«دع سمائي فسمائي محرقة. دع قناتي فمياهي مغرقة. واحذر الأرض فأرضي صاعقة. هذه أرضي أنا. وأبي ضحى هنا وأبي قال لنا مزقوا أعدائنا» .. واحدة من أشهر الأغنيات الوطنية التي صدحت بها مصر منذ 57 عامًا بعد أن نجحت مقاومتها الشعبية في دحر العدوان الثلاثي . 23 ديسمبر 1956 ، تاريخ سيظل عالقًا بالأذهان، مسطورًا بحروف من نور ودماء .. نور النصر ودماء من ضحوا في سبيله بأرواحهم . «أنا هنا موجود في القاهرة سأقاتل معكم ضد أي غزو .. ولادي موجودين هنا مطلعتهومش برا ومش هطلعهم .. سنقاتل لآخر نقطة دم لن نُسلم أبدًا .. هنبني بلدنا هنبني تاريخنا هنبني مستقبلنا؛ النهاردة دا شعار كل مصري .. إذا كانت بريطانيا بتعتبر إنها دولة كبرى وفرنسا بتعتبر إنها دولة كبرى فإحنا شعب مؤمن هيكون شعارنا دائمًا الله أكبر .. الله يقوينا والله ينصرنا .. نعتمد على الله وعلى أنفسنا وسنجاهد ونكافح ونقاتل .. وسننتصر بإذن الله» ... هكذا اختتم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر خطابه الشهير الذي استمر لما يقرب من عشرين دقيقة ألقاه من أعلى منبر الأزهر أثناء العدوان في الثاني من نوفمبر عام 56 .. وهو ما كان، نصرنا الله على قوى دولية كانت تطمح لإعادة مصر إلى حظيرة المستعمرات الغربية . بدأت الصفحة المنيرة من تاريخ مصر حينما قرر عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس في خطاب ألقاه بالأسكندرية في 26 يوليو من العام نفسه بعد انسحاب البنك الدولي من تمويل مشروع السد العالي. العدوان الثلاثي بدأ على مصر لكسر الإرادة المصرية وردًا على قرار التأميم، غير غافل موقف مصر الداعم لثورة الجزائر ولحركات التحرر في إفريقيا بالإضافة إلى فرض حل التصالح مع إسرائيل، وهذا ما جمع فرنساوبريطانيا وإسرائيل على هدف ضرب الإرادة المصرية. الاعتداء وقع في بدايته على سيناء في 29 أكتوبر 1956 بعد إسقاط الكيان الصهيوني لكتيبة مظلات في منطقة سدر الحيطان، ولكنه فشل في التغلغل في الأراضي المصرية فسيرت إسرائيل كتيبة مدرعة وفشلت أيضا وتم القضاء عليها في منطقة أبو عجيلة، ثم تدخلت انجلتراوفرنسا بشكل مباشر في العدوان بحجة حماية قناة السويس باعتبارها ممرًا ملاحيًا دوليًا. وبدأت المعركة بين مصر والقوى الثلاث المعتدية التي استخدمت كامل قوتها الحربية من طيران وذلك بتوجيه ضربة شاملة في 31 أكتوبر 1956 وقوات بحرية قامت بقصف الساحل البورسعيدي بداية من يوم 6 نوفمبر 1956، وتمكنوا من انزال القوات المشتركة في بورسعيد لتبدأ ملحمة المقاومة الشعبية المصرية التي تغلبت على هذه القوى الثلاث العسكرية الكبرى. وفي السابع من نوفمبر 1956 يصدر مجلس الأمن قرارًا بوقف إطلاق النار بين مصر والعدوان الثلاثي إلا أن القوى الثلاثية لم تستجب للقرار لتستمر بذلك المواجهة الطاحنة بين الإرادة المصرية والعدوان الثلاثي. واستمرت المواجهات حتى أعلنت انجلتراوفرنسا - بعد ضغوط من موسكو وواشنطن - الانسحاب من منطقة القناة في 23 ديسمبر 1956 الذي اتخذته بورسعيد عيدًا قوميًا بعد دورها العظيم في المقاومة الشعبية، وتبدأ إسرائيل في الانسحاب من خلال سيناء حتى أوائل 1957، ليضعوا بذلك مشهد النهاية في أسطورة مقاومة شعبية ستبقى محفورة في وجدان الشعب المصري والدولة المصرية التي تحتفل كل عام في 23 ديسمبر بعيد النصر الذي انكسر فيه العدوان الثلاثي على صخرة الإرادة المصرية.