بعد فوز الديمقراطيين بأغلبية مجلس النواب الأمريكي في الانتخابات أصبح الرئيس دونالد ترامب مهددا بالعزل، أو على الأقل قد لا يكون له مطلق الحرية في اتخاذ القرارات التي كانت تزعج الرأي العام الداخلي سواء على مستوى السياسات الخارجية لواشنطن أو حتى على المستوى المحلي، والشيء الوحيد الذي قد بحمي الرئيس الأمريكي هو أن الجمهوريين استطاعوا أن يحصلوا على أغلبية مجلس الشيوخ، الأمر الذي قد يؤجل اجراءات عزله، ولكن هذا لا يمنع وجود جبهة قوية للتصدي لقراراته غير المحسوبة . وبدأت وسائل الاعلام الأمريكية تتساءل عن مصير ترامب في الفترة المقبلة ، حيث تساءلت قناة سي بي إس الأمريكية عما إذا كان الديمقراطيون سيعملون على عزله بعد فوزهم بأغلبية المقاعد في مجلس النواب الأمريكي. وأوضحت القناة أن الديمقراطيين أصبحوا يسيطرون على الهيئة التي تتمتع بالقدرة على عزل الرئيس، مشيرة إلى أن هذه الفكرة بدأت تطرح بالفعل بعد دخول ترامب للبيت الأبيض ،نظرا لقراراته المثيرة للجدل، وإثارته للمشاكل باستمرار داخليا وخارجيا. لكن القناة أوضحت أن فكرة عزل ترامب غير مطروحة في الوقت الحاضر على الأقل من قبل الديمقراطيين ، وأنهم ينتظرون نتائج التحقيق الذي يجريه المحقق روبرت مولر بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. وإذا تأكد وجود تدخل روسي ساعد على فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية حينها سيعمل الديمقراطيون على أن تكون خطوات عزل ترأمب ثنائية الأطراف تشمل الديمقراطيين والجمهوريين، حيث إن عزله في هذه الحالة سيكون ضرورة قطعية. ومع ذلك فإن النفوذ الاستقصائي بات بيد الديمقراطيين، الأمر الذي يمنحهم سلطة إمكانية إجراء تحقيقا بكل ما يتعلق بترامب بصفته رئيسا،فكان قد سبق للعضو الديمقراطي آدم شيف أن أكد رغبته في الحصول على إجابات أوفى على مستوى التدخل الروسي فى الانتخابات الرئاسية ، كذلك هناك إمكانية في أن يطالب الديمقراطيون ترامب بتقديم كشف ضريبى، لاسيما وأن هناك اتهامات كانت تلاحقه بتهربه من دفع الضرائب، ولكنه رفض أن يقدم كشف حساب أو يخضع للتحقيق بهذا الشأن. ويبدو أن الجمهوريين يستعدون للخطوات التي من المتوقع أن يتخذها الديمقراطيون بعد فوزهم بأغلبية مجلس النواب، حيث كشف موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي أن الجمهوريين يحتفظون بلائحة بالتحقيقات التي يرغب الديمقراطون فى إجرائها ، وهي تشمل نحو 20 ملفا منها فصل مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كوني، والأموال التي دفعت لإسكات نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز وسياسية فصل أطفال المهاجرين عن أهاليهم وسواها. ومع ذلك سيظل مجلس الشيوخ حائلا أمام أي إجراء للديمقراطيين سواء بعزل ترامب أو غيره من الإجراءات ،فمجلس الشيوخ الذي يحتوي على أغلبية جمهورية سيقف إلى جانبه، الأمر الذي سيضمن بقائه رئيسا، فعلى الرغم من تمتع مجلس النواب بصلاحية عزل الرئيس، يصوت مجلس الشيوخ على ما إذا كان ينبغي توقيف الرئيس المحكوم بالعزل عن ممارسة مهامه من عدمه. وسبق لمجلس الشيوخ أن برأ الرئيس بيل كلينتون وحماه بعد فضيحته الجنسية مع مونيكا لوينسكي. وكانت زعيمة الديمقراطيين بمجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي قد أوضخت في أول تعليق لها على نتائج الانتخابات النصفية، أنها وزملائها النواب سيعملون على فرض ضوابط ومحاسبة من جديد على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، متعهدة في المقابل بالعمل على حلول تجمع الأمريكيين الذين سئموا جميعا الانقسامات، على حد قولها، مؤكدة في الوقت نفسه أن حزبها لن يشن حربا على الجمهوريين بعدما استعاد السيطرة على مجلس النواب. ويبدو أن ترامب لم ينتظر اتخاذ الديمقراطيين اجراءات ضده وبدأ التحرك سريعا، حيث أجبر وزير العدل جيف سيشنز على الاستقالة يوم الأربعاء الماضى وهدد بالرد إذا استخدم الديمقراطيون أغلبيتهم الجديدة في مجلس النواب الأمريكي لفتح تحقيقات بشأن إدارته وأمواله. واعتبر المراقبون أن رد فعل ترامب جاء قويا بعد يوم من خسارة الجمهوريين السيطرة على مجلس النواب، ونفذ تهديداته المتكررة بإقالة وزير العدل سيشنز. وكان سيشنز، وهو سيناتور سابق يبلغ من العمر 71 عاما من ولاية ألاباما، من المؤيدين الأوائل والمخلصين