عاش غامضا ومات غامضا.. ولكن شتان ما بين احمد الريان الذي ملأ الدنيا ضجيجا وأقامها ثم أقعدها وما وأحمد الذي رحل عن دنيانا في صمت رهيب.. «الموجز» تكشف في السطور التالية أسرارا جديدة في حياة إمبراطور شركات توظيف الأموال .. رواها للصحفي الكبير محمد رجب. .. كانت البداية مع الحاج أحمد توفيق صاحب شركات الريان.. لكن سرعان ما فشل الاتفاق، لتأتي النهاية علي يد ابنة مديحة كامل الوحيدة.. ميريهان!.. وكان وراء كل موقف أكثر من حكاية مثيرة. ذات يوم من عام 1986.. وبالتحديد في ديسمبر وبينما كنت في زيارة للحاج أحمد الريان أثناء قيام شركته بطبع كتابي "مالم تنشره الصحف" فوجئت بأحمد الريان يبلغني وهو في قمة سعادته أن مديحة كامل علي أبواب الاعتزال! وسألت أحمد الريان: "هل هو اعتزال فقط أم أنها سوف ترتدي الحجاب مثل غيرها من النجمات السابقات؟!". صمت الريان برهة ثم قال في حماس: ".. مجرد الاعتزال يكفي.. نجمة كبيرة مثل مديحة كامل سوف تخدم الدعوة الإسلامية مع الوقت بعد أن تصبح قدوة جديدة للنساء ويضاف اسمها الي قائمة الفنانات المعتزلات".. وعدت أسأل الريان: ".. هل تحدثت معك عن الإسلام؟!.. مرة أخري يصمت الريان لحظة ثم يستطرد قائلا: "هناك أشياء أفهمها من الحديث المباشر.. وأشياء أخري استشفها من نبرة الصوت أو من بين كلام محدثي.. ثم لماذا الحيرة.. هل تذهب معي الليلة لتلبية دعوتها علي العشاء في بيتها؟!.. ولا تنس أننا سنقابل هناك شخصيات كبيرة وبالتالي سيكون الحوار رائعا!".. وأمسك الريان بالتليفون.. طلب مديحة كامل قبل أن أعلن موافقتي أو رفض الدعوة.. أبلغها أنني سأكون معه علي مائدة العشاء في بيتها.. ورحبت مديحة كامل. في الطريق إلي العجوزة.. وبالتحديد إلي بيت مديحة كامل خلف مسرح البالون حكي لي الريان عن قصة مكالماته مع مديحة كامل.. أخبرني أنها تبحث عن مشروع جيد تستثمر فيه أموالها ويدر عليها ربحا يعوضها عن دخلها الشهري من العمل الفني.. وأنها اقترحت أن يساعدها الريان في تأسيس شركة تجارية تعتمد علي المضاربة في البورصة وتعمل بين القاهرة ولندن.. لكن الريان وعدها بأن يقدم لها مفاجأة أثناء زيارته.. وحينما حاولت مديحة أن تتعرف علي تفاصيل المفاجأة رفض الريان أن يتحدث عنها إلا بعد وصوله إلي بيتها! أسفل العمارة سألت الريان عن المفاجأة التي يخفيها عن مديحة كامل.. وبادرني يحكي لي عن مشروع شركة الريان لبيت المغتربات في منشية البكري.. وكيف سيكون بيت الريان للمغتربات أحدث صيحة في الشرق الأوسط لإقامة الطالبات الجامعيات المغتربات في القاهرة.. مركز هائل يضم كل الكماليات والضروريات ووسائل الترفيه المفيدة.. قاعات للمذاكرة.. وقاعات للدروس الدينية.. مطعم خمس نجوم.. أجهزة كمبيوتر متقدمة.. شاشة عرض سينمائي.. غرف نوم راقية المستوي. وغيرها من وسائل المعيشة التي يندر معها احتياج المغتربات للخروج من باب هذا القصر إلي الشارع مهما كانت الأسباب!.. وهنا سألت الريان في دهشة: وما علاقة مديحة كامل نجمة السينما بكل هذا! ضحك أحمد الريان ثم قال: المشروع درسته بعمق.. لو اعتزلت مديحة سوف أعينها مديرة للمركز.. ووجودها