أوضح تقرير الرصد العالمي 2013، الذي أصدره البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أن التوسع الحضري يساعد الناس على الخروج من براثن الفقر ويعمل على تعزيز التقدم المحرز نحو بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية، لكن إذا لم تتم إدارته بشكل جيد، فمن الممكن أيضا أن يؤدي إلى زيادة الأحياء الفقيرة والتلوث والجريمة. ويوضح التقرير السنوي أن التوسع الحضري كان قوة رئيسية وراء الحد من الفقر والتقدم في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية الأخرى.. ومع انتاج ما يزيد عن 80% من السلع والخدمات العالمية في المدن، فقد لعبت الدول ذات المستويات الأعلى نسبيا من التوسع الحضري، مثل الصين، والعديد من الدول الأخرى في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، دورا رئيسيا في تخفيض الفقر المدقع في جميع أنحاء العالم.
وأوضح أنه على النقيض من ذلك، فإن المنطقتين الأقل في التوسع الحضري، وهما جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء، لديهما معدلات فقر أعلى بكثير، ومازالتا متخلفتين عن الركب فيما يتعلق بتحقيق معظم الأهداف الإنمائية للألفية.
ويقارن التقرير، بعنوان "تقرير الرصد العالمي 2013: ديناميكيات العلاقة بين الريف والحضر والأهداف الإنمائية للألفية"، بشكل واضح بين مستوى الأحوال المعيشية في الريف والمدن، مشيرا إلى أن معدلات وفيات الرضع في المناطق الحضرية تقل بنسبة 8 إلى 9 نقاط مئوية عن معدلاتها في الريف في أمريكا اللاتينية وآسيا الوسطى، وبنسبة 10 إلى 16 نقطة مئوية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء، ويتسع الفارق إلى حده الأقصى في شرق آسيا (بنسبة 21 نقطة مئوية).
وفي جنوب آسيا، تتوفر مرافق الصرف الصحي لدى 60% من سكان المناطق الحضرية، مقارنة بنسبة 28% في المناطق الريفية.. وفي أفريقيا جنوب الصحراء، فإن تلك النسبة تبلغ 42% من سكان المناطق الحضرية بالمقارنة مع 23% من سكان المناطق الريفية.. وقد تحقق تقريبا الهدف المتعلق بتوفير مياه الشرب المأمونة في المناطق الحضرية في البلدان النامية في عام 2010، مع توفر تغطية بنسبة 96%، بالمقارنة بنسبة 81% من سكان الريف.
وتعليقا على ذلك، قال كاوشيك باسو، النائب الأول لرئيس البنك الدولي لاقتصاديات التنمية ورئيس الخبراء الاقتصاديين: "الفجوة بين الريف والحضر واضحة تماما.. والمدن الكبرى والكبيرة هي الأكثر ثراء وتتوفر بها إمكانية أفضل بكثير للحصول على الخدمات العامة الأساسية، وتعتبر البلدات الأصغر والمدن الثانوية والمناطق الواقعة في محيط المراكز الحضرية أقل ثراء، أما المناطق الريفية فهي الأكثر فقرا.. ولا يعني ذلك أن التوسع الحضري غير المقيد يمثل علاجا سحريا لكل شيء - فالفقراء في المناطق الحضرية في العديد من الأماكن بحاجة على وجه السرعة لخدمات أفضل، فضلا عن البنية التحتية التي تصلهم بالمدارس والوظائف والرعاية الصحية اللائقة".
ويرى تقرير الرصد العالمي، وهو أيضا تقرير سنوي عن التقدم المحرز نحو بلوغ الأهداف الإنمائية للألفية، أن التقدم لا يزال متأخرا عن الحد المستهدف فيما يتعلق بالحد من وفيات الأمهات والأطفال وتوفير مرافق الصرف الصحي، وهما هدفان لن يتم الوفاء بالموعد النهائي المحدد لهما في الأهداف الإنمائية للألفية بحلول عام 2015.. ومع ذلك، فإن التقدم الذي تم إحرازه كان ممتازا فيما يتعلق بالحد من الفقر المدقع، وتوفير إمكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب والقضاء على التفاوت بين الجنسين في التعليم الابتدائي، في ظل تحقيق هذه الأهداف الفرعية بالفعل منذ عدة سنوات قبل الموعد النهائي المحدد لها في الأهداف الإنمائية للألفية.
