مصادر لرويترز: إسرائيل تزيل ألغاما على حدود الجولان    بريطانيا تعلن مجموعة جديدة من العقوبات على المستوطنين الإسرائيليين    البورصات الأوروبية تغلق على انخفاض مع تراجع أسعار النفط    وزير الخارجية يبحث تشجيع الشركات البريطانية على تعزيز استثماراتها فى مصر    وسام أبو على يسجل هدف تعادل فلسطين ضد الكويت بالشوط الأول.. فيديو    لبنان: استشهاد 150 من العاملين بالصحة وخروج 13 مستشفى عن الخدمة    إجراء اختبارات محو الأمية بمراكز الشباب فى كفر الشيخ ضمن مبادرة بداية    الأمن يكشف ملابسات فيديو إيقاف شخص بأحد الأكمنة واحتجازه بالجيزة    لضمان سلامتها، المترو يراجع القطارات قبل تحركها من الورش للعمل    لطيفة تهنئ الشعب التونسي بالذكرى ال61 لعيد الجلاء    عمرو مصطفى: استخدامي الذكاء الاصطناعي في الأغاني يعرضني للهجوم.. وهناك مافيا في عالم الإنتاج الغنائي    زيزو يعوض غياب صلاح في تشكيل منتخب مصر أمام موريتانيا    15 صفقة.. الجونة يتعاقد مع ثنائي نيجيري    كرة يد - فوز سيدات الأهلي على أوتوهو والتأهل لربع النهائي    جامعة عين شمس تستقبل وفدًا من جامعة TH Koeln الألمانية لبحث التعاون المشترك    ما سبب إعادة مجلس الشيوخ قانون البناء الموحد للجنة الإسكان مره أخرى؟    الإعدام للمتهمة بإنهاء حياة زوجها بالشرقية بعد اكتشافه خيانتها    وزير الأوقاف يُعزِّي أسر الطلاب "شهداء العلم" في حادث الجلالة    خبير اقتصادى: الطروحات الحكومية ترفع كفاءة التشغيل وتضخ استثمارات لتطوير الخدمة    وزير الأوقاف يزور ضريح العالم المصري الأزهري محمد عياد الطنطاوي بروسيا (صور)    أحمد سعد نجم الليلة التاسعة بمهرجان الموسيقى العربية فى الأوبرا السبت المقبل    خالد الجندي: هذه الأفعال ستجعل الله يدخلك الجنة بلا عذاب ولا حساب    وكيل صحة البحيرة يحيل مديرة وحدة طب الأسرة بقرية مليحة للتحقيق (صور)    الصحة: 8 حالات غير مستقرة من مصابي حادث طريق الجلالة    وزير الصحة يلتقي نظيره التونسي ويبحث تعزيز التعاون في المجال الصحي    الحكومة البريطانية تفرض عقوبات على منظمات تشارك في بناء مواقع استيطانية بالضفة الغربية    الملك عبد الله الثاني يؤكد ضرورة الاستمرار بتعزيز الجاهزية والتدريب للقوات المسلحة الأردنية    أستاذ عقيدة: فهم الإسلام الصحيح يحمى أبنائنا من التطرف    قبل اتساع نطاقها.. وزير الأوقاف السابق يدعو لوقف العدوان على غزة ولبنان    البابا تواضروس يلقي العظة الأسبوعية من كنيسة الملاك ميخائيل بشيراتون    وزير التجارة والاستثمار يبحث مع السفير التركي تعزيز التعاون الاقتصادي    التمور في الأحساء.. محصول زراعي ارتبط بالإرث الثقافي والاجتماعي    شهد سامي تحرز برونزية بطولة مالابو المفتوحة للتايكوندو بغينيا الاستوائية    نصر علام: دخول اتفاق عنتيبي حيز التنفيذ "عبث لا يرقى لمستوى الدول"    وزير الأوقاف: نرفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم حتى لا يتم تصفية القضية    حكم قراءة سورة الفاتحة بنية شفاء المرضى وقضاء الحاجات    محاضرة توعوية حول مخاطر المخدرات وطرق الوقاية منها ببيت ثقافة طهطا بسوهاج    "القومى للمرأة" يشيد بمبادرة حقوق الإنسان بوزارة الداخلية للأشخاص ذوى الإعاقة البصرية    وزير الإسكان يتابع مشروعات إعادة إحياء القاهرة الإسلامية والفاطمية بمحافظة القاهرة    «أوراسكوم للتنمية» توقع اتفاقية تمويل ب155 مليون دولار (تفاصيل)    نادين نجيم وملح الفن ضيوف برنامج "صاحبة السعادة"    السعودية تعلن استمرارها في معالجة الوضع في غزة وتداعيات الأحداث في لبنان    حملة 100 يوم صحة.. تقديم أكثر من 118 