في هذا المكان يحقق وحده دعاية هائلة ويوفر إعلانات بملايين الجنيهات.. يكفي خبر واحد تنشره الصحف عن أن مديحة كامل تولت إدارة هذا المشروع. بعد لحظات كنا نجلس في ضيافتها مع بعض أصحاب الأسماء اللامعة.. ولم يمض وقت طويل حتي بادرت مديحة كامل بفتح الحوار عن فوائد التجارة.. والأرباح التي يحققها كثيرون ممن تعرفهم من خلال نشاط البورصة.. لكن أحمد الريان راح يثبت بالدليل القاطع أن "البورصة" عمل يحتاج الي مهارة فريدة وخبرة طويلة وقلب من حديد.. لهذا فلن تفلح النساء أبدا في هذا العمل.. وتشعب الحوار مع تدخل الضيوف الذين كانوا علي استعداد لتكوين الشركة مع مديحة كامل.. إلا أن أحمد الريان أصر علي موقفه وتحذيراته لمديحة كامل من خوض هذه التجربة!.. وراح يحكي لمديحة عن مشروع دار المغتربات حتي بادرها بسؤال محدد: هل تقبلين إدارة هذا المشروع؟! قبل أن ترد صاحبة البيت دعت الجميع الي مائدة العشاء المكون من كل أنواع الأسماك.. وفجأة.. خرج الريان عن كل التقاليد المعروفة وفجر مفاجأة غير متوقعة حينما كانت مديحة كامل تحكي عن الجائزة الكبري التي رشحت لها في أحد المهرجانات السينمائية الكبري.. قاطعها الريان قائلا: علي فكرة يا أخت مديحة.. أنت نجمة كبيرة، لكن هل من توبة؟ تكهرب الجو.. احمر وجه مديحة كامل خجلا.. صمتت لا تدري كيف ترد علي ضيف يجلس علي مائدة العشاء في بيتها.. وبدلا من أن يتراجع الريان أو يصمت أو يغير الحديث راح يحدث مديحة كامل عن حيثيات وصفه لها بأنها بحاجة إلي توبة .. وأن أمامها فرصة العمر لتنجو من هذا المصير الذي تسير فيه في اتجاه واحد هو النار! المثير أن مديحة بدأت تتجاوب مع حديث الريان.. خاصة حينما تحدث عن غضب الله وانتقامه وطول صبره حتي إذا أخذ الظالم فلا يفلت منه أبدا!.. وكادت دموع مديحة كامل تسقط فوق قطعة خبز في يدها.. وهنا همست للريان تثبت له حسن نيتها.. ورغبتها في الاعتزال.. ومأزق النفقات الكثيرة التي تحتاج إليها في حياتها، فمن أين يكون لديها المال الذي تعيش منه بعد أن تترك الفن؟!.. وراح الريان يحكي لها عن مفاجأته في أن يكون راتبها الشهري عشرة آلاف جنيه من إدارتها لمشروع المغتربات!. عدنا من مائدة العشاء إلي الصالون.. جلسنا لحظات ثم عادت مديحة لترد علي اقتراح الريان.. تحدثت عن فقراء تساعدهم ويعتمدون عليها.. عن نفقات ضرورية في حياتها لا تريد الإفصاح عنها.. وطلبت أن يكون راتبها عشرين ألف جنيه.. لم يتشجع الريان أمام الرقم الذي سمعه.. ووعد بدراسة المقابل الذي أصرت عليه مديحة كامل.. ثم انتهت الزيارة! بعد ثلاثة شهور.. توالت المفاجآت! رضيت مديحة كامل بالراتب الذي عرضه الريان.. ووافق أحمد الريان علي المبلغ الذي عرضته مديحة في البداية علي اعتبار أن وجودها في المشروع سيوفر الإعلانات المستمرة عنه.. لكن قبل أن تتصل مديحة بأحمد أو يتصل هو بها تأزمت أمور الشركة.. وانتهت الأزمة بالقبض علي أحمد الريان ودخوله السجن! توقفت فكرة الاعتزال. وراحت مديحة كامل تكمل تمثيل الأفلام التي تعاقدت عليها.. ولم أقابلها الا بعد عامين ونصف العام حينما دعاني أحد أصدقاء العمر لمصاحبته في