هذا اللقاء الغريب.. حدث قبل سنوات طويلة.. ،، الصدفه وحدها صنعت هذا اللقاء.. كنت في انتظار الحاج أحمد الريان امام العمارة التي يقطن بها بشارع الجزائر بالمهندسين.. وفوجئت بصديقي في هذا الوقت الفنان الكبير أحمد زكي يخرج من العمارة.. تصافحنا وتعانقنا وقبل ان نبدأ الحوار خرج من العمارة -ايضاً- الحاج أحمد الريان.. اتجه إلينا ثم صافح أحمد زكي بحرارة فهما جيران بنفس العمارة ، لكن لم يكن بينهما حوار سابق.. وبينما بادره الريان مشيداً بموهبته السينمائية فوجئت بأحمد زكي رحمه الله يقاطع الريان قائلا: ».. أنا كنت فاكر انكم بتعتبروا الفن حرام!!.. وسخن الحوار من بدايته غير المتوقعة! ،، قبل ان يرد أحمد الريان أشار بيده نحو أحد المحلات في سور نادي الزمالك، وبينما ننظر معه إلي نفس المكان.. قال موجها حديثه للفنان الكبير أحمد زكي: انظر يا أخي إلي اليافطة التي تحمل اسم المحل، وتأمل كم هي جميلة عن بعد.. وكم هي جميلة اذا اقتربت أكثر .. هل تعرف السبب؟! .. انه الخط العربي الأصيل.. انها تبدو لوحة رائعة وخلابة، أنا شخصياً توقفت أمامها كثيراً لان الخطاط الذي كتب حروفها أبدع فيها بموهبته التي جعلت منه فناناً لايعرف الآن أننا نتحدث عن براعته.. أليس هذا فنا؟! أومأ أحمد زكي برأسه موافقا بينهما استطرد الريان قائلا: واذهب يا أخي بدعوة مني إلي محل الأسماك الذي تمتلكه شركتنا في شارع الهرم وأجلس فيه بعض الوقت لتستمع وتستمتع بالموسيقي الهادئة التي تريح الأعصاب.. أليس هذا فناً؟!.. لست ضد الفن.. لكن لكي أكون صريحا معك، أنا ضد الابتذال وكل مايخرج عن القيم ويلبسونه ثوب الفن!! تحمس أحمد زكي وسأل الريان بوضوح: إذن من الممكن ان تنتج فيلما سينمائيا؟! ضحك الريان وأجاب دون تفكير او تردد! بشرط ان يكون فيلما هادفاً، ويضيف قيمة للمجتمع، ويجذب الناس بموضوعه لا بالمشاهد إياها.. فيلم تاريخي مثلا يخرج الشباب منه وقد اضاف إليهم ولم يضع وقتهم.. تحمس أحمد زكي اكثر وقاطعه مبتسما: اتفقنا .. والمحكمة اتنورت.. أنا شخصياً متحمس لفيلم من هذه النوعية.. وإذا وجدته سوف اعرضه عليك لتنتجه انتاجاً متميزاً.. وربما يكون لنا لقاء قريب! .. ومر أحمد زكي يده مصافحاً واستأذن ليلحق بموعد مهم.. ركب سيارته ومضي.. وركبنا نحن السيارة فبادرني الريان قائلاً: - كويس هذا الحديث.. شوف أنا ساكن في العمارة من إمتي.. واعرف ان أحمد زكي جاري.. لكن لا وقته ولا وقتي مساعد علي ان نلتقي.. هو كان واخد فكرة غلط عننا وإننا ضد الفن.. لكن الحوار بتاع النهاردة وضح له الصورة.. وعلي فكرة الحوار جه في وقته.. سألته: إزاي؟! قال: - ».. عندي دراسة جدوي عن مشروع لإنتاج عدة أفلام، والمشروع تحمس له السيناريست الكبير الاستاذ عبدالحي أديب والفنان الكبير شكري سرحان.. لكن انا ماكنش عندي وقت .. ايه رأيك تدرس المشروع ده مع الاستاذ عبدالحي والاستاذ شكري.. خدوا وقتكم.. ولوهنكسب ونقدم انتاجا محترما نبدأ فيه.. ايه المانع يعني؟! سألته: - هل سيوافق اخوك الحاج فتحي.. وهل تضمن ألا يعترض اخوك الحاج محمد باعتبار انكما شركة اسلامية.. أو هكذا ينظر الناس اليكم؟! .. وقال الريان: - يا أخي شركة الشريف لها نفس الوضع.. والأخ مدحت الشريف أسس شركة انتاج سينمائي.. هذه واحدة.. والثانية أننا نريد ان نصحح الصورة التي يتخيلها الناس عنا..! امانة المسيحيين واستطرد الريان قائلاً: - يعني مثلا احنا الشركة الوحيدة التي وصفوها بالشركة الإسلامية ولكننا نعين فيها اخوة مسيحيين.. لدينا 01٪ من العاملين يدينون بالمسيحية.. وخبير الذهب بالشركة جورج نسيم (الزوج السابق