تحولت رقصة "هارلم شيك" من رقصة تحمل إيحاءات جنسية إلى وسيلة استخدمها شباب عربي للتعبير عن الرأي والمواقف السياسية. ففي مصر استخدم عشرات الشباب رقصة "هارلم شيك" أمام المقر الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين بمنطقة المقطم شرق القاهرة، مصحوبة بالسباب مساء الخميس الماضي، احتجاجًا على ما يعتبرونه "هيمنة للجماعة" على إدارة البلاد، مطالبين الرئيس المصري محمد مرسي الذي ينتمي لجماعة الإخوان بالرحيل. كما قام بأداء الرقصة ذاتها أحد شباب جماعة الإخوان المسلمين ويدعى أحمد المغير للسخرية من جبهة الإنقاذ المصرية المعارضة، وأطلق عليها اسم "رقصة الإنقاذ الأخيرة"، وسجلها في مقطع فيديو نشره الأسبوع الجاري على شبكة الإنترنت، يظهر فيه المغير وأصدقاؤه وهم يرتدون صوراً ل"حمدين صباحي، والسيد البدوي، وحسين عبد الغني، وآخرين من رموز جبهة الإنقاذ المعارضة". لكن سرعان ما اعتذر المغير عن الفيديو، قائلاً: "أعتذر لكل أخ أو أخت ساءه الأمر ولم يكن ينتظر مني مثل هذا". وقال نشطاء مؤخرًا: إنهم يعتزمون تنظيم حفل لرقصة "هارلم شيك" أمام وزارة الداخلية المصرية "تنديدًا بالعنف الذي تمارسه الشرطة ضد المتظاهرين"، على حد وصفهم. وفي تونس قام بها طلاب بعض المعاهد التونسية نهاية فبراير الماضي، احتجاجًا على سياسات الحكومة، ولا سيما حزب حركة "النهضة"، الذي يقود الائتلاف الثلاثي الحاكم. وقامت وزارة الداخلية التونسية وقتها بمنع مجموعة من الطلاب من أداء الرقصة قرب أحد مستشفيات مدينة سوسة (150 كم عن العاصمة تونس)، واستخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب، واعتقلت 7 منهم، قبل أن تطلق سراحهم لاحقًا. وهارلم شيك رقصة يقوم بها شخص واحد باستخدام النصف الأسفل لجسده، أمام جمع من الناس الذين يبدون غير مبالين بما يحدث حولهم، وبعد ثوان تتحول الرقصة الفردية إلى رقصة جماعية بطريقة مفاجئة. واعتبر خبراء اجتماعيون أن أداء هذه الرقصة هو "تعبير فني عن الاحتجاج والتمرد على السلطة الأبوية الاستبدادية؛ أيًا كانت؛ في الأسرة، في الشارع، في العمل، وفي السياسة أيضًا"، مؤكدين أن "هذه الظاهرة هي شكل ابتكره الشباب بديلاً عن العنف واستخدام المولوتوف والحجارة". وعن الأسباب التي دفعت هؤلاء الشباب لاستخدام هذه الرقصة التي يعتبرها مصريون غير مألوفة يقول "أحمد تعيلب" طالب لمراسلة الأناضول "أردنا التعبير عن رفضنا لممارسات الرئيس مرسي وجماعة الإخوان تجاههم نحو أخونة الدولة، وعدم المبالاة بالاحتجاجات التي تنتشر في أنحاء مصر، والدعوات التي تنادي بالعصيان المدني ضد هذه الممارسات"، مشيرًا إلى أن هذا الشكل من الاحتجاج هو "امتداد للتعبير عن الاحتجاج السياسي الموجود في محافظات مصر المختلفة". واعتبر الناشط المعارض محمود تابعي أحد منظمي "هارلم شيك" أمام مقر الإخوان أن "هذا الشكل من الاحتجاج والتعبير عن الرأي، هو بديل عن حرق المقرات واستخدام المولوتوف، لهذا نعتزم أن نكرر التجربة أمام وزارة الداخلية اعتراضًا على ممارستها العنيفة مع المتظاهرين، كما نعتزم إقامة دورة كرة قدم تنديدًا بالتعذيب