وزيرة التنمية المحلية تتابع مع وفد البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية الموقف التنفيذي لمشروع مصرف كيتشنر    عبد العاطي يستقبل وزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    السكرتير العام المساعد للإسماعيلية يتابع استعداد السيارات والمعدات لفصل الشتاء    المايسترو أمير عبد المجيد: استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل خاطئ    لحظة بلحظة (موريتانيا 0 × 0 مصر) تصفيات أمم إفريقيا    وسام أبوعلي وعمر فرج يقودان تشكيل فلسطين ضد الكويت في تصفيات كأس العالم    وزير الأوقاف يعزي أسر طلاب حادث الجلالة.. ويدعو بالشفاء والعافية للمصابين    41 شهيدا و124 جريحا بسبب اعتداءات إسرائيلية على لبنان خلال 24 ساعة    أمام المجلس التنفيذي لليونسكو .. قطر تطالب بتضافر الجهود الدولية لحماية التعليم من الهجمات    جامعة بنها تنظم ندوة توعوية عن الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب ذوي الهمم    الصحة: 8 حالات غير مستقرة من مصابي حادث طريق الجلالة    وزير الصحة يلتقى نظيره التونسى لبحث تعزيز التعاون فى المجال الطبى    النص الكامل لمشروع قانون إنشاء المجلس الوطني للتعليم بعد موافقة البرلمان    البابا تواضروس يلقي العظة الأسبوعية من كنيسة الملاك ميخائيل بشيراتون    وزير التجارة والاستثمار يبحث مع السفير التركي تعزيز التعاون الاقتصادي    مهرجان المسرح العربي يكرم انتصار وبدرية طلبة في افتتاح دورته الخامسة    انطلاق تصوير فيلم «إن غاب القط» بطولة آسر ياسين وأسماء جلال| صور    الحكومة البريطانية تفرض عقوبات على منظمات تشارك في بناء مواقع استيطانية بالضفة الغربية    أستاذ عقيدة: فهم الإسلام الصحيح يحمى أبنائنا من التطرف    قبل اتساع نطاقها.. وزير الأوقاف السابق يدعو لوقف العدوان على غزة ولبنان    قصف مدفعي إسرائيلي على أطراف بلدة شبعا جنوبي لبنان    التمور في الأحساء.. محصول زراعي ارتبط بالإرث الثقافي والاجتماعي    رسم ترخيص وجراجات.. ننشر أبرز التعديلات على قانون البناء الموحد    وزير الأوقاف: نرفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم حتى لا يتم تصفية القضية    محاضرة توعوية حول مخاطر المخدرات وطرق الوقاية منها ببيت ثقافة طهطا بسوهاج    شهد سامي تحرز برونزية بطولة مالابو المفتوحة للتايكوندو بغينيا الاستوائية    وزير الإسكان يتابع مشروعات إعادة إحياء القاهرة الإسلامية والفاطمية بمحافظة القاهرة    نصر علام: دخول اتفاق عنتيبي حيز التنفيذ "عبث لا يرقى لمستوى الدول"    وفد قيادات التعليم العالي يزور الطلاب المُصابين في حادث أتوبيس الجلالة    حكم قراءة سورة الفاتحة بنية شفاء المرضى وقضاء الحاجات    "القومى للمرأة" يشيد بمبادرة حقوق الإنسان بوزارة الداخلية للأشخاص ذوى الإعاقة البصرية    ملك الأردن: وقف إطلاق النار في غزة أمر أساسي للتوصل إلى تهدئة شاملة بالمنطقة    كاف يعلن تأجيل مباراة ليبيا ضد نيجيريا فى تصفيات كأس أمم أفريقيا    «أوراسكوم للتنمية» توقع اتفاقية تمويل ب155 مليون دولار (تفاصيل)    أمين الجامعة العربية يبحث مع الجانب التركي الأوضاع المستعرة في المنطقة (تفاصيل)    نائب الأمين العام لحزب الله: السياسات الإسرائيلية قائمة على القتل والتشريد وارتكاب المجازر    «توفنا وأنت راضٍ عنا».. آخر منشورات الطالبة «هاجر» ضحية حادث أتوبيس جامعة الجلالة    تأجيل