تتصاعد التساؤلات القلقة حول الجائزة العالمية للرواية العربية المعروفة "بجائزة بوكر العربية" منذ الاعلان يوم الأربعاء الماضي في العاصمة التونسية عن الأعمال التي صعدت للقائمة القصيرة فيما طالت التساؤلات تكوين لجنة التحكيم ذاتها فضلا عن مدى التزام منظمي الجائزة بهدفها المعلن. وتحت عنوان :"هيئة تحكيم جائزة بوكر العربية تفاجئ الأوساط الثقافية باختيار الروايات الأضعف في القائمة الطويلة"، ذكرت جريدة القدس العربي في تقرير من تونس أنه تم الكشف عن أسماء المحكمين الستة للجائزة في حضور هيئة التحكيم التي ترأسها الكاتب والأكاديمي المصري جلال أمين. وبرئاسة الدكتور جلال أمين تشكلت هيئة التحكيم من الناقد والأكاديمي اللبناني صبحى البستاني ورئيس اتحاد رسامي الكاريكاتير العرب ورئيس تحرير جريدة "الدومري" السورية المستقلة على فرزات والأكاديمية والباحثة البولندية بربارا ميخالك بيكولسكا واستاذة الأدب العربي ودراسات النوع في جامعة مانشستر زاهية اسماعيل الصالحي. وحسب هذه الجريدة التي تصدر من لندن: "ستشكل القائمة القصيرة لهذه الدورة صدمة للمهتمين بالرواية العربية لجهة خروج روايات مهمة لأسماء أساسية في الرواية العربية وتناولتها الصحافة العربية بالاحتفاء عند صدورها". ومن بين الروايات المهمة التي خرجت من القائمة القصيرة، رواية "سينالكول" للكاتب اللبناني والفلسطيني الأصل الياس خورى ورواية "ملكوت الأرض" للكاتبة اللبنانية هدى بركات و "طيور الهوليداي ان" للكاتب اللبناني ربيع جابر و"قناديل ملك الجليل" للكاتب والشاعر الفلسطيني - الأردني ابراهيم نصر، كما استبعدت "اصابع لوليتا" للكاتب الجزائري الكبير واسيني الأعرج فضلا عن رواية "رجوع الشيخ" للكاتب المصري الشاب محمد عبد النبي. ويعيد ذلك للأذهان حالات سابقة شكلت نوعا من الصدمة المشوبة بالسخرية لدى جمهور المتلقين ناهيك عن النقاد والمتخصصين إزاء غرائب التحكيم مثلما حدث من قبل عندما استبعدت هيئة محكمي جائزة بوكر العربية رواية "شجرة العابد" للروائي المصري الدكتور عمار على حسن وهى رواية تشكل علامة أساسية ومؤسسة لتيار الواقعية السحرية العربية وحظت باهتمام مستحق من القراء وعديد النقاد، فيما باتت بخطابها الإبداعي الصوفي المتزاوج مع الواقعية السحرية موضع دراسات اكاديمية وأطروحات لنيل درجات الدكتوراه والماجستير في جامعات بالجزائر وإيران. وكانت أسماء الروائيين الستة الذين ادرجوا على القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" لعام 2013 أعلنت مساء الأربعاء الماضي في رحاب المسرح البلدي بالعاصمة التونسية، وهم: العراقي سنان انطون صاحب رواية "يا مريم"، اللبنانية جنى فواز الحسن صاحبة "انا وهى والأخريات"، الكويتي سعود السنعوسي بروايته "ساق البامبو"، السعودي محمد حسن علوان برواية "القندس"، المصري ابراهيم عيسى صاحب "مولانا"، والتونسي حسين الواد برواية "سعادته السيد الوزير". وفى السنوات الأخيرة، عمدت الروائية والأكاديمية المصرية رضوى عاشور لمقاطعة جائزة "بوكر" العربية وكذلك الروائي المصري ابراهيم عبد المجيد فيما وجه الكاتب والروائي جمال الغيطاني نقدا لاذعا لطريقة التحكيم في هذه الجائزة. وفيما رأى بعض الحضور في المسرح البلدي بتونس أن لغة بيان لجنة التحكيم للجائزة "لغة انطباعية وليست لغة نقدية"، قالت جريدة القدس العربي: "لن تكون سماء أعضاء هيئة التحكيم أقل اشكالية وإثارة للتساؤل من اختياراتهم، إذ ليس بينهم من له صلة فعلية بالفن الروائي أو النقد الأدبي الحديث فضلا عن انعدام صلتهم الفعلية بالساحة الثقافية العربية". وبقدر ما يحق القول بأن رئيس هيئة