لترامب، لكنه أثار غضب الرئيس الأمريكي عندما أخرج نفسه من التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. ورحيله هو الأول فيما قد يكون سلسلة من عزل شخصيات رفيعة المستوى في الوقت الذي يعيد فيه ترامب تشكيل فريقه ليعزز مساعي إعادة انتخابه في 2020. وعين الرئيس الجمهوري ماثيو وايتيكر، مدير مكتب سيشنز، وزيرا للعدل بالإنابة وقال إنه سيرشح شخصا لهذا المنصب قريبا. وأثار تحرك ترامب انتقادات حادة من الديمقراطيين الذين قالوا إنه يسعى لتقويض التحقيق الروسي، حيث أكدت نانسي بيلوسي أن الاطاحة بسيشنز هي محاولة فاضحة لتقويض التحقيق الروسي. وحثت "وايتيكر"، الذي يشرف الآن على المستشار الخاص روبرت مولر ، على أن ينأى بنفسه من التورط في الأمر. ومن الواضح أن ترامب لن يعطي للديمقراطيين فرصة للنشوة بانتصارهم وأنه سيعمل على إفشال أي تحقيق بشأن التدخل الروسي، الأمر الذي قد يؤدي إلى نتائج سلبية ،ستعمل بدورها على وجود إمكانية كبيرة لعزله ، حيث ألمح أن بوسعه أن يعزل مولر إذا أراد لكنه متردد في اتخاذ هذه الخطوة. وقال "أستطيع أن أفصل الجميع الآن لكنني لا أريد أن أوقف التحقيق، لأنني لا أحب أن أوقف شيئا على المستوى السياسي". والغريب أن الرئيس الأمريكي رغم خسارة حزبه لأغلبية مجلس النواب ، إلا أنه انتعش بفضل انتصارات أضافت إلى الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي، وأخبر الصحفيين في البيت الأبيض أن المكاسب تفوق سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب.، وبالفعل يمكن للأغلبية الموسعة في مجلس الشيوخ أن تسهل على ترامب تأكيد ترشيح وزير عدل جديد، وعلى الأرجح هذا ما شجعه على الاسراع بإقالة سيشنز. وأكد ترامب عقب نتائج الانتخابات النصفية أنه على استعداد للعمل مع الديمقراطيين بشأن الأولويات الرئيسية، لكنه يشعر بأن أي تحقيقات من مجلس النواب في أمر إدارته ستضر باحتمالات الشراكة بين الحزبين. وأضاف مهددا أن بوسعهم أن يلعبوا هذه اللعبة، لكن بوسعنا لعبها بشكل أفضل ، مشيرا إلى أن كل ما ستفعله هذه اللعبة هو أنك ستدور في حلقات مفرغة وسيمر عامان ولن نكون حققنا أي شيء". في إشارة واضحة منه أنه سيعمل على مرور العامين الباقيين من ولايته، وسيتصدى لكل محاولات الديمقراطيين سواء بعزله أو عرقله قراراته مستقويا بمجلس الشيوخ. ولكن على الرغم من أغلبية مجلس الشيوخ التي تدعم الرئيس الأمريكي حاليا سيواجه ترامب قيودا أكبر على رئاسته بعد سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب وتعهدهم بمحاسبته بعد عامين صاخبين بالبيت الأبيض. ومن شأن فوز الديمقراطيين بأغلبية في مجلس الشيوخ أن يسمح لهم بعرقلة جدول أعمال سياسة لترامب بشكل أكبر ويمنحهم القدرة على وقف أي ترشيحات للمحكمة العليا في المستقبل، كما سيرأس الديمقراطيين الآن لجان مجلس النواب القادرة على التحقيق في عائدات ضرائب الرئيس وتضارب المصالح المحتمل، وصلات محتملة بين حملته الانتخابية في 2016 وروسيا. ويمكنهم أيضا أن يجبروا ترامب على الحد من طموحاته التشريعية، ربما بالقضاء على تعهداته بتمويل جدار حدودي مع المكسيك أو تمرير حزمة كبيرة ثانية لخفض الضرائب أو تنفيذ سياساته الصارمة فيما يخص التجارة. ويتوقع خبراء مع وجود قيادة مقسمة في الكونجرس ورئيس يتبنى وجهة نظر موسعة للسلطة التنفيذية، أن تصبح واشنطن في حالة أعمق من الاستقطاب السياسي والجمود التشريعي، وستختبر خسارة ترامب مجلس النواب قدرته على المساومة وهو أمر لم يبد اهتماما كبيرا به خلال العامين الماضيين مع سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونجرس . وقد تسنح فرصة للعمل مع الديمقراطيين على قضايا تحظى بدعم الحزبين، مثل العمل على حزمة تحسين للبنية التحتية أو إجراءات للحماية من ارتفاع أسعار الأدوية التي تباع بوصفة طبية. ومن المتوقع أن يحاول النواب الديمقراطيون بمجلس النواب تشديد السياسة الأمريكية إزاء السعودية وروسيا وكوريا الشمالية، والحفاظ على الوضع القائم في قضايا مثل الصين وإيران. وستكون الأغلبية بمجلس النواب كافية لعزل ترامب إذا ظهرت أدلة على تواطؤ حملته الانتخابية، أو عرقلته التحقيق الاتحادي.. لكن لا يمكن للكونجرس الإطاحة به من منصبه دون تأييد الثلثين في مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون وهو سيناريو غير مرجح.