ورغم الانخفاض السريع في معدلات الفقر المدقع في العديد من البلدان، فإن تقديرات البنك الدولي تذهب إلى أنه بحلول عام 2015 سيكون هناك 970 مليون شخص يعيشون على 1.25 دولار للفرد الواحد في اليوم.. ولذلك، فإن هناك حاجة إلى جهود متواصلة متضافرة للوصول بنسبة الفقر المدقع إلى ما هو أقرب إلى الصفر.
من جانبه، قال هوغ بريدنكامب، نائب مدير إدارة الإستراتيجيات والسياسات والمراجعة بصندوق النقد الدولي: "الأسواق الصاعدة والدول النامية تحقق نموا قويا رغم تباطؤ النمو في الاقتصادات المتقدمة.. والاستمرار في تحقيق هذا النمو واستدامته بالاستمرار في المحافظة على سياسات اقتصادية كلية حكيمة، وتعزيز القدرة على إدارة المخاطر، بما في ذلك عن طريق إعادة بناء الاحتياطيات المستنفدة هو مفتاح استمرار التقدم في الحد من الفقر ونحن نقترب من عام 2015".
وكما يشير هذا التقرير، فإن التحدي المتمثل في مكافحة الفقر وتحسين الظروف المعيشية للفقراء، يكمن في المناطق الحضرية والريفية على السواء.
وسرعان ما أصبحت المدن الكبيرة والبلدات الأصغر موطنا لأكبر الأحياء الفقيرة في العالم، إذ تؤوي آسيا 61% من سكان الأحياء الفقيرة في العالم البالغ عددهم 828 مليون نسمة، بينما تؤوي أفريقيا 25.5% وأمريكا اللاتينية 13.4%.. ومن المتوقع أن تتوسع المراكز الحضرية في بلدان العالم النامية، لتجذب إليها 96% من 1.4 مليار نسمة إضافيين بحلول عام 2030.
ولمواكبة النمو الحضري، فإن هناك حاجة لحزمة منسقة من البنى التحتية والخدمات الأساسية.
ويقول التقرير إنه لا يمكن للمدن تجنب أن تصبح مراكز للفقر والبؤس إلا من خلال تلبية الاحتياجات الاساسية المتعلقة بالنقل والإسكان والمياه والمرافق الصحية، فضلا عن التعليم والرعاية الصحية.
وفي هذا الصدد، قال لينجي نيلسن، وهو خبير اقتصادي أول بإدارة الاستراتيجية والسياسة والمراجعة بصندوق النقد الدولي وشارك في وضع التقرير: "التجمعات الحضرية، أو تجمع الناس والنشاط الاقتصادي، هو أحد المحركات المهمة للتنمية وتشير الشواهد إلى أنه يمكن أن يكون له مردود كبير، خاصة بالنسبة للبلدان التي تأتي في أسفل درجات سلم التنمية".
وفي الوقت نفسه، فإن هناك حاجة إلى تعزيز الجهود المبذولة لتحسين التنمية في المناطق الريفية، حيث لا تتوفر لدى 76% من بين 1.2 مليار نسمة من فقراء العالم النامي إمكانيات كافية للوصول إلى المرافق الأساسية وفقا للأهداف الإنمائية للألفية.
وتتجاوز معدلات الفقر في المناطق الريفية بكثير تلك الموجودة في المناطق الحضرية في جميع المناطق في العالم.. ويرى التقرير كذلك أن المرأة الريفية هي الأكثر تضررا من ضعف البنية التحتية، لأنها تقوم بمعظم الأعمال المنزلية، وتسير في كثير من الأحيان مسافات طويلة للوصول إلى المياه النظيفة، ومن انخفاض مستويات التحصيل الدراسي والتعليمي.
ويمضي التقرير قائلا إنه رغم أن التصدي لتحديات التنمية في المناطق الريفية لن يكون سهلا، فمن الممكن تحقيقه من خلال اعتماد سياسات تكاملية للتنمية في الريف والحضر وإجراءات تتخذها الحكومات لتسهيل تحرك صحي نحو المدن دون تقصير تجاه المناطق الريفية.
أما خوس فيربيك، كبير الخبراء الاقتصاديين بالبنك الدولي وكبير مؤلفي تقرير الرصد العالمي، فقال: "التوسع الحضري مهم.. ولكن للاستفادة من المزايا الاقتصادية والاجتماعية للتوسع الحضري، يتعين على واضعي السياسات التخطيط من أجل تحقيق استخدام الأراضي بشكل يتسم بالكفاءة، وتحقيق التوازن بين الكثافة السكانية وبين الاحتياجات اللازمة للنقل والإسكان والبنى التحتية الأخرى، وترتيب التمويل اللازم لمثل هذه البرامج للتنمية الحضرية".