ليس هناك أي فرصة للرئيس المعزول محمد مرسي في أن يحصل علي البراءة في الاتهامات الخطيرة التي تلاحقه... هكذا بدأ إريك تريجر المحلل الأمريكي والباحث السياسي المتخصص في الشئون المصرية مقاله علي صفحات الواشنطن بوست... ويضيف تريجر: إننا إذا حاولنا أن ننسي الاحتجاجات التي يقوم بها أتباع الإخوان، وأن ننسي الإجراءات القانونية المعقدة، فإن هذا هو كل ما نحتاج معرفته فيما يخص محاكمة محمد مرسي التي بدأت قبل عدة أيام في أكاديمية الشرطة، وهذه هي النتيجة الحتمية التي يمكن رؤيتها وتوقع حدوثها بهدف تلميع وترسيخ الانتفاضة التي قام بها الشعب علي حكم الإخوان في 30 يونيو وما قام به الجيش الذي أطاح بمرسي وإعطاء كل ذلك الشكل والإطار القانوني اللازم. ويوضح تريجر أن هذا التوقع لا يعني أن مرسي لن تتم محاكمته بالعدل، أو أنه سيحصل علي البراءة إذا تمت محاكمته عن نفس الجرائم المنسوبة إليه في أكثر المحاكم عدلا، مؤكدا أن هذا هو أيضا رأي أحد قادة الإخوان الذي أخبره به سرا، وهذا القيادي كان قد شارك مرسي في التخطيط لعمليات العنف التي قامت بها جماعة الإخوان ضد المتظاهرين في الاحتجاجات التي اندلعت بسبب الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المعزول، وذلك خلال اجتماع تم في يوم 4 ديسمبر بمنزله. وأضاف الكاتب: في اليوم التالي لهذا الاجتماع، هاجم كوادر الإخوان المتظاهرين خارج القصر الرئاسي بالاتحادية، وحدثت وقتها اشتباكات قتل فيها نحو 10 أشخاص وأصيب 748 آخرين؛ ومع ذلك، يتساءل تريجر عن السبب في عدم محاكمة وزير الداخلية السابق أحمد جمال الدين، الذي يقال إن قواته ساعدت الإخوان في تعذيب المحتجين خلال تلك المواجهات المصيرية، وهناك العديد من التقارير التي تثبت ذلك، متابعا حديثه: إن السبب وراء عدم ضم جمال الدين إلي قائمة الاتهام بجوار مرسي هو أن هذه المحاكمة بالأساس جزء من استراتيجية سياسية للحكومة الانتقالية لقطع رأس وتدمير الإخوان، وهو ما يعني أيضا المزيد من المحاكمات المتوقعة لكبار قادة التنظيم قريبا. ويقول تريجر: في نهاية المطاف، فإن الحكومة الانتقالية المدعومة من الجيش والتي تمتلك القوة والدعم الشعبي الأكثر بكثير مما لدي الإخوان، سوف تفوز في معركتها الحالية مع الجماعة المحظورة، وعلاوة علي ذلك، فإن مظاهرات الإخوان الفوضوية التي تطالب بإعادة مرسي، عززت فقط من مزايا تلك الحكومة والدعم المساند لها، وذلك لوقوفها بقوة ضد المظاهرات وحالة الفوضي التي يثيرها الإخوان في الشارع المصري في حين أن مقاومة الحكومة لهذه التظاهرات تلقي الاستحسان من جانب العديد من المصريين، وعلي الجانب الآخر فمع اعتقال كبار قادة الجماعة أو هروبهم، ومع حظر أنشطتها وتجميد أصولها المالية بحكم المحكمة، فإن الإخوان الآن علي شفا الدمار الكامل، كما أصابتها حالة من الفوضي فيما يخص التنظيم الهرمي وتوزيع المناصب والمهام فيها، كما أن مسألة حظر الجماعة قانونيا والخوف من الملاحقات الأمنية، يثيران حالة من الخوف بين