب صروف، وأنطون الجميل، ومصطفى صادق الرافعي, وخليل مطران، وإسماعيل صبري، وأحمد شوقي. ونشرت مقالات وأبحاثاً في كبريات الصحف والمجلات المصرية، مثل للمقطم، والأهرام، والزهور، والمحروسة، والهلال، والمقتطف. أما الكتب، فقد كان «باكورة» إنتاجها في عام 1911 ديوان شعر كتبته باللغة الفرنسية وأول أعمالها بالفرنسية كات بعنوان "أزاهير حلم". ظهرت عام 1911 العربية من اللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية. وفيما بعد صدر لها "باحثة البادية" عام 1920، و "كلمات وإشارات" عام 1922، و "المساواة" عام 1923، و "ظلمات وأشعة" عام 1923، و "بين الجزر والمد" عام 1924، و "الصحائف" عام 1924. وبالرغم من أن قصة حياتها "تراجيديّة" بكل ما تحمله الكلمة, إلا أنها أصبحت قصة امرأة توهّجت كالشمس كظاهرة فريدة في عصرها التف حولها كبار المفكرين في مصر والعالم العربي, واحترم فكرها ونبوغها الأدباء والشعراء، ووقع في حبّها الكثيرين منهم وهو ما برز فى "الأدب الرسائلى" الذى كتبته "لجبران" و"العقاد"، في الوقت نفسه كان جزءا من هذه "التراجيديا" معنى "الوطن" كانت أحيانا تعبّر في كتاباتها عن هذه المشاعر الحائرة فتقول : "أنا فلسطينيّة لبنانيّة مصريّة سوريّة"، وسط - تلك وذاك- لم تنسى أبدا "مى" حقوق المرأة وقضاياها فكانت من القليلات التي دافعت عن حقوق المرأة ,من القليلات التي كانت بقلمها تصرخ بأعلى صوتها ,منتقدة التراث والعادات القبلية البالية ,كانت صوتا لا يهدأ من أجل تعليم المرأة كيف تناضل ,وكيف تستطيع أن تحصل على حقها ليس كشريك أساسي في الحياة مع الرجل ,بل كونها الأساس في تربية المجتمع. رحلة البحث عن وطن استهلت الكاتبة نوال مصطفى في مقدمة كتابها " مي زيادة أسطورة الحب والنبوغ", والذي يعد بمثابة سيرة ذاتيه "لمي"، و نال على جائزة أفضل عمل ثقافي عام 2000، موقف "مى زيادة" من معنى "الوطن" و مشاعرها الحائرة فتقول : "ولدت في بلد وأبي من بلد وسكني في بلد وأشباح نفسي تنتقل من بلد الى بلد فلأيّ هذه البلاد أنتمي , انّما أريد وطنا لأموت من أجله أو لأحيا به ،كانت تجيب دائما عند السؤال عن وطنها فتقول : "أنا فلسطينيّة لبنانيّة مصريّة سوريّة".. وكانت تقول أيضا : " طافت في الجوّ روح الخريف يا سوريا..وعلى ضفاف النيل أنشأت ربّة الشعر تشدو فخالجني الشعور بالوحشة..لإغترابي عن سحرك البعيد الخفيّ..وها يعاودني ذكر ربيعك البهيج..وعهد الساعات المفعمة هناء وصفوا..ساعات خلت من الغموم والدموع..ولكن سرعان ما تولّت !". فرغم الشهرة العظيمة التي حققتها وزحام الرجال من المفكرين والأدباء والمبدعينالغارقين في حبّها الا انها في داخلها لا تعرف لأيّ البلاد تنتمي حقّا، وظلت تبحث دائما عن "الوطنى" فى أعمالها ، وتشعر بالحنين اليه . " مى زيادة" رائدة "الأدب الرسائلى" .. و رحلة البحث عن حبيب فى "الرسائل" ظلت "مى زيادة" تبحث عن حبيب فى رسائلها التى أرسلتها للشاعر الكبير "جبران خليل جبران"، بعد ان بدأت بينهما علاقة حب قوية منذ صدور ديوانها الاول" ازاهير الحلم" فى عام 1911، وأستمرت العلاقة لمدة 20 عاماً يرسل كلا منهم للاخر رسائل من الحب والعشق الفريد الذى لا مثيل له في تاريخ الأدب وسير العشاق، وعلى الرغم من كل ما كتب عن علاقات جبران الغرامية بعدد من النساء أمثال"ماري هاسكل" و "ميشلين"، الا ان حبه "لمي" كان الحب الوحيد الذي ملك قلبه وخياله، أما