اليوم يبدأ المصريون داخل حدود المحروسة في التوجه إلى صناديق الاقتراع ليسطروا باختياراتهم صفحة أخرى من صفحات التاريخ المصري. مع دقات التاسعة، يبدأ التصويت على مسودة الدستور الجديد الذي وضعته لجنة الخمسين التي ترأسها عمرو موسى المرشح الرئاسي السابق الذي أكد مرارًا وتكرارًا أن الدستور الجديد يعالج ما عانيناه من إهمال وأنه لن يخلق ديكتاتورًا جديدًا. أكثر من 52 مليون نسمة يفترض بهم التوجه إلى نحو 30 ألف لجنة انتخابية على مستوى الجمهورية، للتصويت بنعم أم لا .. لكن الأجواء الملتهبة التي تشهدها مصر-حسبما رأى البعض- قد تدفع إلى إحجام العديد من المواطنين عن التصويت. لم يعد الإخوان المسلمين فحسب هم الممتنعون عن التصويت، فقد شاركتهم بعض القوى السياسية توجههم بعدما رأوا أن الدعوة للتصويت ب«لا»أصبحت جريمة يمكن أن يتم بسببها إلقاء القبض عليك كما حدث مع شباب حزب «مصر القوية» بالأسكندرية - الذي اتخذت أمانته العامة قرارًا في اللحظات الأخيرة بمقاطعة الاستفتاء- في واقعة قد يذكرها التاريخ طويلاً. رافضو الدستور لم يكتفوا بالحث على المقاطعة، لكنهم أظهروا فرحة عارمة لضعف الإقبال على الاستفتاء في الخارج. التحالف الداعم لجماعة الإخوان المسلمين احتفل بما أسماه «نصر المصريين بالخارج»، معتبرًا أن ضعف إقبال أبناء الجاليات المصرية بدول العالم على المشاركة في الاستفتاء «هزيمة جديدة للنظام الانقلابي» .. مضيفًا في الوقت ذاته «لقد سقط استفتاء الدم بالخارج وحان دور الداخل لمقاطعة مهيبة». وردًا على البابا تواضروس بطريرك الكرازة المرقسية، ذكر التحالف في بيان أصدره أمس الاثنين، أن «نعم»للدستور تزيد من «النقم»وأن التصويت ب«لا»سيكون دون جدوى وأن الحل الأمثل هو المقاطعة التامة. كان البابا تواضروس قد وجه رسالة -مكتوبة بخط يده- إلى المصريين قال فيها إن «نعم تزيد النِعم»، في إشارة إلى ضرورة الموافقة على الدستور الجديد وتمريره، معتبرًا فيها أن «نجاح هذه الخطوة الحيوية هي الانطلاقة الحقيقية لبناء مصر الحديثة، ثم يعقبها انتخابات الرئاسة والبرلمان والمحليات مع النقابات والأندية ومؤسسات المجتمع المدني ليكون البنيان كله جديدًا وحديثًا ومصريًا خالصًا يحمل التاريخ والحضارة نحو مستقبل مشرق». وأشار التحالف في بيان أصدره أمس إلى لقاء الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع الأخير، قائلاً «الهزيمة المبكرة أخرجت قائدهم من مخبأه في مشهد سينمائي جديد.. فالانقلابيين يعدون لمذبحة جديدة تطال الجميع ونحن نحذرهم دماء المصريين ليست سلما للاستيلاء على مقعد الرئيس المختطف». وتابع بيان تحالف دعم الإخوان: «أيها الثوار أيتها الثائرات؛ خسر الانقلابيين جولة جديدة أمام الشعب وثورته المتصاعدة، بسقوط مدو لوثيقتهم السوداء الباطلة تحت أقدام الإرادة الحرة للمصريين بالخارج، فحان دوركم في الداخل، لاستكمال مشهد إسقاط استفتاء الدم، بحشود حضارية سلمية، وثبات ثوري مبهر، ومقاطعة مهيبة يشهد لها العالم». «على باب اللجان تدق الأكف»هكذا بدا الاستفتاء في نظر البعض الذين أكدوا أن الإقبال سيكون قياسيًا على استفتاء الدستور أو هو كذلك بالفعل.. مُوضحين في الوقت ذاته أن ما تردد ضعف الإقبال على التصويت في الخارج هو مجرد «أباطيل» حيث أنه تم إلغاء التصويت الألكتروني الذي حصد دستور الإخوان فيه نسبة مشاركة بلغت 65% من المقيمين بالخارج فيما اقتصر التصويت على «المشاركين بالفعل» ... لافتين إلى أن ما يقرب من 93 ألف مواطن مصري مقيم بالخارج ذهبوا بالفعل إلى مقار التصويت في 2012 فيما توجه للاقتراع في الدستور الجديد نحو 103 آلاف. وبين هؤلاء وأولئك، أطل علينا المركز المصري لبحوث الرأي العام «بصيرة»، في دوريته التي تحمل عنوان "رقم في حياتنا"، ليوكد أن 5% فقط من المصريين قرأوا مشروع الدستور الذي أعدته لجنة الخمسين كاملا، فيما قرأ 36% أجزاءً منه، بينما لم يقرأ 59% من المصريين أي من مواده. يذكر أن دراسة استطلاعية أخرى لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية أظهرت أن 76% من المصوتون في الاستفتاء الموازي على الدستور الذي أجرته المؤسسة سيصوتون بنعم، وأن 24% سيصوتون بلا، بينما قرر 22% من العينة مقاطعة الإستفتاء، كما أوضحت أن 24% من المشاركون فقط قرأوا الدستور، بينما اعتمد 59% على وسائل الإعلام فقط لاستقاء معلوماتهم عن الدستور المعدل. وتظل الحرب مع الإخوان تلقي بظلالها على عملية الاستفتاء، ففي تصريحات للمستشار هشام مختار المتحدث الرسمي باسم اللجنة العليا للانتخابات قال إنه تم استبعاد المنظمات التي تم شطبها من وزارة التضامن الاجتماعي لمتابعة الاستفتاء على الدستور، مشيرًا إلى أن استمرار مراقبة أي جمعية أهلية على الاستفتاء منوط باستمرار قيد الجمعية بوزارة التضامن، وذلك وفقا لقانون الجمعيات الأهلية رقم 48 لسنة 2002. وأوضح مختار أن عددًا كبيرًا من المنظمات تقدمت إلى اللجنة لاستخراج تصاريح، مضيفا أن اللجنه العليا منحت 17 ألف تصريح لمتابعة الاستفتاء من جانب منظمات المجتمع المدني. وأشار إلى أن الغرامة التي يتم تطبيقها على المتخلفين عن عملية التصويت منصوص عليها في مباشرة الحقوق السياسية بالمادة 40 ودور اللجنة إبلاغ سلطات التحقيق بكل من يتخلف عن الانتخاب وليس لنا بعد ذلك دور في ذلك، مضيفا أن استخدام صورة البطاقة قد يفتح الباب إلى التلاعب. نادي القضاة من جانبه أكد أنه تم إخطار اللجنة العليا للانتخابات ب38 قاضيًا ينتمون للإخوان. وقال أمين صندوق نادي القضاة المستشار محمد عبده صالح، إن النادي أخطر اللجنة العليا للإنتخابات بأسماء 38 قاضيًا أعلنوا انتمائهم لجماعة الإخوان، ضمن قائمة القضاه المشرفين على الاستفتاء، وتم بالفعل استعباد 3 أسماء منهم أمس. وأضاف أن "اللجنة التى شكلها وزير العدل رفضت أيضا وجود هؤلاء القضاة فى لجان الاستفتاء، والأمر متروك الآن للجنة العليا للانتخابات. وأكد أن القضاه بدأوا الانتقال إلى جميع اللجان المخصصة للاستفتاء لاستلام الأوراق الخاصة بالعملية الانتخابية، مشيرًا إلي أن اللجنة العليا حرصت أن تكون إقامة القضاة لائقة بهم، ولم تأت حتى الآن أى شكاوى من استراحات الإقامة. وعن تأمين القضاة المشرفين على الإستفتاء، قال المستشار محمد عبده ، إن نادي القضاة أصدر وثيقة تأمين على القضاة تبدأ من اليوم وتنتهي في نهاية الاستفتاء لرفع الحالة المعنوية للقضاة. إجراءات التأمين بالقطع لم تقتصر على القضاة، فقد قال مصدر أمني مسؤول بوزراة الداخلية، إن تأمين مقرات الاستفتاء على الدستور