يوما بعد يوم تتفاقم الأزمة فى مصر بين أطراف السلطة المختلفة، لا سيما بين مجلس الشعب الخيار الوحيد للشعب المصرى منذ قيام ثورته فى يناير 2011 وحتى الآن وبين السلطة التنفيذية ممثلة فى حكومة الدكتور الجنزورى يدعمها المجلس العسكرى، الذى يريد أن يبقى حكم العسكر قائما بشكل فيه التفاف على الثورة وأهدافها، وعلى أمل الشعب المصرى أن ينعتق من حكم العسكر بعد ستين عاما من الاستبداد والظلم والفساد، فبعد إعلان مجلس الشعب يوم الثلاثاء 24 أبريل بأغلبية 347 صوتا رفض بيان الحكومة، ولم يوافق عليه سوى ستة نواب فقط، وهى المرة الأولى التى يتخذ فيها مجلس للشعب المصرى هذا القرار منذ أكثر من ستين عاما طالب الدكتور محمد سعد الكتاتنى فى اليوم التالى، وعبر برنامجى التليفزيونى «بلا حدود» بأن تقدم حكومة الجنزورى استقالتها أو يقيلها المجلس العسكرى قبل يوم الأحد 29 أبريل الموعد المحدد لجلسة مجلس الشعب بعد رفض البيان، متهما الحكومة بأنها لم توفر للشعب المصرى خلال فترة حكمها حاجاته الأساسية فى توفير الأمن أو احتياجاته المعيشية، لكن الأخطر فى ما قاله الكتاتنى هو أنه خلال لقاء جمعه مع رئيس الأركان الفريق سامى عنان ورئيس الحكومة كمال الجنزورى والتحق بهم المشير طنطاوى لاحقا قال له الجنزورى: «إن قرار حل مجلس الشعب موجود فى المحكمة الدستورية ويمكن أن يصدر فى أى وقت». اشتعلت حرب التصريحات والتعليقات بعد بث الحلقة، لكن الأخطر هو أن الجنزورى أعلن فى اليوم التالى أنه باق، وليست هذه هى الطريقة التى يمكن أن يقدم من خلالها استقالة حكومته، كما نفى بعد ذلك الرواية التى تحدث عنها الكتاتنى فى ما يتعلق بتهديده له بوجود حكم فى المحكمة الدستورية لحل البرلمان يمكن أن يصدر فى أى وقت، فرد عليه الكتاتنى مكذبا وقائلا إن الكلام كان فى حضور الفريق سامى عنان، ومن ثم أصبحت الكرة فى ملعب الفريق سامى عنان، ليخرج على الشعب المصرى ليقول لهم مَن الصادق ومَن الكاذب فى هذه الرواية، الكتاتنى الذى اختاره الشعب أم الجنزورى الذى اختاره المجلس العسكرى ويفرضه على الجميع، إن المحصلة لما يحدث تختصر فى أن مصر تعيش أزمة حقيقية فى كل شىء، لا سيما بعدما كشف الكتاتنى أن معظم ملاك محطات البنزين والمخابز وتوكيلات توزيع البوتاجاز هم من فلول النظام السابق بينهم أصهار للمخلوع حسنى مبارك، وأنهم هم الذين صنعوا أزمة البنزين والسولار فى مصر، بعدما قدم المجلس أدلة تثبت أنهم كانوا يذهبون بشاحنات السولار والنفط ليفرغوها فى الصحراء حتى يفاقموا الأزمة، ومن أجمل التعليقات التى قرأتها على مواقع الأخبار التى تناولت معركة التصريحات أحد القراء الذى قيَّم حكومة الجنزورى منذ أتت حتى الآن من خلال الأحداث الدامية التى وقعت فى شارع محمد محمود وحتى تفاقم كل الأزمات التى تتعلق بالأمن واستاد بورسعيد والحوادث المريعة التى لم تحدث من قبل وعجز الحكومة عن فعل شىء سوى تصريحات الجنزورى المليئة بالأرقام التى ليس لها صلة بالواقع والتى يجهل حتى خبراء الاقتصاد معناها. قبل المهلة المحددة من قبل رئيس مجلس الشعب لرئيس الوزراء حتى يقدم استقالته أى مساء السبت الماضى نشر مجلس الوزراء ردا على أن الحكومة لا تفعل شيئا، قائلا إن الحكومة أصدرت 150 قرارا فى صالح الشعب، ما من خبير يقرؤها بعين فاحصة إلا ويجدها تدليسا على الشعب تماما، مثل إنكار الجنزورى أنه هدد الكتاتنى فى حضور سامى عنان. الجنزورى يدلس بالأرقام وإن صحت رواية الكتاتنى فإن الجنزورى يكذب ومن ثم كيف يكون لمدلس وكذاب ولاية على الناس؟ لقد كان هذا فى عهد مبارك والجنزورى من رجاله يمارس نفس اللعبة التى ظل النظام الفاسد يمارسها على الشعب ستين عاما وهو يعتقد معهم أن الشعب لم يتغير، صحيح أن الشعب قد تعب، لكن المراهنة على تعب الشعب وإرهاقه لن تكون أبدا هى المخرج لهذه الأزمات التى تجتاح مصر والتى تقودها إلى مستقبل مجهول، وإن أسوأ السيناريوهات المطروحة والذى أصبح يتداول بقوة الآن هو أن خوف المجلس العسكرى من نجاح مرشح إسلامى ومن ثم تعيين حكومة من الأغلبية النيابية ستضع المجلس العسكرى فى موقع حرج وتنتزع منه السلطة الحقيقية التى يمارسها والتى يريد أن يبقى يمارسها من وراء ستار، من ثم فإن سيناريو إلغاء الانتخابات من خلال اختلاق أى مشكلة مع إسرائيل أو سبب آخر وإبقاء الوضع على ما هو عليه إلى أجل غير مسمى حتى يتم الاتفاق مع من سيأتى بأن يحقق لهم مرادهم، أو إجراء الانتخابات وتزويرها، كما يقول بعض المراقبين والمجىء برئيس موال للمجلس العسكرى، يكلف حكومة من غير الأغلبية الأسلامية، ويبقى الإسلاميون فى البرلمان بمجلسيه يشرعون ويتكلمون بينما السلطة التنفيذية فى أيدى العسكرى والرئيس والحكومة التى سيأتون بها، ويصبح الإسلاميون فى البرلمان هم بؤرة القصف الجماهيرى، إن الشعب اختارهم ولم يفعلوا شيئا، لأن الأغلبية الأمية من الشعب المصرى لا تعرف الفارق بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، كلا السيناريوهين مخيف، والأخوف هو أن يصدر حكم قضائى بحل مجلس الشعب فى 6 مايو الجارى وتدخل مصر دوامة جديدة لا نهاية لها، والسبب فى كل ذلك يعود إلى شىء واحد أخطأ فيه المصريون هو أنهم لم يكملوا ثورتهم واعتقدوا أن إزالة مبارك هو نهاية الثورة، لكن الثورة الحقيقية لم تبدأ بعد ولن تتحقق إلا بإزالة النظام وفلوله وإلا فإن هذه الدوامة لن تنتهى حتى وإن خرج الجميع يهتفون فى الشوارع ليل نهار «يسقط يسقط حكم العسكر». نقلا عن جريدة التحرير .