محاكمة 46 متهما بخلية العجوزة    مبادرة بداية.. انطلاق مسابقة حفظ القرآن الكريم للأطفال بأسوان    نادين نجيم وملح الفن ضيوف برنامج "صاحبة السعادة"    حملة 100 يوم صحة.. تقديم أكثر من 118 مليون خدمة مجانية خلال 75 يوما    الأونروا: تطعيم 93 ألف طفل فى الجولة الثانية من حملة التحصين ضد شلل الأطفال فى غزة    2000 فرصة عمل والتقديم أونلاين.. وزارة العمل تعلن تفاصيل أول قائمة    محافظ القاهرة: وضع قرية الفخار والمجمع الحرفى على خريطة المزارات خلال المنتدى الحضرى العالمى    العويران: أنا زملكاوي وسأقيم مباراة اعتزالي ضد الزمالك    كما كشف في الجول - الجونة يتعاقد مع عصام صبحي    الخميس.. الثقافة تطلق مهرجان أسوان احتفالًا بتعامد الشمس بمعبد "أبو سمبل"    ترشيح لحسام البدري لتدريب شباب بلوزداد الجزائري    وزير الخارجية يترأس الاجتماع الثانى ل"العليا لحقوق الإنسان" بحضور ضياء رشوان    وزير الإسكان يُعلن عن أكبر طرح للأراضي السكنية المتنوعة ب20 مدينة جديدة    محافظ القليوبية: تقديم تسهيلات للمواطنين الجادين في طلبات تقنين أوضاعهم    رئيس الوزراء يؤكد على سرعة الانتهاء من مشروعات المياه والصرف الصحي    "لا يسخر قوم من قوم".. تعظيم حرمة الإنسان وعدم التنمر موضوع خطبة الجمعة    تحرير 1138 مخالفة تموينية متنوعة بالفيوم خلال أسبوعين    دفاع المتهمين بفبركة سحر مؤمن زكريا يطلب استبعاد تهمتى النصب والابتزاز    «بجبر بخاطر المشاهدين».. أقوال صادمة للزوجة المسحولة بسبب فيديوهات تيك توك    حار نهاراً ومعتدل الحرارة ليلًا.. حالة الطقس اليوم    اليوم.. محاكمة المتهمين في واقعة فبركة سحر مؤمن زكريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رصدها كتاب جديد للباحث محمود خيرالله.. التاريخ السري ل"بارات" مصر
نشر في الموجز يوم 14 - 03 - 2016

لعبت دوراً فى الثورات المصرية وعبرت عن روح التسامح الشعبي وساعدت فى الحفاظ على مدنية الدولة على مدار 300 سنة
ريش.. أبوابه السرية كانت ملاذاً آمناً للثوار وفى "قبوه" طبعت منشورات ثورة 1919
الحرية.. شهد الاجتماعات السرية للضباط الأحرار ونضال الطلاب ضد نظام مبارك
كاب دور.. غنى فيه العندليب وجلس فيه رشدي أباظة وكان مقصداً ل"أصحاب الرؤوس الذهبي"
ستيللا: مخزن الأسرار الذي فجّر دموع الكبار
الشيخ على.. حكاية البار الذى أغلقه صاحبه يوم الجمعة تحت وطأة إحساسه بالذنب
إيليت.. أسسته الجالية اليونانية منذ 115 عاماً وتحول فى نهاية المطاف إلى محل "عصير قصب"
"جسدت بارات مصر حالة شرقية مصرية خالصة للاستمتاع والحكي وسرد القصص تعبيراً عن اللوعة والأسى الإنساني على نحو يعكس جانباً من الوجدان الشفاهي للمصريين الذي ولد مع ميلاد صورة المقهى فى الشرق كله حيث يحتفظ البار المصري بدرجة عالية من الخصوصية".. بهذه المقدمة ينطلق الباحث والكاتب محمود خير الله فى كتابه "بارات مصر.. قيام وانهيار دولة الأنس" الصادر عن دار "روافد" للنشر والتوزيع فى التأريخ لعدد من البارات الشعبية التى تعرضت للإندثار ولم يتبق منها سوى عدد ضيل ما زال يقاوم من أجل البقاء.
أهمية التأريخ للبارات يلخصها "خير الله" فى أنها شكلت على مدار ثلاثة قرون في مصر – منذ نشأتها حتى الآن - قصص كفاح كبيرة عاشتها الروح المصرية المتسامحة من دون أن يتجرأ أحد على منحها القيمة التى تستحقها بسبب الدور الذى مثلته فى ترسيخ الدولة المدنية والحفاظ عليها من الإندثار والزوال.
