مناهج التاريخ المصرية تمجد الزعماء ولا تنتقدهم ولا تفسر التاريخ بشكل موضوعي، وهو ما دعا وزارة التعليم المصرية للتفكير في تعديل مناهج الشهادتين الإبتدائية والإعدادية وخاصة في أعقاب ثورة يناير التي خلصت مصر من النظام الفاسد . "محيط" سأل د. عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب وعضو اللجنة المشرفة على تعديل المناهج بالجمعية التاريخية، وقال أننا لا نفرق بين التاريخ والتربية الوطنية، فإذا كنا نريد تمجيد الزعماء يمكن أن يكون ذلك بمناهج التربية الوطنية وليس التاريخ. وأكد أن التاريخ يبدأ حينما تنتهي السياسة، بمعنى أنني لا يمكن أن أدرس مرحلة تاريخية نعيشها لأن المؤرخ لن يستطيع تكوين حكم صادق حولها، إضافة إلى الخوف من بطش الحاكم لو انتقده المؤرخ بشكل موضوعي، ولهذا كان يفترض أن تتوقف مناهج التاريخ المصرية بالمدارس عند مرحلة حكم الرئيس السادات . أما وإننا بعد الثورة فإنه يمكن أن نكتب عن فترة مبارك بشكل موضوعي، ونكتب عن أسباب ثورة يوليو باعتبارها مجمل سياسات مبارك الخاطئة بحق الشعب . يرى المؤرخ أن الرئيس مبارك هو امتداد للرئيس السادات في سياساته ولهذا يمكن أن نعتبر أن مصر مرت بأربعة جمهوريات حتى الآن، جمهورية محمد نجيب وظلت سنة واحدة انتقالية، ثم جمهورية عبدالناصر بسياساته القومية والإشتراكية المعروفة، ثم جمهورية مختلفة للسادات بسياسات الإنفتاح الإقتصادي والتعاون مع الغرب وامتداده هو مبارك ، فمبارك لم يختلف عن سياسة السابق عليه ولا يمكننا اعتبار فترته جمهورية مستقلة، ويأتي بعده أول رئيس جمهورية بعد الثورة بعد أن نخوض الإنتخابات المقبلة . كما يرى المؤرخ المصري أننا حينما قلنا في مناهج التاريخ أن عصر مبارك كان عصر الأمان والسلام فهذا غير حقيقي، وهو ما فعلناه حينما كتبنا عن السادات وكأنه بطل السلام بعد كامب ديفيد، رغم أن هذه المعاهدة دفعت مصر وفلسطين بالأخص ثمنها غاليا جدا وكانت في صالح العدو الإسرائيلي. يؤكد الدسوقي كذلك أن المؤرخ ليس كالقاضي، فهو لا يحكم على الزعماء وإنما ينحصر دوره في تفسير الأحداث التاريخية . وقال الدسوقي : لابد أن نراجع مواقف المؤرخين، فمثلا هناك مؤرخين أصدروا حكمهم بأن عبدالناصر قاد البلد لمغامرة وضيع شبابها في حروب خارجية مثل اليمن، ولو درسنا سنجد أن ثورة يوليو جاءت في مصر وكان محيطنا العربي تابع للقوى الأجنبية، وهو محيط يمكنه خنق الثورة، ولذلك سعى عبدالناصر لأن يدعم الثورات المجاورة ضد الملكيات . وقامت باليمن ثورة عبدالله بن الوزير سنة 1948 ولكن ملك السعودية والملك فاروق في مصر تصدوا لها لأنها على حدودها، وهو نفس الدور الذي تلعبه دول الخليج حاليا مع ثورات الخليج مثل التي تشهدها دولة البحرين، لأن الثورة تسبب عدوى بالمنطقة كلها وتؤثر على الممالك القائمة . وكذا الثورة الفرنسية كانت أول ثورة في محيط ملكي وأعدمت ملوكها، وحاربتها ممالك أوروبا بالطبع للقضاء عليها .
من جهته قال د. عادل غنيم رئيس الجمعية التاريخية والمنوط بها إعداد تقرير حول التغييرات بالمناهج : طلب د. أحمد جمال الدين وزير التعليم أن نراجع منهجي التاريخ للشهادتين في الفترة من تولي الرئيس جمال عبدالناصر لمصر وحتى الآن ، وبالفعل أرسلنا تقريرنا للجنة تطوير التعليم بالوزارة ، وأضيف للمناهج صفحات عن ثورة يناير .
من جهتها أشارت د. زبيدة عطا أستاذ تاريخ العصور الوسطى ل"محيط" إلى أن وزير التعليم الأسبق د. حسين كامل بهاء الدين طلب منها ضمن لجنة تاريخية تعديل المناهج ، ولكن لم يؤخذ باقتراحاتهم سوى في المرحلة القبطية من تاريخ مصر . وأوضحت أن تغيير مناهج التاريخ يحتاج لخبراء تربويين يعرفون مدى عمق المادة المناسبة لكل مرحلة عمرية للطالب المصري، إضافة لأهمية الإستعانة بالنماذج الأجنبية في هذا المجال وكذلك تقنيات المناهج الحديثة في التاريخ وتطوير مهارات المدرسين أنفسهم . أما د. قاسم عبده قاسم فاعتبر أن ترقيع مناهج التاريخ خطأ لأنها كل متكامل ولها فلسفة وهدف، ولا يصلح أن نأتي بمقاولين يصلحوا ويحذفوا أجزاء ويتركوا الباقي على حاله، لأن التاريخ يصنع وجدان الشعب. وفي مصر توجد ثلاث جهات تتمكن من فعل ذلك هي الجمعية التاريخية المصرية واتحاد المؤرخين العرب والمجلس الأعلى للثقافة ممثلا في لجنة التاريخ، يضاف لهم المهتمين بشئون التعليم والتاريخ بصفة خاصة. واقترح قاسم أن تقوم الوزارة بمؤتمر يدعو كل المتخصصين والخروج بتوصيات يتم تطبيقها في مناهج التاريخ ، وألا نحدث بلبلة في وعي الطالب فأمس نقول لهم "بابا مبارك وماما سوزان" واليوم نقول أنهم لصوص أو خونة ، ولذا فالتاريخ في مناهجه الدراسية لابد أن يركز على البلاد وتاريخها وليس الأشخاص كما كان يحدث .