-بدأت العمل فيها منذ التسعينيات.. وواجهنا ذُل وضرب وإهانة وحرمان من الطعام طوال فترات العمل -«الخولى عبدالقادر» كان يمسك خرزانة طويلة لضرب الفلاح إذا استراح -اليومية 8 جنيهات.. وبعد ثورة يناير زادت إلى 60 جنيهًا رغم كونه أربعينى العمر، إلا أن التجاعيد تملأ وجهه، ويداه تنزف دمًا من التشققات، والعرق يفيض من وجهه، تجده واقفًا ممسكا بالفأس، مرتديًا جلبابًا قديمًا.. ورغم سنوات المرار والشقاء التى عاشها إلا أنه دائمًا ما يحمد الله على نعمة العمل..إنه «عبد الله محمد» يعمل فلاحًا ب«وسية شاهين» الكائنة بعزبة شاهين بمدينة قليوب المحطة التابعة لمحافظة القليوبية، الذى استهل كلامه متحدثًا عن سنوات الشقاء والتعب فى «الوسية» التى أكد أنه عمل فيها بالوراثة أبًا عن جد. يبدأ عبدالله حديثه، قائلًا: تلك الوسية كانت ملكًا لأحد الباشاوات القدامى ثم ورثها عنه أبناؤه، حيث كانت الأرض تبلغ مساحتها 65 فدانًا مقسمة إلى 50 فدانًا من مزارع فاكهة البرتقال، والتى يقوم ملاك وسية شاهين باستئجار فلاحى العزبة للعمل بزراعتها الموسمية المعتادة من ذرة وأرز وزراعات وخضراوات أخرى. عبدالله يتابع حديثه عن سنوات الشقاء: عمل ب«الوسية» منذ التسعينيات، وكان يذهب مع العشرات من الفلاحين المجاورين له حاملا فأسه القديمه الذى ملأتها فضلات الطين، ويبدأ العمل فى تمام السابعة صباحًا، ولا يرفع خصره «وسطه» إلا إذا دقت الساعة الرابعة عصرًا، شاكيًا من سوء المعاملة من ذل وضرب وإهانة وعدم العدالة، وحرمان من الطعام طوال فترات العمل، متابعًا: كان ينقسم فلاحو وسية شاهين لثلاثة أقسام، الأول يعملون فى خدمة البهائم وتنظيف السرايا وإطعام كلاب الباشا صاحب الوسية، أما فلاحو القسم الثانى فيعملون فى زراعة وتجهيز وحصاد المحاصيل الموجودة بالوسية، وآخرون يعملون فى مزارع الفاكهة. كانت اليومية- بحسب عبدالله- المعتادة هى 8 جنيهات فقط لا غير، ولا يكون هناك وجه اعتراض من جانب فلاحى الوسية حتى لا يتم طردهم «ويتم قطع عيشهم». لم ينس عبدالله «الخولى عبدالقادر» الذى كان يقف خلفهم فى أرض وسية شاهين، حاملا عصاه الخرزانية الطويلة والتى يستخدمها بقوة فى ضرب الفلاح الذى يهم للراحة بعض الشىء، قائلا: «اشتغل يا تملى»، ولا أحد كان يستطيع فى تلك الفترة الرد عليه حتى لا يتم طرده وقطع عيشه. عبدالله يحمد الله على قيام ثورة 25 يناير، قائلًا: هذه الثورة حررتنا من الظلم والقهر، وساهمت فى رفع العناء على الفلاح المصرى، حيث أصبح القائمون على خدمة الوسية يُقبلون أرجل الفلاحين للعمل لديهم فى زراعة وحصاد الأرض، ذلك لأن الثورة جرأت الفلاحين وجعلتهم يطالبون بحقهم، ويصرخون ضد الظلم، والدليل على ذلك أن الخولى أصبح يحترم الفلاح، وتغيرت مواعيد العمل من الثامنة صباحًا حتى الثالثة عصرًا، بجانب ساعة غذاء يتم فيها تقديم الطعام والشاى والعصائر للفلاحين من قبل أصحاب الوسية، كما تبدل الأجر لفلاحى الوسية حسب الزمن الحديث، فوصلت يومية الفلاح 50 جنيهًا، ولا يرضى بأقل من ذلك أجرًا. عبدالله اختتم كلامه: الفلاح أصبح سيد العمل وليس خدامًا كما يقولون، فصاحب العمل يعطى الفلاح الأجر مسبقًا ليطمئن لمجيئه للعمل، بل ويبوس رجله- على حد وصفه- وأصبحنا نعيش مثل ال «بنى أدمين».