أعضائها من أن يعلن قادتها الجدد عن أنفسهم أو حتي أن يقوموا بالترشح لشغل تلك المناصب داخل الجماعة. ومع ذلك، يؤكد تريجر أنه من السابق لأوانه القول بكتابة كلمة النهاية لجماعة الإخوان وانتهائها من التاريخ أو من الواقع سواء في مصر أو العالم، فهي نفس الجماعة التي عادت للظهور مجددا وبقوة بعد مرتين بعد اعتبار أنها أصبحت طي النسيان، فبعد اغتيال مؤسس الجماعة حسن البنا عام 1949، عادت إلي صدارة المشهد السياسي من خلال دعمها لثورة 1952 التي أطاح فيها الضباط الأحرار بالملك فاروق ثم في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والذي وضع الآلاف من الإخوان في السجون، عادت الجماعة إلي الظهور مرة أخري في السبعينات في ظل الحرية النسبية التي أعطاها لها الرئيس الراحل أنور السادات، وقامت الجماعة سريعا وبهدوء بإعادة بناء هياكلها وقياداتها في كل أنحاء البلاد، وهي القيادات التي مكنتها من الاستيلاء بسرعة علي السلطة فور الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك. ويضع تريجر السؤال الأهم الذي يدور في رأس الجميع وهو: كيف يمكن للإخوان أن يعودوا إلي الساحة السياسية مرة أخري بعد كل ما حدث؟ ويحاول تريجر أن يجيب عن السؤال بقوله: إن هناك ثلاثة احتمالات لهذا الأمر. أولا، يمكن لجماعة الإخوان أن تقوم بتأسيس المقر الرئيسي البديل في خارج مصر مؤقتا، وأن يعود ذلك المقر لمصر خلال فترة أقل قمعا بالنسبة لها، علي أن تقوم خلال تلك الفترة بإعادة بناء علاقاتها مع حلفائها وترتيب ملفاتها داخل مصر سواء من خلال الإنترنت والوسائل التكنولوجية أو التعامل الشخصي مع الآخرين؛ وهذا يعني تمكين قادة الإخوان الأعلي الذين تمكنوا من الهروب من البلاد وإعطاؤهم سلطات أوسع، ومنهم علي سبيل المثال، الأمين العام للجماعة محمود حسين، الذي تم رصده هاربا في تركيا أو قطر، وكذلك نائب المرشد جمعة أمين الذي يتواجد ويعيش في لندن ليقوم بتشغيل وإعادة إصلاح ما تضرر من التنظيم. ويؤكد تريجر أنه إلي حد ما، قام الإخوان بالفعل بوضع الأساس لهذه الاستراتيجية، حيث تحول المركز الاعلامي للجماعة إلي لندن وهي تستخدم هذه المحطة الخارجية لتشجيع وتحفيز كوادرها مرة أخري في القاهرة؛ وعلاوة علي ذلك، هناك سوابق لهذه الاستراتيجية بين الجماعات الإسلامية والتي نجحت من قبل فقد قام بها حزب النهضة التونسي خلال فترة التسعينات والألفية الجديدة، عندما اعتمد علي قيادته في لندن، وسرعان ما برز الحزب كقائد في تونس عقب ثورة 2011 هناك. كما أن جماعة الإخوان السورية انتقلت بالمثل بما تبقي من قيادتها إلي الخارج بعد الحملة التي قادها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في عام 1982 علي الجماعة، وقامت وقتها بتمويل السكن والتعليم لأعضائها في المنفي للحفاظ علي وجود واستمرار التنظيم؛ لكن ورغم ذلك، فهذه الاستراتيجية تتطلب قدرا كبيرا من الصبر والمال أيضا؛ فقد استغرق الأمر ما يقرب من عقدين من الزمان لحزب النهضة للعودة إلي تونس، في