يبدو أن حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعاني منها مصر، قد انعكست على الحالة الأمنية لقناة السويس؛ حيث تعرض ذلك المجرى الملاحي في عام 2013، وخلال أقل من شهرين، لهجمتين مسلحتين بالقذائف الصاروخية، مستهدفةً سفن كبرى شركات الشحن الملاحي الغربية، وهو الأمر الذي طرح احتمالية نجاح تلك الهجمات المسلحة، مستقبلا، في إيقاف حركة الملاحة في القناة، وبالتالي تهديد حركة التجارة الدولية. وفي هذا الإطار؛ قدّم ستيفن ستار، الباحث المتخصص في شئون الشرق الأوسط، مقال في دورية "CTC Sentinel" التي تصدر عن "مركز مكافحة الإرهاب من وجه النظر الغربية combating terrorism center at west point" تحت عنوان: "هل أمن قناة السويس في خطر؟"؛ رؤيةً حول مكانة قناة السويس في التجارة الدولية، وأبرز مصادر تهديداتها الأمنية، وتأثير تطور طبيعة تلك التهديدات على حركة التجارة الدولية في المستقبل. مكانة قناة السويس في التجارة الدولية يستهل ستار مقاله بالحديث عن الأهمية الاقتصادية لقناة السويس، ليس بالنسبة لمصر فقط؛ بل لحركة التجارة الدولية بأسرها، حيث تربط قناة السويس بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط؛ إذ يمر 7% من إنتاج النفط العالمي و12٪ من إنتاج الغاز الطبيعي المسال عبر قناة السويس، مما يجعلها مركزًا حيويًّا لتجارة الطاقة في العالم. ويذكر أنه تم توقف حركة الملاحة بها خمس مرات فقط على مدار تاريخها الممتد ل144 عامًا ويشير الكاتب إلى أن القناة تعد أحد أهم مصادر العملة الأجنبية للاقتصاد المصري، خاصةً في ظل تراجع عوائد السياحة في مصر بعد الثورة؛ حيث تبلغ عوائد قناة السويس 5 مليارات دولار سنويًّا. وكتب ستار أنه في عام 2012، عبرت قناة السويس حوالي 17225 سفينة؛ حيث تستخدم كبرى شركات الشحن الملاحي على مستوى العالم قناة السويس لنقل بضائعها. ويضيف ستار، أنه في إبريل عام 2013، قررت أكبر شركة للشحن الملاحي في العالم، Maersk Line، الاعتماد بشكل أساسي على قناة السويس بدلا من قناة بنما، فيما يتعلق بسفنها المارة من شرق آسيا إلى الشواطئ الأمريكية والعكس، وذلك بسبب ارتفاع رسوم المرور التي تفرضها قناة بنما، إضافة إلى أعمال التوسع التي تجري فيها خلال الفترة الحالية. وهو الأمر الذي أضفى على قناة السويس المزيد من الأهمية على مستوى التجارة الدولية. مصادر التهديدات الأمنية لقناة السويس يركز ستار في هذا الجزء على استعراض أبرز مصادر التهديدات الأمنية لقناة السويس في الآونة الأخيرة، والتي تتمثل في العمليات التي قامت بها جماعة "كتائب الفرقان"؛ حيث قامت عناصر مسلحة من تلك الجماعة بمهاجمة سفينتين في قناة السويس، يومي 29 يوليو و31 أغسطس من عام 2013، مستخدمين القذائف الصاروخية "آر بي جي"، وفي كلتا الحالتين، كانت هناك أضرار طفيفة فقط على السفن. وتعد جماعة "كتائب الفرقان"، التي أعلنت بعد ذلك مسئوليتها عن العمليتين، إحدى الجماعات التي تتبنى أيديولوجية "القاعدة"، على الرغم من عدم وجود اتصالات مباشرة بينهما، وهي تتخذ من شبه جزيرة سيناء مقرًّا لها، وقد وعدت بالمزيد من الهجمات على حركة الملاحة البحرية في قناة السويس، مُدّعين أن القناة أصبحت "معبرًا آمنًا لحاملات طائرات العدو التي تعتدي على المسلمين". وتحدث ستار بعد ذلك عن محدودية المعلومات حول هجوم 29 يوليو، ولكن مقطع الفيديو الذي نشرته الجماعة أظهر مجموعةً مسلحةً تطلق صاروخًا على السفينة، تحت جنح الظلام. ورغم ذلك قللت السلطات المصرية من أهمية ذلك الحادث حينئذ. ولكنها أعلنت سريعًا عن تورط جماعة "كتائب الفرقان" في تدبير الحادث الثاني، الذي وقع في 31 أغسطس 2013؛ حيث أطلق رجلان قذائف صاروخية على جسم سفينة COSCO Asiaفي وضح النهار. ويرى ستار أنه رغم استخدام "كتائب الفرقان" لذات اللغة التي تستخدمها القاعدة في بياناتها، وهي اللغة المعادية للغرب؛ فإن تلك الجماعة لا تعتمد -مثل القاعدة- على العمليات الانتحارية؛ بل على استغلال التقدم