إنهم يرفضون القانون الوضعى، يطبقون الحدود، والقصاص الفورى، ويتبنون منهج رد الحقوق بالقوة.. تلك هى القوانين التى تحكم عمل ما يسمى «المحاكم الشرعية» التى أقامتها الجماعات «الجهادية» والإسلامية فى عدة محافظات منها بورسعيد وسيناء بعد تعطيل دستور الإخوان، وسقوط حكم الجماعة التى لم تكن هى نفسها تحكم بما أنزل الله! وأصحاب «المحاكم الشرعية» لا يعترفون بالقوانين ولا الدساتير ولا بالمحاكم العادية، كما يعتبرونها «قوانين وضعية كافرة من صنع البشر لحكم البشر»، ويسعون لتطبيق «الشريعة» حرفيا دون زيادة أو نقصان كما يقولون، عبر مبادئ «الحاكمية والولاء والبراء»، وكل تلك الأمور اتخذوها حجة لتكليف وتنصيب أنفسهم أولياء على المصريين. ولو عدنا إلى الوراء قليلا، سنجد أن المصريين كانوا يحتكمون لتلك المحاكم الشرعية حتى ثورة يوليو 1952، وتم إلغاؤها بقرار من مجلس قيادة الثورة آنذاك وضمها للمحاكم العامة، مع إلغاء كل القوانين المتعلقة بترتيبها واختصاصها، وإلحاق دعاوى الأحوال الشخصية والوقف والولاية إلى القضاء العادى الذى يحكم بالقوانين الوضعية، وذلك بعد حدوث واقعة شهيرة فى الإسكندرية، حيث تورط اثنان من قضاة المحكمة الشرعية هما الشيخ «سيف» والشيخ «الفيل» بأنهما فى طلب رشوة جنسية من إحدى المطلقات من أجل الحكم لصالحها، تم ضبطهما فى حالة تلبس. مصادر «جهادية» أكدت ل«الصباح» أنهم لا يعترفون بالقضاء المصرى الفاسد، على حد وصفهم، وأنهم بدءوا بالفعل فى إنشاء وتأسيس محاكم شرعية فى بعض القرى والمحافظات المصرية يحتكمون فيها للكتاب والسنة، لمحاكمة البلطجية الموجودين فى أرض مصر، وأيضا تطبيق الحدود لمرتكبى الفواحش غيرها من الممارسات. وكنا رصدنا رسالة خاصة بأحد قادة تنظيم «القاعدة»، هو أبو بكر البغدادى، بعنوان «الطريق إلى دولة الخلافة فى مصر»، والتى حث فيها الجهاديين فى البلاد وخاصة فى سيناء على إقامة محاكم شرعية فى القرى والنجوع والكفور وإرغام المسيحيين على الاحتكام لها أيضا مع المسلمين، حيث كان ذلك مخططا ل«تفكيك الجيش وتحويل مصر لدولة صالحة لإعلان الخلافة»، على حد وصفه. وهو الأمر الذى جعل الشيخ سعيد أبو عبده، القيادى بجماعة «السلفية الجهادية»، وإمام مسجد «فقوسة» فى بورسعيد، يعلن عن تشكيل محكمة شرعية، وتدشين لجنة فض منازعات تحكم بالشريعة الإسلامية، ومؤكدا أنه سيبدأ اختيار القضاة وتنظيم دورات شرعية لهم، فيما أعلنت الجماعة عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» عن إنشاء اللجنة بالفعل. وكان الشيخ محمد الظواهرى، شقيق زعيم «القاعدة»، أيمن الظواهرى قبل أن يعتقله الأمن المصرى بعد ثورة 30 يونيو، دعا إلى تشكيل لجان فض منازعات تحكم بالشريعة الإسلامية، فى المؤتمر الذى نظمته «السلفية الجهادية» فى مسجد «فقوسة» ببورسعيد، وحضره الشيخ داود خيرت، وكانت تلك الدعوات بإنشاء محاكم شرعية خلال الأزمة الطاحنة بين الإخوان والهيئات القضائية. وقدم الدكتور عادل عفيفى، رئيس حزب «الأصالة»، طلبا للجنة الدستورية التى أعدت الدستور المُعطل فى 30 يونيو، فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى متضمناً المواد الكاملة لإنشاء «محكمة شرعية» لتعمل بجانب المحكمة الدستورية العليا، وحدد اختصاصاتها فى تفسير المادة الثانية من الدستور، والحكم بعدم شرعية القوانين واللوائح الإدارية والتنفيذية المخالفة للشريعة الإسلامية، وتنقية جميع القوانين المخالفة لشرع الله، مؤكدًا أن «اختصاصات المحكمة الشرعية لن تتعارض مع اختصاصات الدستورية العليا»، إلا أن حزب «الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة الإخوان رفض