هل تتخلى حركة حماس الفلسطينية عن جماعة الإخوان رسميا بعد حالة الهزل التى أصابت الأخيرة فى معظم البلدان العربية عقب ثورات الربيع العربى ؟ سؤال بدأ يتردد كثيرا خلال الفترة الراهنة عقب الوثيقة الجديدة التى أعلنتها الحركة فى العاصمة القطريةالدوحة والتى أعلنت فيها رسميا عدم ارتباطها بالجماعة فضلا عن اعتراف حماس فى وثيقتها بدولة فلسطين وهو ما كانت ترفضه فى السابق .. يأتى هذا فى الوقت الذى أكد فيه خبراء دوليون أن هذه الوثيقة ما هي إلا تحول برجماتي جاء رغبة من الحركة في إنهاء عزلتها وفتح المجال لانتزاع الشرعية من حركة فتح الفلسطينية . من جانبها قالت صحيفة الاندبندنت البريطانية إن وثيقة حماس جاءت استجابة للضغوط التي تعرضت لها حركة المقاومة من قبل السلطة الفلسطينية ومصر وإسرائيل وأيضا الولاياتالمتحدة , وأوضحت أن هذه الخطوة تعني تحرر الحركة من اللغة المعادية للسامية،إضافة إلى أنها تعد تحولا في توجه الحركة الذي يعكس الاحتياجات الفلسطينية المحلية والموقف الدولي من القضية. أما صحيفة الجارديان البريطانية فتوقعت أن تسبب هذه الوثيقة إنشقاقات واختلافات بين أعضاء الحركة ،لافتة إلى أنه بمقارنة بنود الوثيقة وميثاق الحركة التأسيسي نجد أن هناك بعض المعوقات التي ستظهر أمام الإصلاحات الجديدة التي يسعى أعضاء الحركة لتطبيقها. ورأت الصحيفة أن هذه الوثيقة تعد أحد وسائل قيادات الحركة لحل أزماتها مع إسرائيل بطريقة دبلوماسية،لكن لا يجب إغفال أن أيدلوجية حركة المقاومة تعتبر معادية للسامية ،كما رأتها أيضا محاولة لإيجاد صيغة للتوافق الوطني. ومن ناحيتها اعتبرت صحيفة التليجراف البريطانية هذه الوثيقة سلوك أكثر برجماتية ،لافتة إلى أنه ليس من الواضح ما إذا كانت هذه التغيرات التي أجرتها حماس ستكفي من أجل تحسين علاقاتها مع مصر وإسرائيل. ولفتت الصحيفة إلى وجود تناقض في الوثيقة حيث تنص الفقرة العشرين على قبول حل الدولتين من أجل قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس ،بينما تقول أيضا نفس الفقرة عن إنه لا تنازل عن تحرير كامل أراضي فلسطين التاريخية. وقالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية إن حماس تقدم نفسها الآن بشكل أكثر اعتدالا على الورق على الأقل، مشيرة إلى أن حماس تحاول إنهاء عزلتها بالوثيقة الجديدة عن طريق وضع وجه جديد أكثر ودية أمام العالم، لافتة إلى ان توقيت الاعلان عن الحركة جاء بالتزامن مع زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن لواشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. من ناحية آخرى، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن كوبي مايكل، المسئول السابق فى وزارة الشئون الإستراتيجية الإسرائيلية، قوله إن رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل يريد للحركة أن تظهر أكثر اعتدالا على الساحة الدولية، لتصبح حركة حماس محل حركة فتح فى المحافل الدولية. وأضافت الصحيفة أنه يبدو أن توقيت إعلان الوثيقة سببه منافستها لحركة فتح، ونسبت إلى المحلل المالي السابق لشئون الإرهاب بوزارة الخزانة جوناثان شانزر قوله إن حماس تحاول الحصول على نصيب في السوق، وإصدارها للوثيقة تغير محسوب بدقة ،لكنه شدد على أن إدارة ترامب لن تغير موقفها من حماس،موضحا أن الوثيقة تتعلق بتخفيف الخطاب وليس الأفعال. ورأت صحيفة تايمز البريطانية , أن حماس من خلال الوثيقة ألغت اللغة المعادية للسامية التي كانت سائدة بوثيقة 1988 التأسيسية للحركة والتي كانت تتحدث عن الحرب ضد اليهود. وأضافت