تلبية دعوة مديحة كامل لحضور عرض خاص لفيلمها الجديد.. عرض لا يحضره مع مديحة كامل سوي ضيوفها لا يزيدون علي عدد أصابع اليد الواحدة.. وذهبت مع صديقي وكان ضمن الموجودين الناقدة السينمائية ماجدة خير الله.. ذهبنا جميعا الي سينما راديو.. كانت مديحة سارحة، شاردة، نظراتها لا تستقر علي شيء.. وسألتها عن الحزن الذي ينساب من عينيها وبين نبرات صوتها.. وفوجئت بها كالبركان الذي انفجر فجأة.. قالت لي مديحة كامل إنها في مقدمة طريق لا تعرف الي أين سينتهي بها، فهي تفكر في أن تسلك أحد أمرين.. إما أن تفتح ملهي ليليا ترقص وتغني فيه ضمن فقرات برنامجه اليومي وتحقق ربحا يعوضها عن الاعتزال.. وإما أن ترتدي الحجاب وتقلع عن الدنيا كلها وتشتري آخرتها! تعجبت من الحوار.. ومن حماس مديحة المفرط في ليلة عرض فيلم من أفلامها التي تقدمها.. وعدت أسألها في هدوء: ".. وبماذا تشير النتائج الأولية يا مدام مديحة.. ملهي ليلي أم حجاب؟!".. بكت مديحة وهي تجلس في مقاعد سينما راديو الخالية إلا من ضيوف مديحة كامل.. بكت في مشهد من أعظم المشاهد الواقعية التي لم يرها ولن يراها جمهور مديحة كامل.. بكت وهمست قائلة: أنا ميالة للحجاب والزهد.. عارف ليه؟!.. أنا خايفة قوي من انتقام ربنا.. خايفة يكون غضبان علي.. وخايفة انتقامه الجبار يكون في بنتي الوحيدة.. ميريهان كل حياتي وروحي.. تخيل لو حصل لها مكروه.. تخيل لو ماتت يبقي حياتي انتهت معاها.. تخيل إن ربنا اللي اسمه المنتقم الجبار عاقبني في ابنتي الوحيدة.. لا.. لا.. أن أعيش عمري كله أكل عيش وملح بس ما اتحرمش من بنتي.. فاهم يعني إيه اللي أنا عايزة أوصله؟! مش عاوزة حياتي تبقي الصعود إلي الهاوية!! ولم أعلق بكلمة واحدة كنت منبهرا بدموع النجمة الكبيرة التي راحت تغطي وجهها.. وأحسست أنني أجلس أمام رابعة العدوية في تلك اللحظة.. نعم أنا لم أقابل رابعة العدوية.. ولم أسمع صوتها.. ولم أشاهد دموعها.. بل صورتها أمام عيني من صنع الخيال.. لكنني في تلك اللحظة التي لا أنساها ما عشت هزتني مديحة كامل واعتبرتها فعلا من رائحة رابعة العدوية.. وهذا أضعف الإيمان! مضي عامان.. لم أر فيهما مديحة كامل! كنت أتابع أخبارها من الصحف.. وفجأة.. نشرت الجرائد والمجلات خبر اعتزال مديحة كامل وارتدائها الحجاب.. أمسكت بالتليفون أطلبها.. وعرفت أنها لا ترد علي الرجال.. وحينما طلبت عفاف شعيب وسألتها عن لحظة ارتداء مديحة الحجاب.. قالت عفاف: ميريهان كانت السبب.. ميريهان ارتدت النقاب.. ووجدت مديحة أنها أمام اللحظة التاريخية.. مديحة كانت أما مثالية.. تحب ابنتها بجنون.. لكن ابنتها سبقتها للطريق الذي كانت تحلم به الأم مديحة كامل.. إنها الآن لا تضيع وقتها إلا في العبادة والاستغفار والعطف علي الفقراء.. والدعاء ليل نهار بأن يقبض الله روحها في شهر رمضان! ومع الوقت نسيت حكاية مديحة كامل.. لكنني بعد ثلاثة أعوام فوجئت بخبر وفاتها في الصحف.. واستوقفني بشدة أنها ماتت يوم الرابع من شهر رمضان.. تناولت سحورها وصلت الفجر ثم نامت.. وحينما أرادت ابنتها إيقاظها ظهر اليوم التالي فوجئت بالأم الحنون قد أسلمت الروح لبارئها!