التحكيم الحالية الدكتور جلال امين حاضر في قلب الساحة الثقافية المصرية والعربية وهو من المثقفين الكبار قيمة وقامة بقدر ما يحق التساؤل عما إذا كان جلال أمين الذى لم يعرف عنه أنه كاتب رواية أو ناقد روائي هو الاختيار الأنسب لرئاسة هيئة المحكمين لجائزة بوكر العربية الذين كانوا في أغلبهم من غير الروائيين أو النقاد المتخصصين في مجال الرواية. ولهذا التساؤل ما يبرره خاصة وأن المشهد الثقافي المصري والعربي الراهن يتوهج بأسماء لروائيين أو نقاد مثل صنع الله ابراهيم وبهاء طاهر وابراهيم الكوني والطاهر بن جلون وجابر عصفور وعبد الفتاح كيليطو وخليل النعيمي وعلاء الأسواني واهداف سويف ومحمد برادة. ولعل القائمة الطويلة والمعروفة التي تحوى أسماء العديد من النقاد العرب المتميزين بين المشرق والمغرب قد تكون مناسبة في سياق ما ذكره الدكتور جلال أمين ردا على دعوة بعض الحضور في احتفالية تونس بأن تضم لجنة التحكيم مستقبلا كاتبا روائيا على دراية بفن الرواية، حيث وصف أمين هذا الاقتراح "بالجيد"، لكنه أوضح أن "الروائي الجيد ليس بالضرورة ناقدا متميزا". أما فلور مونتانارو التي شغلت منصب منسقة جائزة بوكر العربية فذهبت إلى أن "ما حققته البوكر العربية من إشعاع للرواية العربية يغفر لها اخفاقاتها القليلة"، على حد قولها. وبالإحالة للأصل الانجليزي لجائزة بوكر العربية والتي تحمل اسم "مان بوكر" وتمنح سنويا لأفضل عمل إبداعي في النثر الإنجليزي، فإن رئيس لجنة المحكمين في عام 2012 كان السير بيتر ستوثارد وهو المسؤول عن الملحق الثقافي لجريدة التايمز البريطانية. ومع أن ستيلا ريمنجتون رئيسة لجنة المحكمين لجائزة "مان بوكر" في عام 2011 كانت تشغل من قبل منصب رئيس جهاز الأمن الداخلي في بريطانيا، إلا أنها صاحبة ابداعات راسخة في عالم القصة ومن ثم لم يكن وجود "سيدة المخابرات والأمن المحنكة" على رأس اللجنة التي منحت الجائزة حينئذ لجوليان بارنز عن قصته "الاحساس بالنهاية" مثيرا للدهشة وإن أنطوى على قدر من الطرافة بحكم خلفيتها الأمنية العتيدة. وازدادت أجواء الطرافة مع تصريحات ذهبت فيها ستيلا إلى أن عالم النشر شأنه شأن عالم المخابرات لا يخلو من استخدام أساليب وتكتيكات الدعاية السوداء وعمليات التشويه والاغتيال المعنوي للخصوم والاستعانة بالعملاء المزدوجين ونسج المؤامرات. وكانت ستيلا ريمنجتون أعربت عن شعورها بالأسى بعد اختيار الأعمال التي دخلت القائمة القصيرة من بين 13 عملا في القائمة الطويلة. وقالت :"كان من الصعب اختيار قائمة تضم ست روايات فقط ونشعر بالأسى لأننا فقدنا روايات عظيمة ولكن عندما نتمعن بدقة سنرى أن هذه العناوين هي الأفضل". ويبدو أن الدكتور جلال امين استشعر حالة من عدم التجاوب الجماهيري حيال الأسماء التي وصلت للقائمة القصيرة لجائزة بوكر العربية هذا العام والاستياء من استبعاد أسماء هامة في الابداع الروائي العربي ومن ثم فقد دعا القراء "لأن يقبلوا قرارات اللجنة بتسامح"، فيما ذهب إلى أنه "لا يفترض للكاتب العظيم أن يبقى عظيما طوال الوقت". ووفقا لجريدة القدس العربي: "سيلاحظ البعض ان الاختيارات لجائزة بوكر العربية طغى عليها العنصر الشبابي لكن هذا إن كان مقصودا فهو يخالف عرف الجائزة نفسها التي لا تتوقف عند عنصر العمر والجنس والجنسية". ومع ذلك فقد ذهبت هيئة المحكمين إلى أن القائمة القصيرة لهذا العام تكشف عن عدد من الاهتمامات الروائية المتنوعة التي تعد في صلب الواقع العربي اليوم ومن بينها التطرف وغياب التسامح ورفض الآخر وانفصال الفكر عن السلوك عند الانسان العربي المعاصر وإحباط المرأة فضلا عن تعرية الواقع الفاسد والنفاق.