حين أن الإخوان في سوريا لا يزال وجودهم محدودا بعد أكثر من ثلاثة عقود في المنفي. ثانيا، يمكن لقادة الإخوان الذين هم في المستويات القيادية الأدني إعادة بناء التسلسل الهرمي لقيادات الجماعة من أسفل إلي أعلي؛ فبعد أن يتم الحكم علي مرسي وزملائه من قيادات الإخوان العليا بالسجن مدي الحياة (كما هو متوقع)، فيمكن للقيادات الإدارية المعروفة التي تنتشر علي نطاق واسع في الأحياء والمناطق المختلفة من المحافظات المصرية أن تقوم بالتنسيق لانتخاب قادة المحافظات الجدد، وبعد ذلك قادة أكبر وأشمل لمصر ككل، ولكي يكون هذا ممكنا، يجب علي قادة الإخوان الذين هم في المستوي الأدني التركيز في المدي القصير علي الحفاظ علي الوحدات الإدارية المحلية لجماعة الإخوان وهي مهمة معقدة بشكل كبير في ظل التكتيك الذي يتبعه التنظيم حاليا من تهييج ونشر الفوضي للترويج للعودة المستحيلة للرئيس مرسي، ما يعرض الجماعة لحملات الاعتقالات التي تمنع تلك القيادات الإخوانية الصغري من القدرة علي التنظيم والعمل علي المستوي المحلي؛ وهذه الاستراتيجية الثانية تشبه كثيرا الاستراتيجية الأولي، من حيث أنها تتطلب الكثير من الصبر، لأنها قد تستغرق سنوات لكي تتمتع الوحدات المحلية للإخوان بحرية كافية لإعادة تشكيل تلك طبقات القيادية الجديدة. ثالثا، يمكن لقادة الإخوان من المستويات الدنيا في التنظيم أن يقرروا خوض الانتخابات البرلمانية كمستقلين، وبالتالي الالتفاف علي الحظر المفروض علي الأحزاب الدينية الذي من المرجح أن يتم النص عليه في الدستور الجديد؛ وإذا اتخذ قادة الإخوان هذا القرار الاستراتيجي، فقد تكسب الجماعة عددا كبيرا من المقاعد؛ ففي الانتخابات يتنافس العشرات من المرشحين غالبا علي كل مقعد برلماني، وهو ما يعني أن المرشح يمكن في كثير من الأحيان أن يتقدم ليخوض جولة ثانية من الإعادة التي يحصل فيها علي عدد كبير من الأصوات بخلاف الحصة الصغيرة من الأصوات التي تنقسم وتتفتت بين هؤلاء المرشحين الكثيرين؛ وعلاوة علي ذلك، يمكن للدوائر الانتخابية البرلمانية أن تتوافق مع المناطق الإدارية الداخلية الخاصة بجماعة الإخوان، وسيؤدي هذا إلي تمكين الوحدات المحلية للجماعة من تنظيم حملات انتخابية أكثر كفاءة من أي حزب سياسي آخر، ومن خلال العودة إلي البرلمان، يمكن لجماعة الإخوان أن تستعيد مرة أخري النفوذ السياسي الذي يمكنها من التحرك لتحقيق مصالحها. وبعد توضيح تلك الاحتمالات التي يمكن لجماعة الإخوان أن تقوم بها في سبيل عودتها إلي الساحة السياسية المصرية وتفادي الحظر القانوني المفروض عليها، إلا أن تريجر يعود ليؤكد أن كل هذه الاستراتيجيات، تعتمد علي أعضاء جماعة الإخوان الذين ليسوا في السجن، وعلي مدي قبولهم فكرة أن ما حدث من خلع مرسي وحظر الجماعة ووضع قياداتها في السجن وكل تلك الأحداث هي أمور واقعية ولا رجعة فيها؛ لكن هذا النوع من الواقعية لا يمكن أن نتوقعه بسهولة في المدي القصير من مجموعة أيديولوجية عميقة ومتعطشة للسلطة كجماعة الإخوان.