احترتُ كثيراً، ماذا أكتب في مقالي الخامس؟ البرد قارص واليوم الجمعة –موعد البدء في كتابة المقال الإسبوعي- وجدت نفسي مشغولة تماماً بفكرة شللية المجتمع الفني/ الثقافي المستقل في مصر.. شللية ومستقل؟ الكلمتان في جملة واحدة؟! نعم، سوف أعطيكم نظارتي لبضعة دقائق لتروا ما أراه واضحاً أمام عينيي. أشعر أن "المستقلين" يحتاجون إلي من يُعرفهم ما معني كلمة "مستقل" في الاساس.. الإستقلال مثل موج البحر متجدد قوي لا يشبه شيئاً، ولا شيئاً يشبهه! إنه الخارج عن الأطر والصناديق والأفكار الضيقة مهما بانت واسعة لكم..تصدقوا؟ والأدهى أن مستقل يعني التعاون مع ناس مختلفة وخلفيات مختلفة... لا والله؟ آه! دعوني اولاً أعطيكم نبذة قصيرة عن قصة فرخ البط القبيح لهانز أندرسن، ذلك المخلوق القبيح الذي يجد نفسه بين مجموعة من البط، ريشه الأسود وشكله الغريب وسطهم جعله عرضة لجميع أنواع الإضطهاد، حتي البطة الأم فقدت قدرتها على محاربة من حولها واستسلمت لإضطهاد هذا الفرخ القبيح.. يتعرض الفرخ لمجموعة من العقبات، يهرب، تمر عليه أيام شديدة الحرارة، وأخرى شديدة البرودة، يجوع ... يحزن كثيراً إلي أن يكتشف في يوم من الأيام عندما ينظر إلى سطح بحيرة أنه ليس بطة قبيحة: أنها بجعة جميلة بأجنحة قوية؛ فتطير في السماء محلقة. ولكن.. ما علاقة هذا بالفن؟ العلاقة وطيدة. أن تكون مختلفاً/ فيك لطشة فن في هذا المجتمع، أن تقرر الخروج بإرادتك عن السائد وتقدم ما يمثلك/يمثل جيلك من أحلام أو هزائم؛ كافية أن تجعل منك فرخ بط قبيح. وفي هذه المقالة لا أريد ان أناقش هذا. أريد أن أناقش: كيف أن الخارجين عن التيار السائد يضطهدون بعضهم البعض، ويمارسون نفس الرذائل -التي يمارسها عليهم التيار السائد- علي غيرهم من شللية، عدم تقبل للآخر المختلف كما يدعون، مجموعات منغلقة- ليس عندي مشكلة حقيقة في المجموعات المغلقة لو بتفعل شئ حقيقي ذو قيمة، ولست هنا بصدد تقييم أحد بعينه أو مشروع بذاته- ولكن إذا لم تكن تتصرف مثلهم، تفكر مثلهم، تكتب أو تقرأ مثلهم؛ فإعلم أنك أصبحت بطة سودة دوبل كريم! أعتذر لنجيب محفوظ، آفة حارتنا أصبحت الشللية. شلة ما تسيطر مثلاً علي مشهد السينما المستقلة في مصر(ليست فقط السينما لكنها مجرد مثال للتوضيح ليس أكثر)، يحصلون علي جميع سبل الدعم، علي رأي الراجل العجوز الذي كان يتحدث من وراء القضبان مع محمد هنيدي في فيلم "جاءنا البيان التالي": وعشان عندهم قرايب مهمين! أصبح الحصول علي دعم، مرتبط إرتباط مباشر بفكرة العلاقات الشخصية وليس التقييم الحقيقي للمشروع المقدم! هذا جزء، جزء آخر من المشهد، أنه طالما لديك شلة قوية في العالم الافتراضي (فيس بوك وغيره)؛ فاعلم أن مشروعك الفني مهما بلغت رداءته سوف تتم مشاهدته وتحقق أعلي المشاهدات وتصنف فنان ومناضل وصاحب موقف، والادهي أنك سوف تجدهم يفترسون من يحاول فقط أن ينتقد عملك! كأن النقد شئ سئ وليس أحد سبل التعلم والتطور في الفن، أما إذا لم تكن لك شلة، فاعلم أن مصير عملك أصبح في مهب الريح، و ليست اي رياح، بل هي ريح إستوائية حارة تصيبك بحالة من الإحباط والقرف. نأخذ مثالاً آخر؟ إذا فكرت أن تخرج بفنك/مشروعك خارج إطار تلك الشلل، بمعني أن تفعل شيئاً مختلفاً عن ما يصنفونه هم "مستقل/ثوري"- سوف تحارب، وينزل علي رأسك سيل من الإتهامات أقلها إنك "مش موهوب كفاية"- كيف لك أن تنظر من نظارة أخري غير نظارتهم؟ أو ترى الحياة بوجهة نظر تخالفهم وتخالف المجتمع .. الاتنين؟ إنت باينلك إتجننت!. أي أن من يتشدقون بالإستقلالية يريدون حبس الاخرين في أطرهم الضيقة! فقط تنتقل من صندوق "المجتمع" إلي صندوق "الشلة" لكي تنول الرضا! المحبط بالنسبة لي، أن يتحول المشهد الثقافي/الفني المصري لمجرد صورة مصغرة من المجتمع؟ يعني إنتم بتحاربوا وتكسروا جميع الثوابت فقط لتمارسوها علي غيركم؟ كيف لمن يصرخون "حرية حريية!" يمارسون أسوأ أنواع القمع و القهر؟ كيف لنا أن ندعي أننا ننادي بالحرية والفن و الجمال، ونحن لا نتحرك من أماكننا في "وسط البلد" ونتحرك لكسر مركزية القاهرة. هل من في المنصورة و طنطا والقنال والصعيد أقل من الفنانيين القاهريين شأناً؟ لماذا كل الموارد تذهب إلي مستقلين القاهرة؟ وسؤال لمستقلين القاهرة " مش ناوين ترموا فتفوتة للأقاليم؟" أم سوف تظلون تمارسون نفس التعالي الذي يمارس عليكم/علينا؟ كم مرة اشتكى الفنانين المصريين من سيطرة وزارة الثقافة؟ وكم مرة علا صوتهم ضد شلة وزارة الثقافة أو شلة السينما التجارية, أو....؟ كثيراً صح؟ إذا سؤالي الواضح والصريح، هل أنتم راضون عن أدائكم؟ هل تحسون بالإتساق؟ لا أظن، ولكن المصالح أقوي وأبغي. وآخر كلمة؟ لستم بجعاً قوياً يطير في السماء. وأرجوكم, ما تقدمونه ليس فن مستقل, سموه مثلا " فن شللي".. قليلاً من الإتساق لن يضركم.