أكد استطلاع رأي أجراه مركز بيو الأمريكى خلال الفترة الماضية , أن الهجمات الإرهابية التي يشهدها حلفاء الولاياتالمتحدة الأوروبيون (فرنساوألمانيا وبلجيكا) منذ بداية العام الجاري، وتلك التي شهدتها الولاياتالمتحدة، مثل الهجوم على ملهى ليلي في أورلاندو بولاية فلوريدا (12 يونيو 2016)؛ تتصدر قضية الإرهاب ومكافحته الحملات الانتخابية لمرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر لها الثامن من نوفمبر المقبل. وأوضح أن قضية الإرهاب تأتي في مرتبة تالية للاقتصاد بنسبة تصل إلى 80% كأولوية على أساسها سيصوت الناخب الأمريكي في الانتخابات الرئاسية القادمة، وقد كانت تلك النسبة في انتخابات عام 2008 تقدر ب68%. ويستغل المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" كل حادث إرهابي داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية أو في دولة حليفة لها لتوجيه النقد لسياسات الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" وإخفاقها في القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية"، وكذلك لانتقاد المرشحة الديمقراطية "هيلاري كلينتون"، حيث ينتقد السياسات التي تبنتها إبان توليها منصب وزيرة الخارجية الأمريكية خلال الفترة الرئاسية الأولى لباراك أوباما في أكثر من مناسبة انتخابية، كان آخرها خلال خطاب قبوله ترشيح حزبه له لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية أمام المؤتمر العام للحزب الجمهوري في كليفلاند بولاية أوهايو؛ حيث قال إنه في عام 2009 وقبل تولي "كلينتون" حقيبة وزارة الخارجية لم يكن تنظيم "الدولة الإسلامية" على الخريطة. وتُشكل الأحداث الإرهابية التي تشهدها الدول الأوروبية فرصةً للمرشح الجمهوري "ترامب" للتشدد في تصريحاته تجاه المسلمين، والترويج للإجراءات المتشددة التي أعلن أنه سيتخذها لإبعاد المسلمين المتشددين من الولاياتالمتحدةالأمريكية. ففي السابق أعلن أن المسلمين لن يدخلوا الولاياتالمتحدةالأمريكية لو نجح في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كما طلب باعتماد بطاقة هوية خاصة بالمسلمين، وتأسيس قاعدة بيانات لهم بجانب مراقبة المساجد. وعلى الرغم من أن المرشحة الديمقراطية لا تسعى كثيرًا إلى انتقاد سياسات الرئيس الديمقراطي "باراك أوباما" لأنها كانت مشاركة في صنع تلك السياسات خلال فترته الرئاسية الأولى عبر منصبها كوزيرة للخارجية، ورغبتها في الاستفادة من شعبية الرئيس الأمريكي بين الديمقراطيين - إلا أنها انتقدت سياسات أوباما في تأخره في تدريب ودعم المعارضة السورية المعتدلة، فهي ترى أن هذا التأخر ساهم في صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" والجماعات المتطرفة في منطقة الشرق الأوسط. ويُعزز تنفيذ لاجئين عمليات إرهابية في أوروبا، على غرار تنفيذ لاجئ أفغاني ينتمي لتنظيم الدولة الإسلامية هجومًا في قطار بإقليم بافاريا في ألمانيا يوم الاثنين الموافق 18 يوليو 2016، وتفجير لاجئ سوري بايع تنظيم الدولة الإسلامية نفسه قرب حفل موسيقي في أنسباخ جنوبألمانيا يوم الأحد الموافق 24 يوليو الجاري - من حجج المرشح الجمهوري ومؤيديه لعدم السماح بدخول السوريين إلى الأراضي الأمريكية بحجة أنه قد يكون بينهم موالون لتنظيم الدولة الإسلامية. وتتبنى هيلاري كلينتون موقفًا قريبًا من الموقف الذي تبناه المرشح الجمهوري بوضع قيود على المهاجرين من دول منطقة الشرق الأوسط؛ حيث دعت إلى مزيد من الفحص لبعض المهاجرين القادمين إلى الولاياتالمتحدة من دول لها تاريخ بالإرهاب خلال السنوات الخمس الماضية. وتتبنى المرشحة الديمقراطية "هيلاري كلينتون" استراتيجية واضحة المعالم لمحاربة تنظيم "داعش" تقوم على ثلاثة محاور رئيسية أعلنت عنها خلال حوار لها بمجلس العلاقات الخارجية (CFR) في التاسع عشر