والقبض غير القانوني على المتظاهرين". ولتحليل هذه الظاهرة اجتماعيًا ونفسيًا قال محمد المهدي استشاري الطب النفسي بجامعة الأزهر "يمكن أن نعتبر أن استخدام الشباب الغاضبين في مصر وتونس لرقصة هارلم شيك هو نوع من التمرد على السلطوية الاستبدادية بكافة أشكالها بدءًا بالمستوى الأسري ثم انتقالاً إلى مستوى المدرسة ثم مستوى العمل إلى أن وصلت إلى السلطة السياسية". وفسر ذلك بقوله: "هذا النوع من التعبير الفني وجده الشباب الوسيلة الوحيدة لتعرية ونقد وتجريح وتسفيه الذوات الوالدية في المجتمع، والتي يعد الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين أكبر ممثليها الآن". واعتبر المهدي أن رقصة هارلم شيك "تحتوى على عدد من المظاهر؛ مثل الطابع الساخر، والمبادرة، حيث يبدأ أحدهم بالرقص ثم يلحقه الآخرون"، مشيرًا إلى أنه "لا يمكننا فصل قيام بعض الشباب برقص هارلم شيك أمام مقر الإخوان، وظاهرة البلاك بلوك والتي استخدمت المولوتوف والحجارة للتعبير عن احتجاجهم، فالظاهرتان تندرجان تحت ما يسمى برفض السلطة الأبوية الاستبدادية". من جانبه رأى البراء أشرف مخرج أفلام مصري أنه "عندما رقص الشباب أمام مقر الإخوان لم تكن رسالتهم موجهة إلى الإخوان بشكل مباشر، إنما كانت الرسالة موجهة بالأساس للرفاق والأصدقاء والزملاء، وهي رسالة، اتفقنا أو اختلفنا حولها، غير موجهة للجميع، هي فقط لهؤلاء الذين يفهمون ويتفهمون قيمة أن ترقص أمام مكتب إرشاد جماعة الإخوان، وفي نظر فئات أخرى من المجتمع سيكون ما حدث نوع من أنواع الهبل والشقاوة وقلة الأدب". وتابع: "لكن عندما رقص المغير وأصدقاؤه، فإنهم بالتأكيد لا يوجهون رسالتهم لأعضاء جماعتهم، الذين لن يقدروا هذا النوع من التعبير، ولا يفهمونه أو يتفهمونه، كما أنها على ما يبدو رسالة غير موجهة لشباب التيار المدني مثلاً، فهو لا يحمل أي إساءة أو رسالة تضايقهم أو تؤذي مشاعرهم، ولكنها من وجهة نظري سوء استخدام وقع فيه شباب الإخوان فانقلب ضدهم". وبدأت رقصة "هارلم شيك"، في نهاية يناير الماضي، عندما قام "فليتى فرانك" برفع فيديو مدته 3 دقائق يحتوي على حركات راقصة عشوائية على أنغام ترافقها أغنية "هارلم شيك" لمغني الراب الأمريكي "دي أب"، بعدها ظهر فيديو ل 5 مراهقين من كوينزلاند بأستراليا في فيديو مدته 31 ثانية، قدموا فيه الرقصة ليحقق نسبة مشاهدة وصلت إلى أكثر من 17 مليون مشاهدة على موقع اليوتيوب حتى الأحد الماضي. ويقوم الكثيرون في مختلف دول العالم شرقها وغربها برفع فيديوهات مماثلة لرقصات، حتى إن الإحصائيات على موقع "يوتيوب" تؤكد أن عدد مقاطع الفيديو التي تم تحميلها وصل إلى أكثر من ألف مقطع منذ بداية شهر فبراير وتجاوز مجموع المشاهدات 175 مليون مشاهد في غضون أسابيع فقط. والرقصة عبارة عن حركات وإيماءات جسدية، يقوم بها الراقص بمنتصف جسمه الأسفل مما يحمل معها بعضًا من الإيحاءات الجنسية، تبدأ بأداء فرد واحد من الممكن أن يرتدي قناعًا في رأسه أو لا، ثم يتداخل معه من حوله ويقومون بأداء حركات عشوائية ومرتجلة، وفي بعض الأحيان يقوم من يأدون الرقصة بخلع جزء من ملابسهم.