طلب إنشاء المحكمة، مؤكدا أن هذا الاقتراح سيزيد من تفاقم الأزمة بين السلفيين ورجال الأزهر. وتقوم «المحكمة الشرعية»، حسب مصادر مطلعة، على كفيل ينفذ الأحكام، يأتى به الطرفان المتنازعان، ويشترط فيه أن يكون رجلاً معروفا فى المجتمع، له مقدرة مالية ومعنوية، ملما بتفاصيل وأسس الشريعة الإسلامية، ليكون المنفذ للأحكام إن رفضها أى متقاض من طرفى النزاع. مصادر سيناوية أكدت ل«الصباح» أن جماعات فى سيناء تحتكم لنظام «العدالة الإسلامية»، موضحة أن القبائل البدوية أصبحت هى الأخرى مجبرة على الاحتكام لنظام قضائى يمر بمحاكم غير رسمية تعتمد بشكل كبير على الشريعة، فقد استغل «الإسلاميون» الفراغ القانونى فى المنطقة وأقاموا محاكم أهلية تطبق «رؤيتهم للعدالة» حسب وصف المصادر. ومن جانبه، يقول الشيخ مرعى عرعر، القيادى السلفى فى رفح، «إن هناك على الأقل 6 لجان شرعية تعمل الآن فى شمال سيناء، فى كل منها حوالى 5 من شيوخ القبائل، وأغلب هؤلاء الشيوخ لم يحصل على تدريب قانونى رسمى، ومعظمها تقام فى المنازل وبعض المصالح الحكومية السيناوية بعد انتهاء فترة العمل الرسمية». ويعلق المستشار رفعت السيد، رئيس محكمة جنايات القاهرة وأمن الدولة العليا الأسبق، قائلا «إن ما يقوله ويفعله مشايخ السلفية الجهادية نوع من الهزل يمثل عدم اعتراف بالدولة، فمن المعلوم أن جميع الدول بما فيها الإسلامية، كالسعودية والسودان، تنظم علاقاتها بالقوانين الوضعية وتكون مرجعيتها الشريعة أو المواثيق الدولية». ويضيف «السيد» أنه «لا يمكن ترك تطبيق الشريعة على المعاملات بين الناس، فالقضاء هو المسئول، وليس شيوخ الأزهر أو المجتهدين من الدعاة غير المسئولين رسميا، خاصة أن هناك عقوبات صارمة لمن لا ينفذ القوانين التى أقرتها الدولة وعلى رأسها تهمة السعى لتعطيل العمل بالدستور». ورصدت «الصباح» تقريرا حديثا صادرا عن «مركز المقريزى للدراسات التاريخية» الذى يعمل تحت إشرف الشيخ هانى السباعى المقيم فى لندن، أحد قادة تنظيم «القاعدة» سابقا، والذى أعد قائمة المطلوبين للمحكمة الشرعية وعددهم 37 شخصية، يصنف المركز تهمهم بأن «جريمتهم لا تسقط بالتقادم». والغريب فى هذه القائمة أنها ضمت أسماء كثيرين من كل الألوان السياسية، فمنهم الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة، والمستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية المؤقت، والدكتور محمد البرادعى رئيس حزب «الدستور»، والبابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وحمدين صباحى القيادى بجبهة الإنقاذ، والدكتور ياسر برهامى نائب رئيس جماعة «الدعوة السلفية»، ونادر بكار المتحدث باسم حزب «النور»، ويونس مخيون رئيس الحزب، اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، والمستشارة تهانى الحبالى، والمستشار عبد المجيد محمود النائب العام السابق، والفريق أحمد شفيق، وعمرو موسى رئيس لجنة الخمسين لتعديل الدستور، واللواء فؤاد علام، والإعلاميون وائل الإبراشى ولميس الحديدى وباسم يوسف ومنى الشاذلى، وخيرى رمضان وعمرو أديب وتوفيق عكاشة ومحمود سعد وعماد أديب، بالإضافة إلى عادل إمام وإلهام شاهين ويوسف بطرس غالى وفاروق حسنى، واللواء حسن عبدالرحمن رئيس جهاز «أمن الدولة» الأسبق، والمخرجة إيناس الدغيدى، وضياء رشوان والمخرج خالد يوسف والكاتبة فاطمة ناعوت. ويقول» برهامى»، معقبا على وجود اسمه ضمن قائمة المطلوبين للمثول أمام المحكمة الشرعية، قائلا فى اتصال هاتفى مع «الصباح»، «أدعو لمن يطلقون على أنفسهم جهاديين ويطبقون شرع الله حسب أهوائهم، ووكلوا أنفسهم حكاما على البشر، أدعو لهم بأن يهديهم الله».