هي فمع تحفظها فقد صرحت عن حبها لجبران في رسالة أرسلتها اليه عام 1921 حيث قالت: "أحبك قليلاً، كثيراً، بحنو، بشغف، بجنون، لا أحبك". وقالت أيضا له فى رسالة أخرى بعد أن انتظرت دون جدوى، حضور جبران إلى القاهرة وكانت قد تجاوزت الخامسة والثلاثين من العمر :"جبران! لقد كتبت كل هذه الصفحات لأتحايد كلمة الحب، إن الذين لا يتاجرون بمظهر الحب ودعواه في المراقص والاجتماعات، ينمي الحب في أعماقهم قوة ديناميكية قد يغبطون الذين يوزعون عواطفهم في اللألأ السطحي لأنهم لا يقاسون ضغط العواطف التي لم تنفجر، ولكنهم يغبطون الآخرين على راحتهم دون أن يتمنوها لنفوسهم، ويفضلون وحدتهم، ويفضلون السكوت، ويفضلون تضليل القلوب عن ودائعها، والتلهي بما لا علاقة له بالعاطفة،ويفضلون أي غربة وأي شقاء -وهل من شقاءٍ في غير وحدة القلب؟- على الاكتفاء بالقطرات الشحيحة، ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي،وأني أخاف الحب. أقول هذا مع علمي أن القليل من الحب الكثير، الجفاف والقحط واللاشيء بالحب خير من النزر اليسير،كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا. وكيف أفرط فيه؟ لا أدري، الحمد لله أني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به لأنك لو كانت الآن حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام، ولاختفيت زمناً طويلاً، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى، حتى الكتابة ألوم نفسي عليها، لأني بها حرة كل هذه الحرية.. أتذكر قول القدماء من الشرقيين: إن خير للبنت أن لا تقرأ ولا تكتب. إن القديس توما يظهر هنا وليس ما أبدي هنا أثراً للوراثة فحسب، بل هو شيء أبعد من الوراثة. ما هو؟ قل لي أنت ما هو. وقل لي ما إذا كنت على ضلال أو هدى فإني أثق بك.. وسواء أكنت مخطئة أم غير مخطئة فإن قلبي يسير إليك، وخير ما يفعل هو أن يظل حائماً حواليك، يحرسك ويحنو عليك.. غابت الشمس وراء الأفق، ومن خلال السحب العجيبة ..الأشكال والألوان حصحصت نجمة لامعة واحدة هي الزهرة، آلهة الحب، أترى سكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون؟ ". كتبت وترجمة "مى" العديد من الدواوين الشعرية أيضا عن "الحب" منها : "باحثة البادية" عام 1920، و "كلمات وإشارات" عام 1922، و "ظلمات وأشعة" عام 1923، و "بين الجزر والمد" عام 1924، و "سوانح فتاة" ، و "غاية الحياة" و" رجوع الموجة" و " الحب فى العذاب" و قامت بترجمة "ابتسامات ودموع" ل" فريدريخ مكس مولر" و " نعم ديوان الحب" و "موت كنارى" . "مى زيادة" .. الحقوقية وضعت "مى زيادى" على عاتقها مشاكل المجتمع الذى تعيشه، وظلت تدافع عن حقوق "المراة " فى التحرر من براثن التخلف والشقاءً ، وهو ما برز فى كتابها "المساواة" الصادر عام 1923، الى جانب كتبها عن رائدات التنوير من السيدات فكتبت عن " عائشة تيمور" و"وردة اليازجى "، الى جانب التى كانت بمثارة منبر تنويرى تلقى من خلاله الضوء على مناطق الرجعية والتخلف فى المجتمع فكتب تهاجم في إحدى مقالاتها " الحجاب" ,لا لكونه حجاب الحشمة ,لكنها رأت فيه حجاباً وهمياً فرضه الرجل على المرأة ,لتبقى المرأة محجوبة عن التطور والفاعلية، تقول مي زيادة:"هذا الحجاب الوهمي انبذنه بعيداً فهو لا يحجب وجوهاً كلا,ولا ملامح.