كثرة القيود والرقابة الصارمة التي يفرضها النظام علي الشعب دفعت البعض يتلمس السبل كي يلتقط أنفاسه بعيداً عن أعين الجلادين، بشتي الطرق الشرعية وغير الشرعية. فالشباب الإيراني يعيش حالة من التمزق بين ما يفرضه المجتمع وبين العالم الخارجي الذي يتصل به عبر شبكات الإنترنت والفضائيات حيث التحرر الزائد والسماح بفعل أي شئ في أي وقت، وهو ما حرم منه هؤلاء الشباب فأصبحوا يحسدوا الغرب على هذه الحرية وخلقوا منهم نماذج للبشر الذين يجيدون الاستمتاع بمتع الدنيا . فالدولة حرمت الأغاني العاطفية وغناء النساء وفرضت الحجاب الشرعي الذي لا يكشف عن شعر صاحبته وأصدرت قوانين باعتقال المخالفات، الأكثر من ذلك أنها منعت الطالبات الجامعيات من دراسة أكثر من 77 تخصص بالجامعات كما حرمت الاختلاط بين الجنيسين ، فالإفراط في التشدد أدي إلي التفريط في كل المبادئ والقيم . "ديسكوهات متنقلة" .. هي أحدث وسيلة أبتكرها الشباب لكسر كل القيود التي يفرضها المرشد والمجتمع حيث يختلس هؤلاء بعض الساعات للاستمتاع بأوقاتهن داخل الأتوبيسات السياحية ليبدو للعيان أنها مجرد رحلات سياحية حتى لا يلفتوا الأنظار إلي ما يفعلوه . حول هذه الظاهرة قالت الإذاعة الألمانية في قسمها الفارسي أن الشباب الإيراني لديه صورة نمطية حول ما يحدث في "الديسكوهات" حيث تتعالي أصوات الموسيقي الصاخبة لدرجة تمنع من استماع الناس إلي بعضها البعض و الدخان الكثيف الذي يحول بين رؤية الأشخاص بوضوح والليل والأضواء المتداخلة ما بين الأحمر والأزرق والأخضر التي توحي بجو من الغموض والإثارة، ورقص الشباب حتي الصباح وشرب المشروبات الروحية غير المشروعة، ونظراً من عدم تمكنهم من تحقيق هذه الصورة ، بدوا في عمل "ديسكوهات" فريدة من نوعها . شروط الدخول تقول الإذاعة الألمانية: إن عدد غير قليل من الشباب الإيراني ينتهز فرصة وجوده خارج إيران بالتحديد في أوربا وأمريكا ليذهب إلي الملاهي الليلة ليقضي سهرة فريدة ومميزة ، يعيش فيها كأبطال الأفلام الأجنبية الذين يعيشون حياتهم بالطريقة التي تحلو لهم غير عابئين بأية تعاليم دينية وأخلاقية ، إلا أن فكرة "الديسكوهات المتنقلة" جعلتهم لا يحتاجون السفر إلي الخارج، فيكفي أن يختاروا يوماً للقيام بجولة سياحية لينقلهم الأتوبيس إلي ذلك العالم الغامض ، حيث الموسيقي والرقص علي أنغام الموسيقي الإيرانيةالشرقية بعيداً عن الرقابة . دخول هذه "الديسكوهات" لا يشترط فئة عمرية بعينها ، كما أنه لا يوجد منع للفتيات من المشاركة فيها حيث السماح بالاختلاط بين الجنسين . أحياناً تقام هذه الرحلات التي تشبه رحلات السفاري في الصحراء، عبر أتوبيسات صغيرة أو كبيرة أو أخري بدورين . يقول "حميد رضا هاشمي" الذي يعمل منذ سنوات في مجال الإرشاد السياحي داخل إيران وخارجها في حديثه للإذاعة الألمانية، غالباً ما تقام مثل هذه الرحلات في عطلة نهاية الأسبوع وأكثر الفئات التي تشارك في مثل هذه الديسكوهات الطلاب والموظفين باختلاف أعمارهم ، فالجميع يريد الاستمتاع بوقته مع الأصدقاء ، والتعرف علي أصدقاء جدد . فالأمر يبدو كأنها مجرد رحلات ترفيهية استرخاء بعيداً عن جو العمل ، ضغوط الحياة فحسب " . عن كيفية تحول الأتوبيسات السياحية إلي "ديسكوهات متنقلة" يقول "هاشمي" : أهم ما يميز الشعب الإيراني ، هو عشقه للغناء و التجمعات التي تشعر الأفراد بالألفة . وعلي الرغم من القوانين الصارمة التي تفرض علي الشعب وتجعله يعيش حياة متحفظة ، إلا أن هذا التحفظ لم ينقص من عشقه للحياة بكل ما فيها.. فحب الحياة جزء لا يتجزأ من معتقداته الراسخة عبر العصور .. فهذه الرحلات تمنحهم أفضل فرصة للقيام بالغناء والرقص مع الإحتفاظ بالخصوصية بعيداً عن زحام المدن . أسلوب إقامة الحفلات يضيف "هاشمي" قائلا : لا شئ يثير الرعب والقلق من الرقابة فبمجرد بدء الرحلات يسدلون الستائر التي تسترهم عن أعين الناس ، تبدأ أصوات الموسيقي الصاخبة في الارتفاع وتبدأ الفتيات في خلع حجابهن ويرقصن علي نغمات الموسيقي في الممرات الفاصلة بين المقاعد . تضيف الإذاعة الألمانية أن بعض الشباب يعتبر مثل هذه الرحلات ، نوعاً من أنواع تفريغ الطاقات المكبوتة لديهم نتيجة الضغوط الاجتماعية والدينية المفروضة عليهم وذلك بأقل الإمكانيات ، الفرص المتاحة بالنسبة لهم ، إلا أنهم دائما ما يساورهم القلق من الدوريات والحملات الأمنية التي تقوم بها الشرطة الإيرانية علي طرق السفر. تحكي "يلدا" طالبة جامعية في السادسة و العشرين من عمرها عن تجربتها حيث شاركت عدة مرات في مثل هذه الحفلات قائلة : أن هذا الأمر لم يكن مألوفاً في البداية .. إلا أنه لاقي إقبال شديد فيما بعد من قبل الناس باختلاف أعمارهم وطبقاتهم حتي أن الأتوبيسات ذات الطابقين ، تتسع لسبعين شخصاً. تضيف "يلدا" : قبل سنوات كان الأمر يقتصر علي الأصدقاء و المعارف لقضاء يوم العطلة خارج المدينة والسفر لعمل رحلات السفاري في مدينة "كاشان"..و بالفعل تكون عطلة لا تنسي ، فمنذ اللحظة الأولي ننطلق في الغناء والضحك والرقص . فبعد عودة المرء من هذه الرحلة تلازمة حالة من السعادة و البهجة لأيام عديدة . دور الشرطة في مكافحة "الديسكوهات" المتنقلة تقول الإذاعة الألمانية إن الشركات السياحية علي اختلاف مستوياتها تقوم بعمل مثل هذه "الديسكوهات المتنقلة" من خلال الأتوبيسات الخاصة بها ،كما توفر لهم مرشدين سياحيين مرافقين لهم كدليل للمسافرين والباحثين عن المتعة بعيداً عن القوانين الصارمة . لكن "آريام بور" مدير إحدى شركات السياحة ينفي قيام الشركات الكبرى المحترمة بمثل هذه الأشياء ، وتستغل اسمها في أفعال غير مشروعة يحاسب عليها القانون . ويضيف قائلاً: إن الشركة توفر الرحلات ، لكنها غير مسؤولة عن سلوك المسافرين، فأحياناً نضطر لأن نتغاضى عن سلوكهم وأحياناً أخري نضطر للرد بشكل حازم حيال التجاوزات . وأضاف "بور" أنه تم منع بعض المسافرين هذا العام من إتمام رحلاتهم، كما تم ترحيل جميع الموجودين بالأتوبيس إلي أقرب نقطة شرطة للتحقيق معهم بتهمة الخروج عن الآداب العامة . علي الرغم من وجود الكثير من المخاطر التي تحف بمثل هذه "الديسكوهات المتنقلة" إلا أن الشباب لم يعبأ بالمصير الذي سيواجهه فلا بديل لعقوبتي السجن أو الجلد. فإذا كانت الدولة حرمت مصافحة النساء والاختلاط فما بالنا ب"الديسكوهات"!! .