مليون خدمة مجانية خلال 75 يوما    الأونروا: تطعيم 93 ألف طفل فى الجولة الثانية من حملة التحصين ضد شلل الأطفال فى غزة    محافظ القاهرة: وضع قرية الفخار والمجمع الحرفى على خريطة المزارات خلال المنتدى الحضرى العالمى    2000 فرصة عمل والتقديم أونلاين.. وزارة العمل تعلن تفاصيل أول قائمة    العويران: أنا زملكاوي وسأقيم مباراة اعتزالي ضد الزمالك    ترشيح لحسام البدري لتدريب شباب بلوزداد الجزائري    الخميس.. الثقافة تطلق مهرجان أسوان احتفالًا بتعامد الشمس بمعبد "أبو سمبل"    "زي النهارده".. مؤمن زكريا يقود الأهلي للتتويج بالسوبر على حساب الزمالك    وزير الخارجية يترأس الاجتماع الثانى ل"العليا لحقوق الإنسان" بحضور ضياء رشوان    محافظ القليوبية: تقديم تسهيلات للمواطنين الجادين في طلبات تقنين أوضاعهم    وزير الإسكان يُعلن عن أكبر طرح للأراضي السكنية المتنوعة ب20 مدينة جديدة    "لا يسخر قوم من قوم".. تعظيم حرمة الإنسان وعدم التنمر موضوع خطبة الجمعة    تحرير 1138 مخالفة تموينية متنوعة بالفيوم خلال أسبوعين    دفاع المتهمين بفبركة سحر مؤمن زكريا يطلب استبعاد تهمتى النصب والابتزاز    «بجبر بخاطر المشاهدين».. أقوال صادمة للزوجة المسحولة بسبب فيديوهات تيك توك    حار نهاراً ومعتدل الحرارة ليلًا.. حالة الطقس اليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوجه الآخر لبارات مصر:
ملتقي الكُتَّاب ومخبأ الثوار
نشر في أخبار الأدب يوم 20 - 02 - 2016

في مخيلة العامة البار مكان للسكر؛ لا يخطو المرء عتبته إلا ليغيب عن الوعي. لكن الواقع مغاير تماماً، فمن البار خرج أهم كُتًّاب القرن العشرين وقامت ثورات.. كل الثورات تقريباً. لذلك لم يكن غريباً أن يُهدي الشاعر محمود خير الله كتابه (بارات مصر) إلي الحالمين بالثورات الكاملة، الذي تناول فيه الأدوار التي لعبتها البارات خلال اللحظات الحرجة التي مر بها الوطن، إذ يري أن القيم التي حفظتها البارات للثقافة ربما تكون أعظم انجازاً مما فعلته بعض أجهزة الدولة الثقافية الرسمية، وأفضل بكثير مما فعلته بعض الأحزاب.
من أهم هذه البارات، كافيه ريش الموجود في شارع طلعت حرب. يعتبره الكاتب دليلاً علي استمرار الثورة وتألقها، فقد لعب "ريش" إلي جوار بعض المساجد والكنائس أدواراً عظيمة ومُلهمة في تاريخ هذا البلد، عبر انحيازه الدائم إلي الثوار طوال القرن الماضي، حيث كان الملاذ الآمن لهم، بل وأسهم في صناعة شيء من نجاح هذه الثورات. فقد اختبأ سعد زغلول مع الثوار في قبو الكافيه، الذي يقع مباشرة تحت المكان الذي كان يجلس فيه الروائي نجيب محفوظ، وفيه طُبعت منشورات ثورة 1919 المناهضة للاحتلال الانجليزي، ولا يزال الكافيه يحتفظ بالمطبعة حتي الآن كشاهد علي هذه المرحلة. وفي أحداث 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، تلقي الثوار الغذاء والدواء علي نفقة "ريش"، واستعملوا الأبواب السرية للقبو.
ظل "ريش" مكاناً أرستقراطياً، يجذب إليه الساسة والمثقفين، فقد جلس فيه توفيق الحكيم ويوسف إدريس ونجيب محفوظ ويحيي الطاهر عبد الله وأمل دنقل ونجيب سرور وفاطمة اليوسف ومحمود المليجي ورشدي أباظة وعادل إمام. فقد أطلق عليه عبد الرحمن الرافعي اسم "ملتقي الأفندية" الذي يجتمع فيه الداعون إلي الثورة، ففي أواخر السبعينيات خرجت من الكافيه مظاهرة بقيادة يوسف إدريس وإبراهيم منصور احتجاجاً علي معاهدة كامب ديفيد. يقول محمود خير الله، ومنه صُدر بيان المثقفين العام 1981 الرافض لقرارات السجن والاعتقال، وشهد ولادة مجلات الثورة مثل (الكاتب المصري) التي رأس تحريرها الأديب طه حسين و(الثقافة الجديدة) و(جاليري 68).