للمطربة صباح) وهو مسيحي .. هناك افتراءات كثيرة. لهذا انا تحمست لدراسة شركة الانتاج السينمائي بعد حديثي مع أحمد زكي.. وانت يا أخي قمت بالتأليف للسينما ثلاث مرات اشترك مع شكري سرحان وعبدالحي أديب وياريت توصلوا لتقرير يفتح الطريق امام هذا المشروع! سألته: - لاتقلق.. سوف أجلس مع الاستاذين الكبيرين وندرس المشروع.. لكن عندي سؤال يلح علي عقلي باعتباري صحفيا لاتمر المعلومة من امامه مرور الكرام: ماذا كان هدفك من تعيين المسيحيين في شركتك وانتم جميعاً ملتحون .. هل جاء هذا التعيين من باب الوحدة الوطنية؟! وأجاب الريان في حماس: بصراحة .. أنا تاجر .. وتجاربي مع المسيحيين اثبتت لي أنهم امناء في التجارة.. لهذا ارحب بان يعملوا معي طالما لديهم ايضاً الكفاءة المطلوبة.. ياسلام يا أخي كفاءة وأمانة.. يبقي ناقص إيه تاني؟! نجمة السينما! بعد هذا اللقاء جلست مع الكاتب الكبير عبدالحي أديب وكان لي شرف اللقاء معه لأول مرة رحمه الله.. ومع الفنان الكبير شكري سرحان وكانت لي معه معرفة سابقة، فهو الذي ساعدني علي الوقوف امام الكاميرا في أول وآخر تجربة لي للتمثيل بالسينما، وهو الذي اشار علي مخرج فيلم كلاب الحراسة للاستاذ سمير سيف بأن يكتب اسمي بعد ابطال الفيلم مباشرة في تتر منفصل وبشكل ممتاز فكتبوا التتر هكذا: ».. ولأول مرة علي الشاشة محمد رجب« ولازال هذا الفيلم يعرض بالفضائيات حتي الآن.. ورغم تشجيع الاستاذ شكري سرحان في في هذا الفيلم الذي قدمته السينما عام 2891 إلا أنني قررت الاكتفاء بعملي الصحفي وهذه قصة أخري.. عموما لم يكن لي لقاءات أخري مع شكري سرحان إلا عام 6891 بعد ان تعرفت علي الريان من خلال شراء دار التراث التابعة لشركة الريان لكتابي »مالم تنشره الصحف« .. وظلت لقاءاتي مستمرة خلال شهرين مع عبدالحي أديب وشكري سرحان، لكن كانت شركة الريان قد بدأت التعثر واحاطت بها المشاكل من كل جانب ولم يعد مناسباً أي حديث عن الانتاج السينمائي! .. لكن هل كانت هذه هي علاقة الريان الوحيدة بالفن والفنانين؟! - قلت في شهادتي امام المستشار اسامة عطاوية وكان وقتها رئيساً لنيابة الشئون المالية والتجارية ان الفنانين الذين جلس معهم الريان كان يقدمون له مشروعات مشفوعة بالرغبة والأمل في ان تمولها الشركة علي ان يكون الربح مناصفة .. لكن الريان لم يتحمس للعديد من هذة المشروعات في الفترة التي ربطتني به الصداقة القوية ولم تستمر أكثر من عام !.. الفنانة الكبيرة برلنتي عبدالحميد مثلاً كانت لديها فيلا عليها بعض المشاكل القانونية وعرضتها للبيع علي احمد الريان، وفي هذا اللقاء دار حديث طويل من المشير عبدالحكيم عامر إيان فترة زواجه منها.. وشاهدنا بعض الصور النادرة للمشير عامر أذكر منها صورة قالت لنا برلنتي عبدالحميد إنها الصورة التي كان يعتز بها المشير جداً.. وقالت برلنتي انها وقت التقاط هذه الصورة شاهدت دموع عبدالحكيم عامر لأول مرة، فقد كانت المناسبة رحلة لصيد الغزلان.. وبينما قام الصياد بإطلاق طلقة خرطوش علي ساق احدي الغزلان الصغيرة مما اوقعها علي الأرض، اقترب منها الصياد وقت التقاط الصورة فاضطرت ام الغزال الصغير ان تتردد في الجري والهروب وسقطت دموعها الحقيقية وهذا معروف في عالم الغزلان.. دموع حقيقية.. بكت الغزال الأم وهي تترك الغزال الإبنه فوق الأرض وتهرب من امام الصياد .. وبكي المشير متأثراً من دموع الغزال.. وكانت الصورة قد تم التقاطها.. فأمر المشير بترك الغزال الصغير تداومه أمه بعد ان يمضي الجميع بعيداً وتعود هي إليه!!.. وبقيت من هذه الرحلة تلك الصورة التي قالت عنها برلنتي انها ترفض ان