أن المسئولين الإسرائيليين والفلسطينيين يشكون في أن الوثيقة الجديدة سينتج عنها أي تغيير كبير داخل حماس، والتي وصفتها الصحيفة بأنها منقسمة بين الجناح العسكري الذي يريد القتال والمكتب السياسي المعتدل نسبيا. أما صحيفة نيويورك ديلي نيوز فقالت إن حماس تخفف من لهجتها ولكن الأهداف تظل كما هي حيث تصف حماس نفسها كحركة إسلامية وطنية بدلا من توصيف نفسها كفرع للاخوان، وأشارت الصحيفة إلى أن الوثيقة الجديدة الآن على الأقل تصر على عدم كراهية اليهود واليهودية وهو تحسن في اللغة ولكن في نفس الوقت لا ينفي أن حماس تتمسك في الوثيقة الجديدة بتحرير كامل فلسطين. وفي الوقت الذي اهتمت به الصحف العالمية بوثيقة حماس وتداعياتها على عملية السلام ،يؤكد عدد من الخبراء أن قطر كان لها دور كبير في إخراج هذه الوثيقة للنور ،حيث جاء توقيت عقد المؤتمر بالتزامن مع زيارة أمير قطر تميم بن حمد، إلى المملكة العربية السعودية، وهو ما يرنو إلى عدة مؤشرات أهمها أن قطر تكونت لديها قناعة بأنها باتت في حصار كبير من الدول العربية الأخرى لدورها في دعم ومساندة الجماعات الإسلامية المتشددة، وهو ما جعلها تبدأ عدة خطوات من شأنها أن تحسن أوضاعها في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي قامت بدور الوسيط لتحصل على موافقة المملكة على خطوة حركة المقاومة الجديدة التي جاء الإعلان عنها من الدوحة. ويؤكد الخبراء أن الفترة المقبلة ستشهد دعم قطر لحل الدولتين ،وهو الحل الذي تدعمه كل من مصر والأردن والسعودية ،وقد جاء كأحد أهم البنود في وثيقة حماس ويرى الخبراء أيضا أن تركيا كان لها دور رئيسى في إصدار هذه الوثيقة ،واللافت أن أنقرة حاولت نفى صلتها بهذا الأمر وتجنبت التعليق على البيان الذي ألقاه خالد مشعل ،وأشار المتحدث باسم الرئاسة التركية أن بلاده لم تطلع على الوثيقة إطلاقا والتعليق التركي جاء بشكل غير رسمي من خلال رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية التركية الفلسطينية، أيدن أونال، الذي قال إن الوثيقة السياسية الجديدة لحركة حماس، ليست خطوة إلى الخلف ولا تنازلا، وإنما هي على العكس قفزة للأمام. وأضاف" أونال" في بيان له أن حماس قامت عبر تجديد سياساتها، بفتح باب هام، لدعم القضية الفلسطينية بقوة في المحافل الدولية ، مؤكدا أن وثيقة حماس ستقوي بلا شك المقاومة الفلسطينية، وستنقل النضال إلى بعد أكثر تأثيرا وأشار إلى أن ما يبعث الأمل هو أن الوثيقة السياسية ستكتسب بعدا جديدا للعلاقة بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية. ولكن ما يؤكد وقوف تركياوقطر وراء إصدار هذه الوثيقة هو ما صرح به خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بأن الوثيقة السياسية الجديدة تريح الدول الحليفة لحماس وتسّهل عليهم حمل قضيتنا إلى كل المنابر والمحافل الدولية. والمعروف أن قطروتركيا، تعتبران من أكبر حلفاء حركة حماس حاليا، كما تحتفظ الحركة بتحالفات متفاوتة مع عدد من الدول والتنظيمات والحركات على مستوى العالم. دليل آخر على أن لأنقرة دور في بيان حماس الأخير، هو تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مارس الماضي بأن بلاده تمارس ضغوطا على حركة حماس لإلقاء السلاح والدخول في مفاوضات مع إسرائيل، مدعيا أن الحركة أبدت استعدادها للإعتراف بها وأنها ملتزمة أيضا بإجراء انتخابات تشريعية. وأشار "أوغلو" في اللقاء الذي عقد بمبنى الصحافة الوطني في واشنطن على هامش مؤتمر التحالف الدولي لمحاربة داعش الذي عقد شهر مارس الماضي إلى