من حيث أنها "محرضة" فهي محرضة بالفعل، حرضت الجماهير العربية علي التمرد والثورة منذ أصبحت منبرا لضحايا الاستبداد والقهر.. ومنذ فضحت تزوير إرادة الناخبين من ثورة التويتر في طهران، وحتي ثورة الفيس بوك في مصر، أما من حيث كونها "عميلة" كما هتفت القوات الموالية لنظام "القذافي"، فأنا أشك!!. أتحدث -هنا- عن قناة الجزيرة، أو "علبة الكبريت" كما سماها الرئيس المخلوع "مبارك"، تلك القناة التي أبكت الملايين علي شهداء ما سميت ب"الحرب علي الإرهاب" في أفغانستان، التي نقلت لنا بالصوت والصورة سقوط "صدام"، وقذف الحذاء في وجه "بوش الابن"، واغتيال "محمد الدرة".. فلم يكن غريبا أن تقتحم مكاتبها أو يُعتقل مراسليها، أو تغلق مكاتبها بقوة القانون أو "البلطجة" - إذا لزم الأمر!!. وبحسب برقية دبلوماسية أمريكية مسربة نشرها موقع «ويكيليكس» في ديسمبر الماضي فإن دبلوماسيين أمريكيين يرون فيها "أداة للمساومة" تستخدمها قطر في سياستها الخارجية، أما القادة العرب فيرون فيها منصة صواريخ موجهة إلي أنظمتهم التي ينخر فيها الفساد!. وسواء اتفقنا مع توجهاتها أو اختلفنا معها، نظل نحترم الإمكانيات البشرية والمادية التي تقف خلفها، قل إن جماعة الإخوان المسلمين تخترقها وتسيطر علي معالجتها لبعض الأمور.. لايهم!. قل إنها علي علاقة وثيقة بأجهزة المخابرات العالمية، وإنها مطبعة مع الكيان الصهيوني، وإنها عدائية تجاه مصر أو السعودية ودول أخري، ولا تجرؤ علي انتقاد موطنها "قطر".. قل ما شئت أو صادر كاميراتها وميكروفوناتها، لن تصمت قنوات الجزيرة، ليس لقوتها فحسب بل لأن الشعوب العربية التي قُهرت طويلا لن تفرط فيها مهما شكك البعض في مصداقيتها!!. أقولها بشكل مباشر : لقد أصبحت "الجزيرة" طرفا في اللعبة السياسية ولم تعد تلعب دور المراقب الإعلامي!. أصبحت فاعلة في إعادة خريطة ما يسمونه "الشرق الأوسط الكبير" بانحيازها للشعوب التي تطالب بالحرية حتي لو دفعت الثمن، تقسيمها لدويلات صغيرة!!. فهل نحن نسدد ثمن السيادة القطرية علي المنطقة العربية (بعلبة الكبريت)؟.. ربما!. وربما كنا نفعل ذلك بمنتهي الوعي والرضا، ونلعن من أخرسونا بصوت مرتفع علي قنوات الجزيرة المتعددة. هل عرفتم بعض أسباب إغلاق قناة "الجزيرة مباشر -مصر"؟.. هل عرفتم لماذا أعلن "أسامة هيكل" وزير الإعلام عن التطبيق الكامل لنصوص قانون الطوارئ الملعون؟. إنه القانون الذي يتيح للدولة (مراقبة الرسائل أيا كان نوعها، ومراقبة الصحف، والنشرات والمطبوعات، والمحررات والرسوم، وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان، قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها)!!. وكل هذا بزعم الحفاظ علي "هيبة الدولة".. ضع من عندك ألف علامة استفهام. لقد أصيبت الثورة في مقتل، إنها الثورة التي بدأت شرارتها من الناشطين إلكترونيا وتحديدا من موقع "كلنا خالد سعيد"، والتي استمرت فعالياتها وتنظيم مليونياتها عبر التويتر والفيس بوك.. وكشفت أسرار"موقعة الجمل" من خلال اليوتيوب.. الآن تتعرض أدواتها جميعا للمصادرة، بدءا من القنوات الفضائية ووصولا إلي البريد الإلكتروني!!. فهل المطلوب أن نتنازل عن "الحرية" لنتنازل بعدها عن الكرامة والعدالة الإجتماعية؟. هل عودة قانون الطوارئ في أشد وأقبح صوره هو عقاب جماعي للشعب، بعد أحداث اقتحام السفارة الإسرائيلية؟.. أم أنه عقاب لقطر لتجاهلها طلب تسليمها لرشيد محمد رشيد وزير الصناعة والتجارة الأسبق ويوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق؟. أم أنه جزء من حالة التخبط التي نعيشها بعد انهيار مؤسسات الدولة ليصبح "الاستبداد هو الحل"!. إنه قرار متعجل ومتعسف مثل قرارات كثيرة تراجعت عنها حكومة "شرف"، لكنه قرار صادم ومؤلم لأنه يعيدنا لعصر مصادرة الحريات، فهو لا يقتصر فقط علي مواجهة أعمال البلطجة، بل يتيح للسلطة منع أي تجمع لأكثر من 5 أشخاص، بل القبض عليهم واعتقالهم، كما يتيح قانون الطوارئ تفتيش واقتحام المنازل دون إذن من النيابة العامة، والمنع من السفر ومصادرة الأموال لأي شخص تشتبه فيه السلطات.. إلخ!!. وكأن "حبيب العادلي" خرج من محبسه ليعيد "هيبة الدولة" ويقضي علي الفوضي.. أو أن "صفوت الشريف" عاد لعرشه السابق في ماسبيرو.. أو أننا نسدد فاتورة ثورتنا ليس من أمننا فقط، والحياة في مسلسل الفوضي المستمر،بل من حريتنا المنقوصة التي ثورنا لنستكملها!. الرسالة -إذن- واضحة : احترس الثورة ترجع إلي الخلف!!.