مسلسل فساد قطاع الأعمال الحكومى مازال مستمرًا، وكأنه قدر مكتوب علينا أن نخرج من عباءة الفساد السياسى الذى أغرق مصر لنصطدم بالفساد المالى والإدارى الذى ظل ملازما للجهاز الإدارى للدولة المصرية عبر تاريخها. آخر تجليات هذا الفساد المالى هو ما تكشفه «الصباح» الآن، وهى جريمة تتعلق بكبرى شركات قطاع الأعمال العام المصرى، ألا وهى «الشركة المصرية لتجارة الجملة» التابعة ل «الشركة القابضة للصناعات الغذائية»، والتى يشرف عليها وزير الاستثمار مباشرة، وتبلغ مبيعاتها السنوية من 3 إلى 4 مليارات جنيه، ويتجاوز صافى أرباحها السنوية 60 مليون جنيه. مسلسل نهب الشركة بدأ منذ عام 2008 ولم يتوقف إلى الآن، فوفقًا للمستندات التى حصلت عليها «الصباح» بلغ إجمالى نهب المال العام 450 مليون جنيه موزعين على عامين، 250 مليون جنيه وفقًا لميزانية العامة الماضى وتعقيبات الجهاز المركزى للمحاسبات عليها، بالإضافة إلى 200 مليون جنيه متوقعين خلال الميزانية الجديدة التى سيتم إقرارها خلال أيام. رغم أن هذه الشركة تخضع مباشرة لإشراف وزارة الاستثمار، إلا أن ذلك لم يكن كفيلًا بالحفاظ على الأموال العامة التى كانت ضحية لأيدى العابثين والطامعين، حيث يتمثل أبرز أوجه الفساد المالى للشركة فى نفوذ رئيس مجلس إدارتها «أيمن سالم أحمد»، وهو مسئول سابق بهيئة الرقابة الإدارية، والذى يستغل علاقاته السابقة لحمايته ووقف الشكاوى المقدمة ضده من الجهاز المركزى واللجنة النقابية للشركة، حيث تم تقديم أكثر من 17 بلاغ إهدار مال عام ضده فى مختلف الأنشطة، دون أن يحدث أى شىء، رفقا لما أكده أحد أعضاء النقابة المستقلة بالشركة ل «الصباح». و للعام الثانى على التوالى يرفض الجهاز المركزى للمحاسبات إقرار ميزانية الشركة لارتفاع حجم الفساد والتزوير فى أوراقها الرسمة، ورغم ذلك يقوم وزير الاستثمار بالتجديد لرئيس الشركة، بدلًا من إحالته للتحقيق بتهمة الفساد. الغريب أيضًا أن الشركة القابضة للصناعات الغذائية التى تتبع لها الشركة المصرية لتجارة الجملة مباشرة، قدمت بنفسها بلاغات عديدة لنيابة الأموال العامة ضد «أيمن سالم أحمد» رئيس الشركة، ومازالت وزارة الاستثمار تجدد له منذ 11 سنة وإلى الآن، مما يستوجب الإجابة عن سؤال: لماذا يتستر رئيس الشركة القابضة حسن كامل الذى على فساد رئيس المصرية لتجارة الجملة؟ على صعيد متصل كشفت تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات الذى حصلت الصباح على نسخة منها عن عدة مخالفات بالشركة تتجاوز 180 مليون جنيه، موزعة بين 99 مليون عبارة عن تزوير واضح قام به رئيس الشركة فى أوراق مبيعات منتج السكر، وإثباته فى الميزانية كمبيعات لدى الغير، فى حين أنه فى الأساس عجز واضح فى مبيعات الشركة نفسها، حيث قامت الشركة بإثبات كمية 23 ألف طن من السكر الحر مخزون بضائع لدى الغير بناء على الشهادة الواردة من شركة السر للصناعات التكاملية وبقيد لا يوجد به أى توقيعات رسمية. كما أبرز تقرير الجهاز أن الشركة حققت صافى أرباح 21 مليون جنيه فقط، فى حين قالت الميزانية إن أرباح الشركة بلغت 71 مليون جنيه، مما يلقى بالتساؤل على عاتق مجلس إدارة الشركة: أين ذهب فرق العجز البالغ 50 مليون جنيه؟ أيضا من ضمن الممارسات الفاسدة التى قامت بها الشركة قيامها بإقفال نحو 18 مليون جنيه من الرصيد الدائن باسم شركة الوران بحساب العملاء فى حساب إيرادات سنوى سابقة ومبيعات بضائع بغرض البيع، فى حين خلا القيد من أية توقيعات، فضلًا عن استخدام أذون خصم بإدارة المنيا وتم إثباتها على أنها حساب بتاريخ قديم، وإدراجها فى الميزانية بالمخالفة للوائح والقوانين، مما يتطلب تحويله إلى نيابة الأموال العامة بتهمة إهدار المال العام. كما شمل تقرير المركزى للمحاسبات إدراج الشركة ضمن ميزانياتها المعدلة لعام 2012 بعض القيود غير الموقع عليها نهائيا من أى من العاملين، وبلغ ما أمكن حصره بها نحو 15 مليون جنيه لعدد 7 قيود، بما يعد تزويرًا فى مستند رسمى ويستوجب على الجهاز إبلاغ النيابة العامة، بالإضافة إلى استمرار ظهور رأس العمال العامل بالسالب، مما يشير إلى وجود خلل فى الهيكل التمويلى للشركة، الأمر الذى لا يسمح بالوفاء بالالتزامات قصيرة الأجل، مما يتوجب إعادة النظر فى السياسات المالية للشركة. فيما كشفت بعض المصادر داخل الشركة عن وجود موظف بمكتب الجهاز المركزى للمحاسبات يقوم بتمرير ميزانية الشركة دون مراقبة، مطالبًا بتشكيل لجنة برئاسة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات وتحت إشرافه لمراجعة ميزانية الشركة المصرية لتجارة الجملة منذ عام 2008 وحتى الآن. على صعيد متصل حملت البلاغات، التى تم تقديمها للنائب العام ووزير الاستثمار أسامة صالح مؤخرًا، العديد من أوجه الفساد، من ضمنها بلاغ رقم 467 للنائب العام، والذى أثبت قيام مجلس إدارة الشركة ببيع السكر بأقل من سعره الحقيقى محققًا خسارة قدرت بقيمة 2 مليون جنيه لصالح بعض الشركات والمستفيدين من مجاملات رئيس مجلس الإدارة. وبلاغ آخر للتحقيق فى خسائر بلغت 34 مليون جنيه تخص عجز سنوات مرحلة، بالإضافة إلى عجز آخر قيمته 2 مليون جنيه فى 5 أشهر، هما عجز فرع هاير الطيران الذى تم افتتاحه فى عام 2009، ولا نعلم حتى الآن أين ذهبت أموال العجز؟ بدوره حمل بلاغ رقم 2312 الشركة مسئولية عجز آخر قيمته 12 مليون جنيه فيما يخص « مبيعات سمنة وزيت ولحمة بالخسارة، بأقل من أسعارها مجاملات لبعض الشركات»، وتم إثبات ذلك وفقًا للأسعار العامة التى تبيع بها الشركة فى محضر رسمى. وعلى صعيد متصل فقد ذكرت مصادر مطلعة بالشركة المصرية لتجارة الجملة، أن ميزانية العام الجديد التى سيتم إقرارها خلال الأيام المقبلة ستشهد عجزًا وخسائر تتجاوز 200 مليون جنيه سيكشفها الجهاز المركزى للمحاسبات، وأكد المصدر أن ما سيعلن فى ميزانية الشركة سيكون تحقيق فائض أرباح 11 مليون جنيه فقط، فى حين أن هناك عائدات ثابتة سنويًا تقدر بقيمة 96 مليون جنيه، متمثلة فى عائد السلغ التموينية 75 مليونًا، وأجور تخزين بحوالى 12 مليون إيرادات سنوية ثابتة للشركة، بالإضافة إلى 9 ملايين فوائد وعوائد إيرادات التوريد وفوائد البنوك والبريد، بما يعنى حدوث اختلاس محتمل قيمته 85 مليون جنيه فى هذا البند فقط، بالإضافة إلى البنود الأخرى المتعلقة بفساد مالى وإدارة سيتم كشفها بمجرد إعلان الميزانية الجديدة التى رفضها الجهاز المركزى للمحاسبات أكثر من مرة ولم يوافق عليها إلى الآن. الغريب أن وزارة الاستثمار لم ترد على استفسار «الصباح» بشأن تلك المستندات الخاصة بفساد «المصرية لتجارة الجملة»، رغم أنه المسئول المباشر عن تلك الشركة بوصفها إحدى شركات قطاع الأعمال العام التابعة لوزارة الاستثمار. فيما ختمت بعض المصادر بأنها تقدمت إلى كل من وزير الاستثمار أسامة صالح وحازم الببلاوى رئيس الوزراء بأكثر من طلب للبت فى هذا الفساد الذى يضر المال العام للدولة دون مجيب، مما دفعها لتقديم استغاثة للمشير عبدالفتاح السيسى لوقف ذلك النزيف المالى الفادح فى كبرى الشركات الاستثمارية للدولة.