أن آفاق انعقاد المفاوضات السلمية أصبحت أكثر الحاحا بعد تطبيع العلاقات بين البلدين مضيفا أن تركيا "طبعت" علاقاتها مع تل أبيب ونتائجها الإيجابية تعود على الطرفين، وأبرزها تسهيل مهمة الحوار مع الطرف الفلسطيني. لكن حماس سرعان ما نفت فكرة تعرضها لضغوط من أجل الاعتراف بدولة إسرائيل، مؤكدة أن كل الأطراف تعلم موقفها الثابت من هذا الأمر، لكنها أكدت حينها استعدادها لإصدار وثيقة سياسية جديدة ،كما لم تنف اطلاع الجانب التركي على إصدار هذه الوثيقة. الغريب فى الأمر أنه مع كل الترحيب الذي استقبل به العالم التغيرات التي اشتملت عليها وثيقة حماس، فإن حركة فتح لم تستقبل هذه الوثيبة بنفس الترحاب ،حيث قالت حركة فتح إن بنود الوثيقة سبق وأن وردت خلال لقاءات سابقة مع مسئولي حماس، فيما وجد البعض الآخر في الوثيقة خطوة تمهد للتقارب الفكري بين الفصيلين الكبيرين في الساحة الفلسطينية. واعتبرت الحركة التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن حماس لم تأت بشيء جديد بالإعلان عن وثيقتها السياسية الجديدة. وقال بيان صادر عن فتح إنه كان الأولى أن تذهب حماس أولا إلى منظمة التحرير الفلسطينية وتخرج موقفها في إطار وحدة وطنية حقيقية، وليس من خلال محاولات فاشلة لتقديم أوراق اعتماد. وأضاف البيان أن قبول حماس بدولة على حدود عام 1967 يتناقض مع ممارساتها على الأرض، الرامية لفصل القطاع أو قبولها بدولة ذات حدود مؤقتة. واعتبر بيان فتح أن الواقعية السياسية أمرا جيدا إذا كانت في إطار الوحدة والتوافق الوطني، وإذا كانت المواقف تنسجم مع الشرعية الدولية وليست مواقف ملتبسة ومتناقضة. من هنا يرى محللون سياسيون فلسطينيون، إن الوثيقة السياسية الذي أعلنتها حركة حماس، قد تؤدي إلى تفاقم الانقسام الفلسطيني, ورأوا أن حركة فتح، التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني ، قد تعتبر أن الوثيقة، وسيلة تهدف حماس من خلالها إلى إزاحتها من صدارة المشهد السياسي، كونها تقترب بشكل واضح من برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، على الرغم من أنها لا تتضمن الاعتراف بدولة إسرائيل وهو ما قد يبعد عنها الدعم الأمريكي والأوروبي. وكان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل قد أعلن عن الوثيقة الجديدة للحركة في العاصمة القطريةالدوحة خلال الأيام القليلة الماضية. وقال مشعل إن العمل على إعداد الوثيقة استمر قرابة العامين، مشيرا إلى أنها تعكس إجماعا وموافقة عامة من قبل قيادات الحركة ومؤسساتها في الداخل والخارج. وأكد أن الوثيقة ترفض المساس بالمقاومة وسلاحها وتنص على أنه لا اعتراف بشرعية الكيان الصهيوني. وأوضح أن الوثيقة تؤكد أن المسجد الأقصى لأمتنا وليس للاحتلال أي حق فيه, وأن الحركة لا تسعى إلى الحروب ولكن لإنهاء الاحتلال وايقاف الاستيطان الاسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، داعيا لمواصلة الضغط على تل أبيب للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. وذكر مشعل أن حماس حركة حيوية تتطور وتجدد أدائها السياسي والمقاوم، وأنها اختارت نهجا جديدا وهو التطور والمرونة دون الإخلال بالثوابت والحقوق، مشيرا إلى أن حماس لا تعترف بإسرائيل وأن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن الوثيقة السياسية الجديدة تتضمن حق العودة وهو بحسب مشعل غير قابل للتصرف.. لكن فى المقابل تضمنت الوثيقة الجديدة حذف الدعوة الصريحة لتدمير إسرائيل التي كانت في الميثاق التأسيسي لحركة حماس الذي أقر عام 1988.