وكما يقول المؤلف فإن الأمر قد يستغرق سنوات قبل أن تعترف الثقافة العربية – المتحفظة بطبعها – بأن حياة بعض البارات فى القاهرة وعواصم عربية أخرى جسدت رحلة كفاح طويلة عاشها روادها خلال القرن الماضى وأن بعض هذه البارات مثلت بوجودها الأصيل فى أعمق شوارع القاهرة مثلاً رحلة نضال ممتعة ضد دولة القمع وانتصاراً لدولة الحقوق والحريات.
جنود الاحتلال
خلال عقود الاحتلال الإنجليزي "1882.1952" وتحديداً فى مطلع القرن العشرين تأسس العشرات من البارات للتخفيف من الأعباء النفسية على الآلاف من جنود الاحتلال لكن فى الأربعينيات من القرن ذاته أنفقت شركات الخمور العاملة فى مصر أموالاً طائلة للدعاية لمنتجاتها واضطرت للمشاركة فى إنتاج أفلام سينمائية موضوعها رصد حروب الشرطة ضد تجارة المخدرات لتكريس الصورة الذهنية التى تعتبر تناول المسكرات فعلاً طبيعياً فى أغلب الأفلام السينمائية المنتجة فى النصف الأول من القرن العشرين أى فى العهد الملكي الشهير بالمستوى الرفيع فى ليبراليته والتى جعلت من الملك فاروق آخر حكام دولة محمد على رمزاً متجسداً للحاكم الذى لا يعرف أحد مدى صحة ما ينسب إليه من قضائه أياماً تحت تأثير الخمور حيث كان دائم التواجد فى أماكن احتسائها من الكازينوهات إلى المتنزهات هو وأغلب أركان حكمه وحاشيته.
ووفقاً لقانون العرض والطلب حققت هذه البارات مبيعات ومكاسب سمحت بتطور صناعة الخمور فى مصر منذ قرنين على الأقل وساعدت على استمرار القوة العاملة فى هذه التجارة لأطول فترة ممكنة بعضها توسع وازدهر وبعضها الآخر اندثر لكنها على الأقل بقيت موجودة ولو بحالة رثة مستمرة لعشرات السنين بل وتطور بعضها مع العصر من مجرد "بوظ" - جمع "بوظة" – يباع فيها الشعير المُسكر إلى بارات شعبية بعضها يدور فيه العزف والرقص إلى اليوم وبعضها الآخر لا يقدم سوى المشروبات الكحولية المصرية بعضها فى شوارع وسط القاهرة وبعضها الآخر فى شوارع مدينة الإسكندرية.
الأبواب السرية
يرصد "خير الله" تاريخ " كافيه ريش" باعتباره واحد من المقاهي والبارات التي لعبت أدواراً عظيمة وملهمة فى تاريخ مصر عبر انحيازها الدائم إلى جانب الثوار في أيام الثورات المصرية الكثيرة حيث كان ملاذاً آمناً لبعض الثوار وساهم في كتابة شئ من النجاح لهذه الثورات وهو ما حدث مع ثورة 1919 وتكرر بالوتيرة نفسها وعلى المقاعد ذاتها قبل 5 أعوام فى ثورة 25 يناير وتكرر ثالثاً قبل نحو 3 أعوام فى ثورة 30 يونيو.
العمالقة كلهم جاءوا وسهروا وضحكوا فى "ريش" من الكُتاب توفيق الحكيم ويوسف إدريس ونجيب محفوظ ويحيى الطاهر عبد الله وغالب هلسا إلى الشعراء أمل دنقل ونجيب سرور إلى الفنانين محمد عبد القدوس وفاطمة اليوسف ومحمود المليجى ورشدى أباظة وعادل إمام.
قبو "الكافيه" كان مخبئاً لسعد زغلول ورفاقه إبان ثورة 1919 ولا يزال يحتفظ بأبوابه السرية من بينها باب سري خلف البار تكرر فى غالبية الأفلام البوليسية القديمة يلتف دائرياً لينفتح ويقود مباشرة إلى شارع هدى شعرواي.
وما يزال القبو يحتفظ أيضاً بالمطبعة القديمة وهى التى وفرها المالك اليونانى القديم للبار لسعد ورفاقه من الثوار حينما بدأو يدرسون طبع المنشورات ضد الاحتلال الإنجليزي فى مكان آمن وسط القاهرة فكان قبو ومطبعة "كافيه ريش" هى الطريقة التى اعلنت بها ثورة 1919 مطالبها للعالم.
