«اتعلمنا منك كيف الموت ينحب.. واتعلمنا وقت الشدة نهب.. نمد الخطوة ندق الكعب». كلمات ثائرة لجبرتى الفداوية شاعر الثورة والوطن، أحمد محمد غزالى، ابن السويس البالغ من العمر 84 عاما، قضاها محبا وعاشقا للكلمة الحرة الصادقة، قديسا فى محرابها، مثله مثل كل الأبطال فى العالم. جعل منه السوايسة أسطورة شعبية، وآمنوا بكلمته التى تطابقت مع عمله، لأن شعره الثائر خرج من نفس جربت الثورة وكافحت ضد الاستعمار الإنجليزى حين كان فى الثلاثينيات من العمر. نضاله بكلمات كالرصاص يطلقه على قلب الباطل حتى اندلعت ثورة 25 يناير.. وكانت كلماته وقودا يلهب عزيمة ثوار المدينة الباسلة، وأصبحت أشعاره أقوى من الرصاص الذى كان يطلقه رجال الأمن على صدور العزل الذين خرجوا يقدمون أرواحهم قرابين فى معابد «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية». شاعر ومطرب وملحن.. وثائر، أسس فرقة «ولاد الأرض»، وهو أيضا صاحب رؤية سياسية وذهن متقد لم يفقد قدرته على التحليل الدقيق المنظم، ولم يفقد ذاكرته رغم أنه يقترب من العقد التاسع من العمر. هذه الذاكرة المليئة بالتفاصيل هى ما يفتحه لنا غزالى إذ يقول: بعد هزيمة 67 سارعت إلى تنظيم المقاومة الشعبية، وأسست فرقة (ولاد الأرض) والتى كانت تسمى فى بادئ الأمر «فرقة البطانية» نظرا لجلوس أعضائها على البطانين فيما هم يغنون، وكنت أكتب الأغانى وألحنها فى كثير من الأحيان، هذا بالإضافة إلى العزف على السمسمية والغناء، وكانت كلماتى تشتعل غضبا ورفضا لواقع الهزيمة. يقول الكابتن غزالى: أسرتى من أقدم الأسر فى السويس فوالدتى من مواليد السويس، فى زمنى كانت تقاليد الأسر، تحتم أن الولد البكر يولد فى بيت أسرة الأم، وهكذا ولدت فى أبنود ثم عدت طفلا. وحبى لمدينة السويس يجرى فى دمى. ويحكى غزالى أنه بعد ثورة 52 أصبح ضمن تنظيمات الثورة أمينا للشباب، وهى المرحلة التى يصفها قائلا: «كنا نؤمن حقا بأن مصر أم الدنيا وأن أية تضحية ليست كثيرة عليها.. وكنا نشعر بأننا نستطيع أن نواجه الدنيا كلها بحبنا لوطننا وإرادتنا الحرة». ويقول غزالى: هزيمة يونيو ذبحت قلوب شعب السويس، وكانت السويس ترتدى السواد حدادا ليس على الشهداء، وإنما على وطن كانت طموحاته تصل إلى السماء. هذا الحزن لم يدفعنى إلى الاستسلام، فالشعر لا يستسلم، ولا يركع، وقررت ألا أمارس النواح واللطم وإنما أؤذن للنصر المقبل وأزرع روح التحدى فى النفوس. ويتابع: كان الفدائيون يجتمعون حولى، فيغنون ويقترحون أفكارا أعبر عنها بالشعر، أما الألحان فهى مزيج من ثقافات هؤلاء مصر كلها التى جمعتها السويس. يقول: «اخترت اسم ولاد الأرض لهذه الفرقة الوليدة لترسيخ الحميمة التى جمعتنا». كانت تلك هى لحظات تأسيس أغانى المقاومة التى تحولت اليوم إلى جزء من تراث المدينة، أو حسب تعبيره «تحول ولاد الأرض» إلى قصة لا تختلف عن قصة بهية وياسين وسيرة أدهم الشرقاوى. واليوم تصدح فرقة بالاسم نفسه فى السويس يرعاها بعض «ولاد الأرض» القدامى من رفاق الكابتن غزالى. ويقول: أثناء الحرب اتجهت إلى التعبير عن واقعنا كمقاومين وسوايسة بالغناء، وفى عام 69 لم يكن هناك وسيلة للترفيه على الناس أو للشد من أزر الجنود أو حتى لنقل المعلومات والبيانات العسكرية سوى الغناء. وعندما كان يأتى رمضان كان غزالى ورفاقه يذهبون إلى التجمعات الأمامية حيث الجنود البواسل الذين يقفون على الخطوط المواجهة لجحافل العدو الغاشم ويكون ذلك مصحوبا بوجود شيخ لبث روح الإيمان لدى الجنود. ويقول غزالى «كنا نفتعل المواقف لكى نغنى ونبتهج ونقوى من عزيمة الناس وكان واضحا فى الشعر أن الناس لديها عزيمة وشفافية وكان الهدف واحدا». ويتحدث عن ثورة يناير قائلا: الله عليها وأشكر الله أنه أعطانى العمر والصحة حتى أشارك فى الثورة». وأبدى غضبه من الشعراء لعدم تواجدهم الفاعل خلال ثورة 25 يناير مؤكدا على دور الكلمة فى دفع وحث الشعوب على الانتفاض ضد الظلم والفساد مشيرا إلى أهمية الشعر السياسى والثورى فى بث روح النضال وكيف كانت تجربة فرقة «ولاد الأرض» ذات آثار إيجابية فى نفوس الجنود والجماهير خلال الحرب. ويرى غزالى أنه خلال ال30 عاما الماضية كان هناك نوعية من الشعراء رضيت على نفسها دخول الحظيرة والصمت خاصة فى عهد فاروق حسنى فتغيب المحرك وبالطبع كانت هناك استفادة متبادلة بين نظام يريد تكميم الأفواه بأى ثمن وشعراء مستفيدين بشكل ما ومن ثم استكانوا فى كنف النظام. ويرفض غزالى اختزال الثورة فى يوم 25 يناير فقط لأن ذلك يضر بالثورة لأسباب كثيرة فهناك تداعيات كثيرة لا يجب تجاهلها فالتبشير بالثورة كان فى كتابات الكثيرين وأفعال غيرهم من هؤلاء الذين حركوا المياه الراكدة.. فالثورة حسب تعبيره شجرة طيبة ثمارها مازالت تحتاج وقتا كى تنضج، وهى لم تنبت إلا من «الكلمات الصادقة الحلوة». وأكد شاعر المقاومة أن الثورة لم تنته بعد وأن فلول النظام السابق خاصة من المثقفين والشعراء الذين أدخلهم النظام البائد الحظيرة أهم أسباب عدم تحقيق الثورة لأهدافها حتى الآن بالإضافة إلى أن فلول النظام فى كل مكان وعلى كل المستويات. ويرى أننا الآن فى أمس الحاجة للمقاومة حتى يكتمل الحلم فالزلزال حدث ودمر النظام وتلك التوابع مصيرها إلى الاختفاء والزوال فالشرعية الثورية لا بد وأن تكون فى طريقها رغبة مضادة وعليها أن تقوى لتستمر وتنجح.