من نوفمبر الماضي، وهي: المحور الأول- هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا: تنطلق استراتيجية "هيلاري" في هزيمة تنظيم داعش من رفض إرسال الولاياتالمتحدةالأمريكية قوات برية إلى البلدين لهزيمة التنظيم، وتدعو إلى زيادة العمليات الاستخباراتية والهجمات الجوية لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية لهزيمة التنظيم، وتدعيم القوات الأمريكية للعمليات البرية التي يقودها الأكراد والسنة العراقيان ودول عربية مجاورة، وتدريب القوات الأمريكية الخاصة القوات العراقية والمعارضين السوريين المعتدلين، ومرافقتهم في معاركهم لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية إذا لزم الأمر. المحور الثاني- تفكيك البنية التحتية للتنظيم التي تُسهل تدفق المقاتلين والتمويل والأسلحة والدعاية: ستعمل المرشحة الديمقراطية في حال نجاحها في الانتخابات الرئاسية على قطع مصادر تمويل التنظيم من خلال الأممالمتحدة بإصدار قرارات أممية تسمح بمعاقبة الدول التي تدعم التنظيم، والضغط على حلفائها للمساعدة في وقف تمويل التنظيم. وستعمل على إنهاء استخدام التنظيم لوسائل التكنولوجيا الحديثة. فانطلاقًا من نجاح التنظيم في استخدام وسائل الثورة التكنولوجية في التجنيد والترويج لعملياته، دعت "هيلاري" المؤسسات الحكومية الأمريكية إلى العمل مع كبرى شركات التكنولوجيا لإنهاء وجود التنظيمات الإرهابية -مثل تنظيم "داعش"- على شبكة الإنترنت. المحور الثالث- تعزيز القدرات الأمنية الأمريكية مما يحد من قدرة التنظيم على اختراق الحدود الأمريكية وتنفيذ عمليات داخل الأراضي الأمريكية: مع ضرورة زيادة القدرات الاستخباراتية الأمريكية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، ترى "هيلاري" أن على الولاياتالمتحدة توظيف المزيد من ضباط العمليات واللغويين، وزيادة المراقبة الإلكترونية، وتدعم استمرار استخدام الطائرات بدون طيار في اغتيال قيادات التنظيمات الإرهابية لأنها مهمة للأمن القومي الأمريكي، وتتفق مع المعايير القانونية والعسكرية، وترى أنها ستكون جزءًا من القوة الذكية لمحاربة الإرهاب التي تشمل الدبلوماسية وتطبيق القانون والعقوبات. وعلى عكس المرشحة الديمقراطية التي تمتلك رؤية واستراتيجية واضحة المعالم لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية؛ فإن المرشح الجمهوري ليست لديه رؤية واضحة ومتكاملة لمحاربة التنظيم. فعقب الهجمات الإرهابية على باريس في نوفمبر الماضي قال إنه سيكثف الهجمات العسكرية على تنظيم الدولة الإسلامية، وسيعمل على تقييد قدرة الجماعة على استخدام الإنترنت كأداة للتجنيد. وفي الوقت الذي ترفض فيه المرشحة الديمقراطية إرسال قوات برية لمحاربة التنظيم في العراق وسوريا، يدعم المرشح الجمهوري إرسال الولاياتالمتحدةالأمريكية قوات برية لمحاربة التنظيم في العراق، ولكنه سيُطالب القوات العربية -لا سيما الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية- بالمشاركة بقوات لمحارية التنظيم، وقال إنه إذا امتنعت فإن الولاياتالمتحدة ستتوقف عن شراء النفط السعودي. ويؤيد قصف حقول النفط العراقية التي تُعد المصدر الرئيسي لتمويل التنظيم لعرقلة استفادة التنظيم من عائدات النفط و"القنوات المصرفية المظلمة". ويؤيد ترامب سياسات تبنتها إدارة الرئيس الجمهوري الأسبق "جورج دبليو بوش" بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لمحاربة الإرهاب، والتي تثير الجدل داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية. حيث يوافق "ترامب" على استمرار البرامج التقليدية للمراقبة وجمع المعلومات عن المواطنين الأمريكيين المتشبه بهم، فعقب رفض شركة "أبل" اختراق هاتف أيفون أحد منفذي هجوم سان برناردينو (2 ديسمبر 2015) في كاليفورنيا، طالب "ترامب" مؤيديه