هيئته، وملابسه، ومنظر يديه، وقدميه توحى بأنها لم تمسها المياه منذ أيام عديدة، اكتست يداه الصغيرتان بطبقة من السواد، ينتشر أحمد، وعدد من رفاقه المشردين الذين يقاربونه بالسن، بالقرب من إشارات المرور بوسط القاهرة،، ليقوموا بأعمال "التسول" في هذا الحر الشديد وسط السيارات المسرعة غير آبهين بالخطر الكبير الذي يهدد حياتهم، ذلك لأنهم يرون في "الشحاذة" مصدر رزقهم خاصة أنهم لا يجيدون أي مهنة أخرى ليقتاتوا منها على حد قولهم. بدأ أحمد فى سرد قصته التراچيدية ل "الموجز"، قائلًا:" أنا فكرت كتير قبل ما اختار الرصيف بيتى، وبقايا المطاعم طعامى، وشلة الشارع أصدقائى، لكن أعمل ايه أنا زهقت من صراخ أمي كل ليلة، لما بيضربها أبويا وهو سكران، وكنت كتير بقعد أبكى، وأخواتى الصغيرين كانوا بيترعبوا من صوت أبويا وهو بيشتم أمى، ويقعدوا فى ركن فى الأوضة خائفين، وطول النهار كنا بنكون جعانين لحد ما يغمى علينا، ده غير الرعب، والخوف بالليل من صوت أبويا، أمى ما قدرتش تستحمل العيشة دى واطلقت، واتجوزت راجل تانى، وأبويا كمان اتجوز، وأنا وأخواتى ضعنا فى الوسط، ولا جوز أمى، ولا مرات أبويا استحملونا، وكان أبويا بيضربنى، ويكوينى بالنار، ويحرمنى من الأكل، ويقول لو مش عاجبك روح لأمك، ولو روحت لأمى، كان جوزها بيزعق لها، ويقولها هصرف عليهم منين، وسبت البيت وأنا عندى سبع سنين، ونسيت مكانه كان فين، حتى لو فكرت ارجع تانى مش هعرف." وأضاف بنبرة حزينة:" كنت فاكر إنى هلاقى راحة فى الشارع، لكن ملقتش غير الحرمان، والذل، والجوع، والبهدلة، والاستغلال، واشتغلت فى حاجات كتير، وأوقات كتير كان أصحاب الشغل منهم لله بيأكلوا الفلوس علينا، وبيسرقونا، عشان كده ريحت نفسى وبقيت اشحت فى الشوارع، وبقالى على الحال ده حوالى 7 سنين." وتابع:" الشغل فى الشارع مرعب، وبنتعرض للإذلال، والشتيمة كل يوم، ده غير الضرب، والإهانة، والضعيف ملوش مكان فيه، وأصعب الأيام هى لما يكون فى مطر، والأرض كلها تتبل، ومش بنلاقى شبر ناشف نقدر ننام فيه، ورغم أننا بنفرش بلاستيك ننام عليه، لكن مفيش فايدة الميه بتتسرب من تحته، وبتغرقنا، وأوقات كتير بنأكل من بواقى المطاعم، أو أكوام الزبالة، ولو لقيت "كانز" وفيه شوية "بيبسى" الدنيا مش بتكون سيعانى من الفرحة." توقف أحمدعن السرد قليلًا، ثم أكمل:" فى الشارع ممكن تقدر تعمل كل حاجة، تشرب سجاير، أو مخدرات، أوبرشام، والأعتداء جنسيًأ على الأطفال وهتك عرضهم، ده غير الشذوذ الجنسى اللى أدمنه معظم أطفال الشوارع، من الآخر كل حاجة عند الأطفال اللى بيناموا فى الشارع مُتاحة، ومفيش عيب، ولا حرام، احنا عايشين زى الحيوانات، أو أقل، ومحدش بيسأل فينا، أو حاسس بنا." وعندما سألناه، لماذا لم تفكر فى الذهاب إلى دار رعاية ل "أطفال الشوارع" أجاب، وليته ما أجاب حيث قال: "أمى وأبويا ما استحملونيش تفتكروا فى حد تانى ممكن يقدر يستحملنى". ولا يعرف أحمد ماذا يريد أن يكون عندما يكبر، ولكنه يقول:" اريد أن أكون سيد نفسى، ولا يتحكم فى أحد." وعن أحلامه، وما يتمنى تحقيقه قال:" احنا اللى زينا مش من حقهم يحلموا، ويتمنوا، أنا مش عايز حاجة من حد، وعاوز أفضل كده، أصلًا أنا مينفعش اعيش غير فى الشارع، ولو نمت فى مكان تانى مش هكون مستريح، ولكنه تردد لحظة ثم قال: "لأ أنا كدبت عليكم، أنا بصراحة تعبان من النوم فى الشارع، ونفسى يكون عندى بيت، وعيلة، بس إزاى ده مستحيل! "