بعد أكثر من عشر سنوات من الخلافات والمناقشات حول قانون الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس استطاع المجمع المقدس حل المشكلة التي أرّقت الكنيسة لسنوات طويلة، حيث حسم 109 أسقفاً حضروا اجتماع المجمع الأخير والذي عقد نهاية الأسبوع الماضي بدير وادي النطرون القضية وأصدروا قانوناً جديداً لأحوال الشخصية. وصدر القانون الجديد بعد أن وافق الأساقفة علي مقترح الهجر لمدة خمس سنوات كسبب للطلاق، شريطة احتفاظ الكنيسة بحقها فى منح تصاريح الزواج الثانى، وهو البند الذى شهد من قبل خلافات حادة بين أساقفة المجمع المقدس، ولكن البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، كان يميل لإقرار الهجر كسبب للطلاق باعتباره كسراً لوصية المسيح، بينما كان فريق آخر من الأساقفة يتمسك بعدم إقرار تلك المادة. وعددت الكنيسة في اللائحة الجديدة أسباب بطلان الزواج لتشمل الإدمان والإلحاد والأمراض التى يستحيل معها إقامة علاقة زوجية، إضافة إلى الهجر لخمس سنوات، وبذلك توسعت فى تفسير آية "لا طلاق إلا لعلة الزنا" التى كانت السبب الوحيد للطلاق فى عصر البابا شنودة الثالث، وتحديدا منذ عام 2008 وحتى الآن. من جانبه قال البابا تواضروس الثانى، بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية عن اللائحة الجديدة "لابد وأن يعلم الجميع أن العائلة هى أيقونة وجمال الكنيسة ولذلك اخترنا الحديث عن الأسرة خلال سيمنار الأسرة". وأضاف البابا فى عظته الأسبوعية التي ألقاها عقب اجتماع المجمع المقدس الأربعاء الماضي "هناك موضة هذه الأيام وهي التبني لكن إحساس البنوة يكون معدوماً، وهناك ما يسمي بسعادة التواجد مع الأبناء"، مشيراً إلي أن هناك أجهزة حديثة تساعد علي تفكيك الأسرة. وأضاف "ناقشنا أفضل قانون للأحوال الشخصية وكان الاتفاق أكثر من رائع في جو يسوده المحبة، فالمجمع له اجتماعين وسيمنار يناقش فيها الأمور المستجدة، ونأخذ فيها توصيات يتم تطبيقها عملياً بعد ذلك". على صعيد آخر.. تباينت أراء متضرري الأحوال الشخصية حول اللائحة الجديدة فمنهم من وافق عليها وأكد أنها رائعة وحل يرضي الجميع، بينما رأى البعض الأخر أن اللائحة ليس لها وجود خاصة وأن الكنيسة لم تنشر صورة منها حتي الآن، فى حين أكد آخرون أن قرار المجمع ليس بجديد ولكنه عودة إلي لائحة قديمه كانت تطبق من قبل. وأشار متضررو الأحوال الشخصية إلي أن اللائحة الجديدة ستفتح المجال أمام الزواج المدني وأنها ستعطي الحق في الطلاق المدني فقط ولن تلزم الكنيسة بإصدار تصريح بالزواج الثاني. من الموافقين علي اللائحة الجديدة نادر الصيرفى مؤسس رابطة أقباط 38، والذي أكد أنها ستفتح الباب أمام المزيد من الحرية الشخصية وتسمح للكنيسة بالتمسك بحقها فى منح تصاريح الزواج الثانى. وأوضح أن اللائحة الجديدة جزء من مقترح تقدمت به رابطة 38 إلي رئاسة الجمهورية العام الماضى، مشيراً إلى أن فكرة القانون مبتكرة ومستحدثة وتختلف جذريا عن أي قانون أو لائحة في تاريخ الكنيسة حيث تم الفصل التام بين فكرة الطلاق و تصريح الزواج الثاني، ويترتب على ذلك إمكانية فسخ العقد المدني وفقا لبنود واقعية لا يشترط تطابقها مع القوانين الكنسية والتي كانت تضع شروطاً كثيرة للحكم بالطلاق الكنسي. وأوضح "الصيرفي" أن تمسك بعض متضرري الأحوال الشخصية بضرورة اشتراك الدولة والكنيسة في منح تصاريح الزواج الثاني لن يفيد في شيء، مضيفاً "التمسك بالزواج يعيدنا الى نقطة الصفر، فمن كان قادراً وراغباً في الزواج الثاني يمكنه أن يتزوج مدنيا". ولكنه عاد ليقول "تشريع