إنما يحجب عقولاً راجحة,ونشاطاً فتياً ونفوساً وثابة إلى العلا,وإن أبيِّتن إلا إسداله فأسدلنه,وأسدلنه كثيفاً على عهد مضى كانت فيه نساؤنا رمزاً لكل نقيصة من جبن وحياء وهمي وضعف في الإرادة والعزيمة, أعلمن إن من الأسباب التي تنلن فيها احترام الرجل اعتمادكن على أنفسكن ومقدرتكن في جميع شؤونكن الآن، وتعلمن مهنة تملن إليها كيما تساعدكن على أنفسكن في مستقبل حياتكن فيما إن فقدتن من يعولكٌّن، وأخيراً لا تتركن كلمة مستحيل تصل الى قلوبكن فتخمد فيها شعلة أمالكن .وإلى الأمام ,الى العمل وعلم مصر أمامكن أرفعنه عالياً". لم تقتصر كتابات " مى " الى هذا الحد وأختزال قضايا المرأة فى "الحجاب" بل ظلت تكتب وتتطرق الى موضوعات أخرى منها "جرائم الشرف " , وهو ما برز فى مقالا لها كتبته تعليقا على خبرين في إحداهما شاب يقتل أخته,وفي الثاني امرأة يقتلها اثنان من أقربائها. لأنها طالبت بنصيبها من الميراث تقول مي : ""هذا الخبر أصبح مع أمثاله من المألوف غير النادر حتى قل من اهتم له اهتماماً خاصاً،وقد يكون عند عدد كبير من القراء في مقدمة الأخبار التي لا تستحق أن يٌقرأ منها غير العنوان،إن هيئة القضاء في الغالب تنظر الى هذا النوع من الجرائم بغير العين التي ترى بها جرائم القتل الأخرى،والعقوبة التي توقعها عادة بهؤلاء الجناة عقوبة غير شديدة,لا تردع ذاكرها عن سفك الدماء والإجهاز على حياة بشرية إنما وجدت وتنفست وعاشت أمام وجه الشمس بسماح الباري جل وعلا،ولا يسعني إلا أن أتساءل كيف يمضي دم إنساني هدراً,وكيف تجور سكين إنسان على إنسان لمجرد أن ذلك أمر داخل في العادات والاصطلاحات,ثم تأتي هيئة القضاء التي تقول الفصل في إجراء العدالة,وكأنها بتواطئها على تخفيف الحكم توافق ضمناً على وقوع الجريمة وكأنها تشجع على استمرار تلك العادة عند أهلها ما دامت لا تسعى جهدها للقضاء عليها...ما معنى أن يكون في البلد جرائد توقف بعض صحائفها وطائفة من موضوعاتها على خدمة المرأة وإنارة المرأة,ولا ترسل في مثل هذه الحالة كلمة استياء وشفاعة ودفاع؟ ما معنى أن نكون اليوم هاتفات بتعليم المرأة وتحرير المرأة,وإنالة حقوقها الاجتماعية والأدبية..ولا نذكر إلا هذه ...فتخبرنا الصحف أن النساء تذبح ولا نقول للقاتل لقد جئت شيئاً فرياً" . "علّمت منذ البداية كيف تقهر مشاعرها وتحاصرها , وأمسكت بقوّة لجام قلبها حتى لا يفلت من بين يديها وينطلق صارخا بآهاته وأنّاته بأحلامه وأوجاعه , وفي الوقت الذي فعلت فيه ذلك بقلبها أطلقت لعقلها كل الحريّة لينطلق ويفكر ويحلل ويكتشف ويبحر . لفجوة الرّهيبة بين القلب والعقل , الحصار المخيف والانطلاق غير المحدود للفكر .. المحافظة الشديدة مع التمرد والتحرر على كل أنماط الفكر التقليدي ومن هذاالتناقض الجوهري تولّدت كل تناقضاتها الأخرى . جدير بالذكر أنه، تمر علينا اليوم الثلاثاء ذكرى ميلاد الأديبة والمفكرة "مى زيادى" ال 107، ولدت مي زيادة في الناصرة،كانت تتقن ست لغات ومنها الفرنسية والألمانية والإنجليزية والإيطالية، وكان لها ديوان باللغة الفرنسية. وهي إبنة وحيدة لأب لبناني وأم فلسطينية أرثوذكسية. تلقت دراستها الابتدائية في الناصرة، والثانوية في "عينطورة" بلبنان، وبالرغم من وفاتها منذ أكثر من نصف قرن، وذلك في سنة 1941م في المعادي بمصر، على أثر وعكة نفسية وصحية ، الا ان أعمالها مازالت تغرس في القلوب أجمل الشعر وأرفع النثر وتتهادى بروائعها ومؤلفاتها في دنيا الأدب تاركة وراءها مكتبة نادرة لا تزال محفوظة بالقاهرة وتراثاً أدبياً خالداً إلى الأبد.