بمقاطعة الشركة. ويدعم -أيضًا- استخدام أساليب استجواب قاسية للإرهابيين المشتبه بهم، كالإيهام بالغرق، وهو الأسلوب الذي حظر الرئيس باراك أوباما استخدامه بعد أيام من تسلمه مهام منصبه في عام 2009. كثير من التحليلات الأمريكية أثارت تساؤلا مع تكرار الهجمات الإرهابية التي شهدتها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الأوروبيون، وتصدُّر قضية الإرهاب ومكافحته الحملات الانتخابية لمرشحي الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ عما إذا كان تكرار العمليات الإرهابية سيؤدي إلي فوز المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" في الانتخابات الرئاسية المقرر لها في نوفمبر المقبل؟. وفي حقيقة الأمر هناك انقسام بين المحللين الأمريكيين عند الإجابة على هذا التساؤل، لكن الغالبية العظمى ترى أن تكرار تلك الهجمات يُعزز من فرص فوز ترامب بمنصب الرئيس الأمريكي؛ حيث تُشير الدراسات التي تبحث العلاقة بين تصدر العمليات الإرهابية التغطية الإعلامية الأمريكية والرأي العام، إلى أنه مع تزايد العمليات الإرهابية يصبح الرأي العام الأمريكي أقل تأييدًا لاستقبال المهاجرين، وأقل تأييدًا لحقوق العرب والمسلمين الأمريكيين، وهو ما عبر عنه المرشح الجمهوري برفضه استقبال الولاياتالمتحدة مهاجرين من منطقة الشرق الأوسط، لكونها المصدر الرئيسي للإرهاب العالمي، وفرض قيود على المسلمين الأمريكيين. ويزيد تصاعد قضية الإرهاب العالمي من فرص فوز "ترامب" في الانتخابات القادمة، لكونه يربط بين الحس الوطني والسياسة الخارجية المتشددة ومكافحة الإرهاب، وهي مواقف تلقى قبولا لدى الناخبين الأمريكيين وقت تعدد الهجمات الإرهابية. وتؤكد نتائج استطلاعات الرأي تلك المقاربة؛ حيث أظهرت نتائج استطلاع للرأي أجرته صحيفة "واشنطن بوست" والقناة الإخبارية الأمريكية (ABC) خلال 3 – 6 مارس الماضي أن 40% يرون أن المرشح الجمهوري أفضل من المرشحة الديمقراطية في التعامل مع قضية الإرهاب، كما يرى 37% أن "ترامب" أفضل من "هيلاري" في التعامل مع قضية المهاجرين، وكذلك يرى 32% أنه الأفضل منها في التعامل مع الأزمات الدولية. وفي هذا الشأن، ترى جنيفر ميرولا Jennifer Merolla، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا، أن خطاب ترامب المتشدد حول قضية الإرهاب يُظهره كقائد قوي، وأن جنس ترامب يكون في صالحه عندما يتزايد خوف الناخبين من الإرهاب. ويُعزز تزايد العمليات الإرهابية عالميًّا من فرص فوز المرشح الجمهوري عند النظر إلى تلك الهجمات على أنها أحد إخفاقات الإدارة الديمقراطية، وأن سياسات المرشحة الديمقراطية لا تختلف كثيرًا عن تلك التي تبنتها إدارة أوباما، بل إنها كانت مشاركة في صياغتها خلال الفترة الرئاسية الأولى للرئيس "أوباما"، وهي سياسات وفرت البيئة المناسبة لتنامي نفوذ التنظيمات الإرهابية بدلا من القضاء عليها. وتأثيرات الهجمات الإرهابية التي تشهدها الدول الأوروبية لن تقتصر على الداخل الأوروبي، ولكن ستكون لها تداعياتها على الداخل الأمريكي مع قرب موعد ذهاب الناخب الأمريكي إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسه القادم في الثامن من نوفمبر القادم. وعلى الرغم من عدم تبني المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" استراتيجية واضحة المعالم لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا على عكس المرشحة الديمقراطية "هيلاري كلينتون" التي تتبنى استراتيجية واضحة لمحاربة التنظيم - فإن تكرار العمليات الإرهابية في دول حليفة للولايات المتحدة سيُعزز من فرص فوز المرشح الجمهوري؛ لخطاباته المتشددة التي تلقى قبولا لدى الناخب الأمريكي في وقت تتزايد فيه المخاوف من احتمالات أن تشهد الولاياتالمتحدة هجمات إرهابية كتلك التي تشهدها أوروبا.