يقول محمود خير الله: سوف يربكَك وجود المثقفين الذين عبروا هذا المكان. ستفقد القدرة علي التركيز لأن الزمن سوف يمر مختلطاً بأحداث ومشاهد سينمائية وأغنيات ومسرحيات. ستكتشف أنه ليس من المبالغة القول إن كل الثورات مرت من هنا، ثورات السياسة وحركات الفن الثوري وجماعاته. ريش باستعارة لغة المؤرخ جمال حمدان هي "نافورة" الحِراك في وسط البلد و"بالوعته" في الوقت نفسه. وكان الأكثر جدلاً حتي هجاه أحمد فؤاد نجم في واحد من أشهر قصائده: (يعيش المثقف علي مقهي ريش.. يعيش يعيش يعيش.. محفلظ مزفلط كتير الكلام.. عديم الممارسة.. عدو الزحام).
"ستللا" أيضا كان من أكثر البارات ارتباطاً بالوسط الثقافي، له باب ضيق يفيض إلي عالم من الضوء الخافت والشخوص والحكايات. يقع في الدور الأرضي من عقار يطل علي ناصيتين مهمتين، تقاطع شارعي هدي شعراوي وطلعت حرب. احتضن "ستللا" أفكار القصائد وعناوين القصص والأعمال الدرامية. فهو بار الخارجين عن الدولة والمثقفين الذين يسهرون فيه غالباً. عُرف "ستللا" باسم المخزن، إذ نوي صاحبه حين أنشأه أن يكون مخزناً للبيرة، لكنه سرعان ما حوَّله إلي بار، ومازال الكثيرون يشيرون إليه حتي الآن باسم المخزن.
يظن الكاتب أن اسم المخزن له دلالات كثيرة، فقد يكون تعبيراً مجازياً عن كمية الأسرار والنميمة الثقافية التي يشهدها هذا المكان، أو هو مخزن دموع المثقفين، فعلي كثير من مقاعده ومناضده، جلس المثقفون وبكوا، مثل أمل دنقل ويحيي الطاهر عبد الله، إلي أن شاهد بنفسه صديقهما الناقد الأدبي فاروق عبد القادر يبكي في هذا المكان. نجيب سرور جاء إلي هنا أيضاً، وألقي قصائده الملتاعة عن مصر. كذلك الروائي محمد مستجاب كان يجلس ويشرب ويكتب.
أما مقهي وبار الحرية الكائن في باب اللوق، فله أجواء مختلفة، إذ يتمتع بالحس الشعبي، ويعتبر المكان الأكثر احتشادا بالمتناقضات في الوسط الثقافي، حيث يقصده الأجانب والمثقفون والمدعون والباحثات عن الحقيقة والباحثات عن العملة. المقهي موجود علي الأرض التي كانت تضم بيت الزعيم أحمد عرابي مُلهم الثوار في المائة عام الأخيرة، ومن هذا البيت خرج عرابي مع مؤيديه إلي قصر عابدين ضد الخديو توفيق، وبعد فشل الثورة ألقي القبض علي عرابي، حيث تم نفيه إلي سيلان، وهُدم بيته، وتم بناء عمارة جديدة علي الطراز الانجليزي، وفي طابقها الأرض تأسس المقهي الذي تم افتتاحه عام 1936.
احتضن "الحرية" من ثاروا ضد فساد الملك فاروق الأول، ووفقا لمذكرات ملك القطن محمد أحمد فرغلي باشا (عشتُ حياتي بين هؤلاء) فإن الضباط الأحرار اجتمعوا كثيراً فيه، ومن هناك قرروا القيام بثورة 1952، لإسقاط الملكية. لم يحظ المقهي بالشهرة التي تمتع بها كافيه ريش بين الثوار، فكان الطلبة الأكثر تردداً عليه، يناضلون بالغناء، خصوصاُ في عهد حسني مبارك، ولم يكن المقصد الرئيسي لأغلب المثقفين، وحده بيرم التونسي شاعر العامية أبرز علامات هذا المقهي خلال سنوات الثلاثينيات والأربعينيات. وعلي الرغم أنه لا توجد قصائد تتناول مقهي الحرية إلا أنه حظي باهتمام بعض الروائيين، مثل أسامة الشاذلي الذي كتب رواية تحمل اسم المقهي، والذي يحكي فيها عن أبطال المقهي المهزومين.
بارات كثيرة اختفت خلال العقود الثلاثة الماضية، فكان شارع عبد الخالق ثروت يضم ستة بارات لم يبق منها سوي بارين، هما (الهاليجيان) يقع علي بعد أمتار قليلة من نقابة الصحفيين، و(الكاب دور) يقع في إحدي العمارات القديمة المتهالكة وكان رشدي أباظة دائم التردد عليه. ذكر محمود خير الله إنه التقي في هذا المكان صديقه الشاعر الراحل مجدي الجابري، وسمعه وهو يوبّخ أحد الشعراء قائلاً: "النجومية ليست بالضرورة طريق الشاعر". كان (الكاب دور) ملتقي رموز الطبقة الوسطي المكافحة الذين يعانون من الفقر والظلم. هناك فقط يمكنك أن تستمع إلي أفكار الناس وأحلامهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.