الأرض التى أقيم علها "ريش" كان يحتلها قصر الأمير محمد على توفيق قبل هدمه وبيعها إلى باغوص باشا نوبار حتى آلت ملكيتها فيما بعد إلى الشركة العقارية المصرية التى باعتها بدورها.
وبحسب الروايات فان عائلة يهودية تسمى "عادا" هى التى تولت بناء العمارة التى تضم الكافيه وأول من قام بتأجيره هو برنارد ستنبرج فى الفترة من 1908 إلى الفترة 1913 ثم انتقلت الإدارة وعقد الإيجار إلى الفرنسي "بير ريسينيه" بين عامي 1914 إلى 1916 لتنتقل إلى اليوناني ميشيل مخالي بوليتيس صاحب العصر الذهبي للكافيه حيث شهد أزهى فتراته ونشاطاته الثقافية والفنية على الإطلاق.. وقد بدأ "بوليتيس" نشاطه على مسرح ومقهى "ريش" حيث أجرى تغييرات كبيرة ليعيد افتتاحه عام 1923.
أما اليوناني واسيلي مانولاكيس المالك الرابع للمقهى فقد تولى الإدارة بين عامي 1932 و1942 وبعده الإنجليزي جورج واسيلي إلى العام 1960 وهو العام الذى تقدم فيه عبد الملاك ميخائيل صليب والد مجدى لشراء المقهى ليكون أول مصري يمتلكه ويديره.
الحس الشعبي
ويتطرق المؤلف إلى بار الحرية مشيراً إلى أنه واحد من البارات القليلة التى تمتعت بالحس الشعبى فى الوقت الذى اعتبرت فيه دليلاً نخبوياً على ممارسة الحرية حيث تحول على مدار تاريخه ومنذ تأسيسه منذ ثمانية عقود لميدان واسع لمواجهة الطغاة حيث احتضن من ثاروا ضد فساد حاشية الملك فاروق الأول ومن رفضوا القبضة الأمنية النافذة لنظام ما بعد ثورة يوليو.
افتتح "الحرية" فى يونيو عام 1936 بعدما اتفق "يوسف أفندى" الموظف فى شركة تقسيم الأراضي مع صديقين له على إنشاء المقهى برأس مال 350 جنيهاً ووقع الاختيار على منطقة باب اللوق التى كانت شبه خالية من السكان وكان ميدانها يسمى "ميدان الأزهار".
تأسس المقهى على الأرض التي كانت تضم بيت الزعيم أحمد عرابي ملهم جميع الثوار المصريين ومن هذا البيت خرج عرابى مع مؤيديه على قصر عابدين ضد الخديو توفيق وبعد فشل الثورة ألقى القبض على عرابى حيث تم نفيه الى "سيلان" وهدم بيته وتم بناء عمارة جديدة على الطراز الإنجليزي وفى طابقها الأرضي تأسس مقهى الحرية.
تعثر المقهى فى سنواته الأولى إلى أن جاءت الحرب العالمية الثانية وأنقذته حيث ازداد عدد جنود القوات الإنجليزية فى مصر والذين فضلوا الجلوس فى "الحرية" لانخفاض أسعاره نسبياً وجودة مشروباته وهى السمعة التى انتقلت فيما بعد إلى الأجيال اللاحقة فقد زارها أهل الطبقة الوسطى والتجار وعرف الباشوات والبكوات ورجال الشرطة والجيش والفن والثوار طريقهم إليها إلى أن استقر الأمر فى الثمانينيات من القرن الماضي إلى اعتبارها مقهى ذات أغلبية شبابية وباتت بعد ثورتي يناير ويونيو تضم غالبية من الثوار الذين وجدوا فيها ملاذاً آمناً خلال شهور الثورة المصرية الدامية.
أجيال جديدة من نجوم مصر استمتعت بالشرب والتدخين والحكي فى مقهى الحرية من شيوخ التلحين الراغبين فى الاستماع إلى إيقاع الدنيا وعلى رأسهم الشيخ زكريا أحمد إلى كبار الباحثين عن النماذج البشرية من الفنانين أحمد رمزى وشكرى أباظة وشكرى سرحان وعبد السلام محمد إلى أشهر مخرجي السينما وصناعها فطين عبد الوهاب وحسن الإمام إلى أهم الرياضيين عبد الكريم صقر ومختار التتش إلى الضباط الأحرار صناع ثورة 23 يوليو خصوصاً الرئيس الراحل أنور السادات.