سيكون بالتعاون بين وزارة الداخلية والقوات المسلحة بقوة بلغت 380 الف ضابط ومجند بينهما 160 الف ضابط وصف ضابط ومجند بالقوات المسلحة و220 الف ضابط شرطة وامناء ومجندين لتأمين 30317 مقر انتخابى على مستوى الجمهورية. وأضاف المصدر في تصريح خاص ل"الوادى"، أن الوزارة لن تدخر جهدًا لاتمام عملية الاستفتاء بنجاح، حيث خصصت 5 آلاف مدرعة للمشاركة فى التامين، مشيرا إلي أن اللواء محمد ابراهيم فى اجتماعات مستمرة مع قيادات الوزراة، وجميع رجال الشرطة فى حالة تأهب. وأشار مسؤول الداخلية إلى أن الوزارة خصصت طائرتين هليكوبتر لمراقبة لجان الاستفتاء بالقاهرة الكبرى، مضيفا أن كل مقر سيقوم بتأمين محيطه مجموعات قتالية. وبدلوهم، أدلى الخبراء العسكريون .. اللواء أحمد عبد الحليم الخبير العسكري والاستراتيجي قال إن عناصر القوات المسلحة في الشوارع واللجان الانتخابية مؤهلة للتعامل مع أعمال العنف وفض الشغب والتظاهرات، مع الالتزام بأقصى درجات ضبط النفس حفاظا على أرواح المواطنين، وسلامة عملية الاستفتاء حتى نهايتها بإعلان النتيجة. وأضاف عبد الحليم أن طائرات المراقبة الجوية سوف تنقل صورة حية من اللجان الانتخابية لمركز العمليات، وسوف يتم توفير الدعم اللازم، حال حدوث أي طوارئ تحتاج لتدخل أجهزة القيادة العامة. من جانبه، أكد اللواء حسام سويلم الخبير العسكري أن القوات المسلحة أعدت مركز عمليات دائما لمتابعة اجراءات تأمين الاستفتاء على الدستور في مختلف محافظات الجمهورية، على مستوى مختلف التشكيلات التعبوية للجيوش الميدانية والمناطق العسكرية. وأضاف سويلم أن القوات الجوية سوف توفر طائرات لنقل القضاة المشرفين على استفتاء الدستور الجديد في المناطق النائية والمحافظات الحدودية، في إطار توجيهات من القيادة العامة، بضرورة تأمين القضاة وتسهيل تحركاتهم. من جهته، قال اللواء علي حفظي الخبير العسكري والاستراتيجي إنه تم تدريب القوات المشاركة على أنسب الأساليب للتعامل مع المشكلات والمواقف الطارئة التي قد تؤثر على سير العملية الانتخابية داخل وخارج اللجان. وأضاف حفظي أن قوات تأمين الاستفتاء مدربة على كيفية مواجهه التهديدات الإرهابية المحتملة اثناء الاستفتاء، بالإضافة لدور الإسعاف والإخلاء الطبي للحالات الحرجة باستخدام الإسعاف الطائر، وتسهيل الصعوبات التي قد تواجه الناخبين خاصة من كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، اثناء الاستفاء على الدستور. ولم تقتصر عمليات التأمين على ذلك، فقد أكد وزير التنمية المحلية اللواء عادل لبيب، أن جميع محافظات الجمهورية على أتم استعداد لعملية الاستفتاء التي ستتم غدا وبعد غد. وأضاف أنه تم التنسيق مع وزارة الكهرباء لتوفير مولدات كهربائية في جميع اللجان في حالة انقطاع التيار الكهربائي أثناء عملية التصويت، وتم التنسيق مع وزارة الصحة لتوفير سيارات إسعاف، وإعلان حالة الطوارئ في جميع المستشفيات والوحدات الصحية. وأشار إلى أن القضاة والمستشاريين وصلوا في طائرات خاصة إلى جميع المحافظات وبعضهم سيصل صباح غد قبل عملية التصويت، مضيفا أنه يتم حاليا تسليم جميع اللجان، وتم إقامة سرادقات للناخبيين، كما تم تأمين الشوارع والمناطق المهمة في جميع المحافظات للاستعداد للاستفتاء على الدستور.