طرحت هجمات بروكسل الثلاثاء مجددا التساؤل حول سبب فشل بلجيكا ومن قبلها فرنسا في منع المسلحين المتشددين من تنفيذ عملياتهم رغم توقع الخطر، فضلا عن ضعف التنسيق الاستخباراتي الأوروبي في مواجهة مجموعات تطور أساليبها باستمرار. يأتي هذا فيما تنتظر الجالية العربية في بروكسل وعواصم أوروبية أخرى ردود فعل شعبية قوية تستهدفها كردة فعل على التفجيرات. واعترف رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل بأن بلاده كانت تتوقع هجمات لمتشددين، خاصة بعد اعتقال صلاح عبدالسلام أحد أعضاء الخلية التي نفذت هجمات باريس في نوفمبر الماضي. وقال "ما كنا نخشاه وقع. تعرضت بلادنا لهجمات عمياء وعنيفة وخسيسة". وقال خبير أمني الثلاثاء إن التفجيرات التي هزت مطار ومحطة مترو في بروكسل وأسفرت عن مقتل العشرات قد يكون خُطط لها على مدار أسابيع. واعتبر ماثيو هينمان مدير مركز آي.اتش.إس جين لأبحاث الإرهاب والأعمال القتالية في بريطانيا أن "الهجمات المماثلة تحتاج إلى أكثر من ثلاثة أو أربعة أيام للإعداد لها. خاصة وأننا شاهدنا أنها هجمات مُنسقة على ما يبدو في المطار ومحطة مترو". وأضاف "الاستطلاع والتنسيق والإعداد لهذا النوع من الهجمات يستغرق أسابيع عادة وليس أياما. لكن ربما كان هناك مخطط ما يسعى المهاجمون لتنفيذه لكنهم سارعوا إلى التنفيذ في أعقاب اعتقال عبدالسلام". لكن خبراء أمنيين رجحوا، على العكس من ذلك، أن تكون مجموعة عبدالسلام قد سرعت بالاعتداء بعد القبض عليه خوفا من إدلائه بأسمائهم خلال التحقيق معه، ومن ثم يتم إحباط العملية. ومنذ هجمات باريس التي راح ضحيتها 130 شخصا، تجوب شوارع بروكسل وحدات مدججة بالأسلحة من الجيش وعربات مدرعة، كما تشهد المؤسسات الحيوية إجراءات أمنية مشددة. واستبعد هينمان أن يكون الأمر على علاقة بفشل أمني، لكنه عزا الأمر إلى "حجم التحدي الذي تواجهه الأجهزة الأمنية في أنحاء أوروبا لمنع هذا النوع من الهجمات". وأشار إلى أنه "من الواضح أن هناك شبكة متطورة للغاية قادرة على تنفيذ هجمات فردية وأيضا تنفيذ سلسلة هجمات وهو ما أصبح تحديا هائلا للأجهزة الأمنية". ودعت الحكومات في أوروبا وخارجها إلى عقد اجتماعات وطنية طارئة على المستويات الأمنية وتكثيف الضوابط في المطارات وغيرها من المواقع الحساسة. لكن مسؤولين وخبراء أمنيين يشيرون إلى أن الأمر لا يقف عند حد الاستنفار الأمني أو تكثيف التنسيق بين أجهزة الاستخبارات، لافتين إلى أن شبكات المتشددين تصعب السيطرة عليها أو تقليص انتشارها وإضعاف قدرتها على التحرك والفعل. وقال مسؤول فرنسي في مكافحة الإرهاب لوكالة الصحافة الفرنسية طالبا عدم كشف اسمه "إن اعتداءات بروكسل هي بكل وضوح عملية انتقامية بعد سلسلة الاعتقالات. إنه تصعيد. إنها تدل على أن للتنظيم رجالا على استعداد في أي لحظة لتنفيذ عمليات انتحارية بأسلحة ومتفجرات". واعتبر أن "الانتقادات الموجهة للشرطة البلجيكية غير مبررة. تعمل عناصرها بشكل جيد لكنها عاجزة عن التعامل مع هذه الأعداد الكبيرة تماما مثل زملائهم الأوروبيين. أخشى من أننا سنحصل جميعا على حصتنا من الاعتداءات". وأضاف "سنواجه موجة إرهاب قوية جدا وسنتمكن من احتوائها لكن جزئيا. سنقبض على بعض العناصر. لم يتم أبدا اعتقال هذا العدد الكبير من الأشخاص لكننا لن ننجح في القبض عليهم جميعا. هذا أمر مستحيل يفوق قدراتنا". وسمحت موجة الاعتقالات في بلجيكا في إطار التحقيق في اعتداءات باريس بتفكيك قسم كبير من الشبكة التي أرسلها داعش من سوريا، لكن بعض المشتبه بهم لا يزالون فارين. وأثبت منفذو اعتداءات الثلاثاء أنهم قادرون على التحرك. ويرى توماس هيغهامر الخبير في مؤسسة "نورويجن دفانس ريسترش استابليشمنت" أن اعتداءات بروكسل "تثبت أنهم على جهوزية كاملة. لا أحد يستطيع التخطيط لعملية من هذا النوع في 48 ساعة (...) ولنقر بأن هذه الهجمات مرتبطة نوعا ما باعتداءات باريس، إنها المرة الأولى التي تتمكن الشبكة نفسها من الضرب مرتين بهذا الحجم". ومع الآلاف من المتطوعين الذين انضموا إلى صفوف تنظيم الدولة الإسلامية والمئات من الأشخاص الذين عادوا إلى بلدانهم الأصلية أحيانا بعيدا عن الأنظار، تواجه قوات الشرطة وأجهزة الاستخبارات الأوروبية تهديدا غير مسبوق لا تزال تبحث عن حل له. وقال هيغهامر "إنها مسألة شبكات وفي هذا الخصوص تكمن قوتهم". وأضاف "اليوم استهدفت بلجيكا لكن الأمر نفسه قد يحصل في أي مكان آخر. يجب ألا نظن أنها مشكلة بلجيكية".