ووفقاً لمذكرات "ملك القطن" محمد أحمد فرغلي باشا التى حملت عنوان "عشت حياتي بين هؤلاء" فإن الضباط الأحرار اجتمعوا كثيراً فى مقهى الحرية واتخذوا منه عدة قرارات مهمة إبان حركتهم رافضين ممارسات الملك وحاشيته وراغبين فى طرد الاستعمار البريطاني من مصر عام 1952.
الرؤوس الذهبية
ويؤرخ الكتاب ل"كاب دور" لافتاً إلى أنه واحد من البارات الشعبية القديمة التى تمثل جانباً مهماً وحيوياً من جوانب الحياة الوجدانية للشعب المصرى والتى لعبت دوراً كبيراً فى جعل القاهرة فى مطلع القرن العشرين المدينة الأكثر جمالاً وسهراً وانفتاحاً على العالم وربما أكثر من القاهرة فى مطلع القرن الواحد والعشرين.
أنشئ البار فى ثلاثينيات القرن الماضي وحمل اسم "كاب دور" وهى كلمة فرنسية تعنى "الرأس الذهبية" وترجع تسميته بهذا الاسم إلى باشوات الزمن القديم الذين كانوا يحضرون إلى منطقة وسط القاهرة لزيارة المسارح والملاهي باهظة التكاليف ويتركون السائقين من ذوى "الرؤوس الذهبية" يذهبون إلى البارات الرخيصة فكانت التسمية دليلاً مبكراً على اقتراب البار من الشارع المصري وهى السمة التى حافظ عليها لنحو سبعة عقود وتركت آثارها على كل شئ فيه.
المبنى الذى يضم البار يبدو قديماً جداً من الخارج لكن من الداخل يبدو الديكور ذو الأسقف العالية منتمياً إلى حقبة السبعينيات من القرن الماضي حيث انتقلت ملكية البار إلى أحد المصريين وباتت خطوات الزبائن تعرف طريقها إليه خصوصاً أنه البار الذى كان يجلس فيه الممثل الراحل رشدي أباظة فى مطلع الخمسينيات.
مخزن الدموع
من بين أكثر بارات وسط القاهرة شعبية وانتشاراً فى أوسط المثقفين والأدباء والفنانين والسينمائيين ونفر من السياح الأجانب يبدو بار "ستيللا" أكثرها ارتباطاً بالوسط الثقافي على مدار العقود الستة التى عاشها "بار المثقفين" محتضناً كثيراً من أفكار القصائد وعناوين القصص والروايات وكتب النقد وأسماء الأفلام السينمائية والدرامية التى أنُتجت فى مصر والعالم العربى طوال النصف الثاني من القرن العشرين على الأقل وربما إلى اليوم.
"ستيللا" أنشأه رجل أعمال يونانى بعدما تزوج سيدة مصرية عام 1955 ليكون مخزناً للبيرة لكنه سرعان ما حوله إلى بار مازال الكثيرون يشيرون له باسم "المخزن" دون أن يعرفوا السبب فى هذه التسمية.
وكما يشير الكاتب فإن "المخزن" تحول لدلالات عديدة حيث كان البار بمثابة مخزن لدموع المثقفين فعلى كثير من مقاعده ومناضده جاء المثقفون وبكوا مثل الشاعر الكبير الراحل أمل دنقل والناقد الأدبي فاروق عبد القادر.
ولأنه من البارات القليلة التى نشأت وترعرعت بعد ثورة 23 يوليو 1952 فقد ارتبط "ستيللا" بالثورة وبالفكرة الوطنية المصرية كونه الأقرب إلى ميدان التحرير من ناحية والأرخص نسبياً من "كافيه ريش" القريب منه والذى كان رواده دائماً من الكتاب الكبار والأثرياء بينما كان "ستيللا" ولا يزال قريباً من جيوب المثقفين الصغار وقروشهم المحدودة.