التكنولوجي بذكاء، وهو ما يجعلها جماعة أكثر تطورًا، وأكثر بعدًا عن أنظار السلطات. ويشكك ستار في تصريحات السلطات المصرية التي أكدت في الأول من سبتمبر 2013، أنها تمكنت من القبض على المتورطين في الهجوم على سفينة COSCO Asia، والذين استخدموا المدافع الرشاشة في هجومهم هذا، رغم أن فيديو العملية يُظهر الهجوم، وقد تم باستخدام القذائف الصاروخية. وقد امتدت عمليات "كتائب الفرقان" إلى داخل القاهرة، عندما أعلنت مسئوليتها عن الهجوم على القمر الصناعي في المعادي، في أكتوبر 2013، مستخدمة أيضًا قذائف ال"آر بي جي" في ذلك الهجوم، بالإضافة إلى إعلان الجماعة مسئوليتها عن عدد من الاغتيالات التي استهدفت رجال الأمن المصريين. ويؤكد ستار أن "كتائب الفرقان" ليست التهديد الوحيد لاستقرار الملاحة في قناة السويس؛ حيث إن استقرار الملاحة مرتبط أيضًا بالأوضاع الأمنية في شبه جزيرة سيناء، حيث تُعد المناطق الشمالية في سيناء موطنًا لنشاط الجماعات المسلحة المتشددة، والتي يأتي على رأسها المسلحون الفلسطينيون الذين يقومون بمحاولة نقل البضائع والأسلحة إلى قطاع غزة. ويفترض ستار أن انصراف اهتمام قوات الأمن المصرية عن تلك الجماعات، وتركيز جهودها على مواجهة المحتجين؛ قد أعطى الفرصة لتوسع أنشطة هذه الجماعات. وعلى الرغم من كثافة العمليات الأمنية المصرية، في الآونة الأخيرة، ضد الجماعات المسلحة في سيناء؛ فإن تلك الجماعات نجحت في القيام بعدة هجمات هناك. ففي 7 أكتوبر من عام 2013؛ هاجم مسلحون مجهولون مركبةً تابعةً للجيش المصري قرب قناة السويس، مما أسفر عن مقتل ستة جنود. وفي اليوم نفسه، قاد انتحاري سيارة إلى مبنى الأمن في شبه جزيرة سيناء. وإضافة إلى كتائب الفرقان، هناك جماعات إرهابية أخرى تعمل في سيناء، بما في ذلك جماعة "أنصار بيت المقدس"، التي أعلنت مسئوليتها عن عدد من الهجمات على قوات الأمن المصرية في سيناء، ويُعتقد أن تلك الجماعات تشمل بعض البدو المحليين، وكذلك بعض المقاتلين الأجانب. تأثير التهديدات الأمنية على حركة التجارة الدولية عبر القناة يناقش ستار في هذا الجزء تأثير التهديدات الأمنية الآنية لقناة السويس على حركة التجارة الدولية عبرها، والتطورات المحتملة لطبيعة تلك التهديدات. حيث يُقرّ ستار بأن الهجمات الإرهابية والاضطرابات المتنامية في شبه جزيرة سيناء قد أثارت مخاوف واضحة بشأن استقرار حركة الملاحة عبر قناة السويس. ورغم ذلك لم تُبدِ كبرى شركات الشحن الملاحي في العالم قلقًا بالغًا من هذه العمليات، فعلى سبيل المثال، ذكرت شركة Maersk Lineأنها لا تنوي تغيير خططها المستقبلية حول استخدام مجرى قناة السويس، بسبب تلك التهديدات الأمنية الناشئة. وهو الأمر الذي يمكن فهمه، من خلال إدراك أن إغلاق قناة السويس من شأنه أن يضيف ما يُقدّر ب2700 ميل، للمسافة التي تقطعها الشاحنات في طريقها من المملكة العربية السعودية إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، مستخدمين طريق رأس الرجاء الصالح بدلا من قناة السويس. ويجادل ستار بأن الهجمات المسلحة التي تستخدم قذائف ال"آر بي جي" من غير المرجح أن تُغرق سفينة كبيرة بالقناة، وبالتالي تتوقف الملاحة. حيث لا يمكن إيقاف الملاحة في قناة السويس عبر إغراق سفينة كبيرة إلا باستخدام القوارب المفخخة، وهو الأمر الذي لم تستخدمه -أو لم تنجح به- إلى الآن "كتائب الفرقان"، ولكن ربما تكتسب "كتائب الفرقان" في المستقبل تلك القدرات -إذا ما أرادت- من خلال تعاونها مع الجماعات المسلحة الموجود في سيناء، والتي تتوافق معها من الناحية الأيديولوجية. وأخيرًا، أوضح ستار أن أي هجوم على سفينة نقل كبيرة وإغراقها سوف يؤدي إلى إغلاق القناة بأكملها لعدة أيام، أو لعدة أسابيع. ولكن حتى لو فشل المتشددون في إغراق سفينة كبيرة؛ فإن أي هجوم انتحاري يستهدف ناقلة ضخمة للبترول أو للغاز الطبيعي المسال، من شأنه أن يفي بنفس الغرض، وهو ما ستكون له آثار فورية على استخدام قناة السويس كمجرى ملاحي رئيسي في العالم.