تبيعها بملايين الدولارات وتفضل ان تبقي هكذا فوق جدران صالونها! .. ولم يتم مشروع شراء الفيلا.. لان الريان تعمد ألا يتكرر اللقاء لانه لم يكن يفضل شراء عقارات تحيط بها مشكلات قانونية!.. فجأة.. ظهرت نجمة السينما الكبيرة.. واحدة من نجمات الصف الأول اللاتي حققن شهرة مدوية في هذا الوقت.. التقت بالريان لتسأله سؤالا محددا، قالت له: لو انني اعتزلت السينما.. وتحجبت.. وأردت ان يكون لي مشروعاً اتعيش منه، فمها هو المشروع الذي ترشحه لي؟!. صمت الريان لحظات قطعها صوت المؤذن للصلاة، فقال لنجمة السينما: سوف نصلي وبعدها سوف يفتح الله علينا بفكرة مشروع! وفوجئت بالنجمة الكبيرة تسأل الريان: هل يجوز لي أن أصلي معكم؟! ورد الريان: تقفين في الصف الأخير.. وتغطين رأسك وذراعيك. بسرعة نفذت نجمة السينما ماسمعته بعد ان استخدمت شالا فوق كتفيها وإيشارب ابيض غطت به شعرها، ووقفت منفردة في الخلف ورائي حيث كنت أنا في كتف الريان الأيمن وهو يتولي الإمامه! المثير ان الريان بعد الصلاة وجد ضالته،وقال لنجمة السينما الشهيرة: عندي مشروع رائع.. نحن نستعد لافتتاح أكبر دار للمغتربات في العالم العربي.. وبدأنا بالفعل في الإعلان عنه.. المفترية لن تحتاج للخروج من هذه الدار ابداً.. ستجد فيها المولات واماكن الترفيه.. واماكن الاستذكار والنوم وممارسة الرياضة.. مارأي ان نسند اليك ادارة هذه الدار.. العمل سيكون ملائما لك مع فتيات الجامعة المعتربات ، ونحن سوف نستفيد من اسمك الكبير كمديرة للمشروع.. بصراحة اسمك سيكون أكبر دعاية لهذه الدار التي اعددناها في مصر الجديدة! .. وسألته النجمة الكبيرة: كم سيكون مرتبي الشهري؟! هذا سنرتبه فيما بعد... أريد أن أعرف حتي تكون كل الأمور واضحة قبل أن أتخذ أي قرار. اعتقد ان لن يقل عن ثلاثين ألف جنيه! ورغم ضخامة المبلغ في هذا الوقت -علي الأقل بالنسبة لي- إلا ان النجمة الكبيرة بعد لحظة سريعة من التفكير العميق.. قال: يعني أجري في السنة لن يصل إلي أجري في فيلم واحد.. وأنا ألعب بطولة ثلاثة أو أربعة أفلامه كل عام!! ورد الريان وقد تجهم وجهه: القرارات الصعبة تحتاج تضحيات! أنا لا ابحث عن المال.. لكن عندي التزامات وأساعد بعض الفقراء.. ولا أريد أن أشعر بأني فقدت الكثير! ساد الصمت مرة أخري حتي قطعه الريان بأن وقف ثم قال للنجمة السينمائية قبل ان ينصرف: فكري.. وربنا يوفقك في اختيار القرار المناسب! وهكذا انتهي اللقاء الذي لم يتكرر مرة اخري.. ومثلما كان مشروع الانتاج السينمائي قد انتهي بان تجمد مع المشكلات التي احاطت بالشركة، انتهي مشروع دار المغترباته نفس النهاية.. انشغل الريان بتعثر الشركة واختفت النجمة الكبيرة لتظهر بعد ستة شهور فقط من هذا اللقاء فوق صفحات الجرائد والمجلات التي نشرت صورها مع خبر كان وظل حديثا للناس فترة طويلة.. خبر اعتزالها وارتداء الحجاب دون ان تحدد لنفسها مشروعا تجاريا تتعيش منه كما كانت تقول.. انزوت عن الأضواء وتفرغت لحياتها الجديدة حتي فارقت الحياة بعد سنوات قليلة!! .. وأخيراً هذه بعض لقاءات ماقبل العاصفة.. والحكايات كثيرة.. .. والوقائع مثيرة.. .. لكنني افكر جديا في عدم استكمال هذه الحلقات بعد ان استشعرت في مكالمتي مع احمد الريان قبل ايام انه لايريد ان يتذكر الماضي.. انا حائر بين رغبة صديقي القديم في إغلاق هذا الملف.. وبين نقل صورة صادقة لما كان يدور في الجانب الآخر الذي لم ينشر من حياة الريان.. ولازالت حتي كتابة هذه السطور الأخيرة اشعر بأنني أميل الي الاستجابة لرغبة صديقي القديم في إغلاق الملف الذي كانت حلقاته سوف تمتد عدة اسابيع اخري!!