الشيخ على
وينتقل الكاتب إلى استعراض أهم البارات الشعبية فى الإسكندرية إلا أنه يلفت إلى أن المحافظة الساحلية كانت قلعة "صناعة الخمور" فى مصر حيث تضم مقار أربعة شركات للخمور تتبع "شركة الكروم" للكحول المملوكة للدولة أهمها شركتا "جناكليس" و"بولوناكي" فى منطقة الحضرة ومصنع "كاتيماتس" فى منطقة النزهة ومصنع "زنوسي" بمنطقة الرمل وهناك حى جناكليس فى منطقة الرمل أيضاً نسبة إلى نيكولا بيراكوس الشهير ب"جناكليس" مالك مزارع العنب ومصانع التقطير الشهيرة الذى كان يونانياً يعيش فى الإسكندرية ومن أوائل سكان الحي العريق.
"الشيخ على".. اسم لبار هو الأقدم فى مصر كلها يقع فى مدينة الإسكندرية ما زالت بقاياه موجودة تتحدى الزمن تأسس عام 1900 على يد شريكين يونانيين وثالث فرنسي نجحوا فى اختيار مكان تجارى محض.
لا يزال البار يفرض وجوده ويحظى بزبائن أفضل قليلاً مما يحظى به أى بار سكندري حتى لو كان حديث الطراز وعلى البحر مثل "ايثاكا" لكن "الشيخ على" هو واحد من أكثر محال الإسكندرية كثافة نظراً لأن أفواج السياح القادمين من الغرب المتوسطي باتوا يعتبرون هذا البار قطعة أثرية خالدة فى مصر.
ولكن لماذا "الشيخ على"؟.. تساؤل فرض نفسه على ذهن الكاتب الذي ذهب يبحث عن سبب تسمية بار يقدم الخمور والبيرة بهذا الاسم إلا أنه توصل إلى بعض ممن قالوا له إن المالك المصري الذي اشترى البار فى الستينيات من القرن الماضي من ملاكه الذين كانوا حتى هذا الوقت من الأجانب حيث كان اسمه بار "كاب دور" إلا أن المصرى كان مصمماً على إغلاقه كل يوم جمعة ربما تحت وطأة الإحساس المؤقت بالذنب لذلك أطلق عليه الناس هذا الاسم.
عصير القصب
"ايليت" اسم لبار يقع فى شارع صفية زغلول قرب ميدان محطة الرمل وكان دليلاً على قوة الجالية اليونانية فى الإسكندرية. عاش هذا البار الذى تأسس على طراز خاص نحو 115 عاماً منذ تأسيسه إلا أنه تعرض فى السنوات الأخيرة لضربات موجعة حينما تم التفريط فى جزء من المطعم القديم لصالح "محل عصير" وهو ما ينهى أسطورته الأثرية.
وكما يسرد "خير الله" فإن البار كان فى البدء عبارة عن "كوخ" أسسته مدام "إيليت" كمطعم فى أوائل القرن العشرين ولم يكن مطعمها الشهير فى قلب الإسكندرية كما هو الآن محاطاً بسياج خشبى بل كان عبارة عن "كراسي" مرصوصة فى الشارع تمت إحاطتها بالأسوار الموجودة الآن منذ ما يقرب من 50 عاماً على يد مدام "كريستينا كوستانتينو" المستأجرة للأرض من الكنيسة اليونانية مالكة الأرض وكانت تديره مع زوجها "ميخال" اليوناني.
بداية النهاية لهذا البار كانت مطلع عام 2010 حينما تم رفع دعاوى قضائية من قبل أحد المحامين وكيلاً عن "أليكس ديمتري فيليب ماثيوس" ابن مالكة المحل الراحلة ضد إدارة المحل بسبب ما اعتبره تخريباً وإهداراً لقيمته الأثرية النادرة وإغلاقه بدعوى التجديد لعدة شهور قبل أن يتم اقتطاع أجزاء منه لصالح محلات أخرى.
لم يعد أحد يتذكر أيام مجد هذا البار التى عرف فيها هذا المكان ابتسامات النجوم من عينة يوسف شاهين وعمر الشريف حينما كان الجلوس فى "إيليت" نوعاً من الفخامة لا يعرف لذتها سوى أهل الفن والأدب والمشاهير والملوك من الروائى العالمى نجيب محفوظ إلى كوكب الشرق أم كلثوم والملكة فريدة والملكة ناريمان وزوجها ومن المغنى اليونانى السكندرى ديميس روثوس إلى الفنانة الفرنسية مصرية الأصل داليدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.