الزواج المدني مستحيل في ظل وجود المادة الثانية، فلا يمكن تلبية رغبات البعض طالما أنها تصطدم مع النظام العام". وحول ما يُروج من أن القانون الجديد سيفتح الباب أمام الزواج المدني قال "ما علاقة قانون الأحوال الشخصية بتشريع الزواج المدني الخاضع لولاية البرلمان، فالقانون يحل الكثير من المشكلات ولا يوجد أي رابط بينه وبين الزواج المدني خاصة وأن الكنيسة لا تعترف بهذا الزواج". وأوضح أشرف أنيس، مؤسس حركة "الحق في الحياة"، أن قرار الهجر الذي خرج به المجمع المقدس فى السيمنار ما هو إلا اعتراف بأن لائحة 38 التى ألغيت كانت على صواب وأن مقولة لا طلاق إلا لعلة الزنا كانت مجرد وسيلة للهروب من المشاكل التى كانت تواجه قيادات الكنسية فى ذلك الوقت. وتابع "رغم ذلك فإن هذا القرار سيُطبق على من حصلوا على أحكام طلاق فقط أما من يبحثون عن الطلاق فسوف يظلوا معلقين داخل أروقة المحاكم حيث أنه لا يوجد قانون يطبق على المسيحيين يسمح بالطلاق بسبب الهجر كما أن المؤسسة الكنسية لم تنشر تفاصيل مشروع وبنود القانون كما حدث قبل ذلك ومن ثم لا نستطيع الحكم عليه". وأكد انه لا يستبعد أن يكون الحديث عن اللائحة جديدة ما هو إلا مسكنات حتي لا يتظاهر متضرري الأحوال الشخصية ضد الكنيسة من جديد. وطالب "أنيس" الدولة بسرعة إيجاد حلول للمطلقين والذين ترفض الكنيسة زواجهم بعد محاكمتهم داخل المجلس الاكليريكى وتراهم من وجهة نظرها مخطئين. وأشار إلى أن المتضررين والذين يعانون من مشكلات ينتظرون أكثر من 7 سنوات للحصول على أحكام طلاق وتصريح بالزواج وهو ما يهدر عمر الإنسان. وتابع "نحن نرى أن ما يحدث من تصريحات ما هى إلا تخبط ولن تؤدى بنا إلى نتيجة تنهي الجدل حول قانون الأحوال الشخصية، فنحن نريد من الدولة سرعة إصدار قانون مدنى للأحوال الشخصية المسيحية بعيدا عن القوانين الكنسية". ويطالب نادر صبحي، مؤسس حركة شباب كريستيان للأقباط الأرثوذكس، الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالرد على تساؤلات الشعب وإعلان مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، مشيراً إلي أن وسائل الإعلام نشرت خبراً عن اللائحة الجديدة وتطبيق بند الهجر لمده 5 سنوات دون نشر نص اللائحة". وأكد أن تطبيق بند الهجر بالقانون الجديد والتي تكون مدته خمسة أعوام بدلا من ثلاثة يعتبر رجوع لنقطة الصفر بل ويزيد الأمور تعقيدا، مشيراً الي أن هناك خلط كبير بين الهجر والغيبة، وهذا الخلط من الممكن أن يجعل هناك صداماً بين الكنيسة والقضاء، حيث إن الهجر يعني ترك أحد الزوجين منزل الزوجية لكن معلوم مكانه، بينما التغيب يعني اختفاء أحد الزوجين ولا يعلم مصيره وهل هو على قيد الحياة أم لا. ورفض "صبحي" احتفاظ الكنيسة بإعطاء تصاريح الزواج الثاني، مشيراً إلي أن الدولة ستصدر أمراً بالحصول على الطلاق المدني، وبالتالي من حقها الاشتراك مع الكنيسة في إصدار تصاريح بالزواج الثاني. وقال هاني عزت، مؤسس حركة منكوبي الأحوال الشخصية، "لا شك أن تطبيق شرط الهجر لمدة خمس سنوات كسبب للطلاق فى المحاكم هو بارقة أمل جديدة ولكن المدة طويلة ونرجو أن يتم تقليصها إلى ثلاث سنوات، فنحن نعلم كم الضغوط سواء من جانب الدولة أو البابا على المجمع لتمرير الهجر الذى كان يمثل رغبة حقيقية للبابا فى تشريعه وهذا ما حدث". واستبعد "عزت" ما يتردد حول عدم وجود لائحة جديدة من الأساس حيث قال "من المؤكد أن هناك لائحة جديدة ولكن تحتاج إلى صياغة وإلا سيكون المتحدث الرسمى للكنيسة كاذباً وكذلك صفحة الكنيسة الرسمية علي موقع التواصل الاجتماعي".