في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة التربية والتعليم عزمها إدخال ثورة25 يناير ضمن مناهج التاريخ والدراسات الاجتماعية للتلاميذ ثار الجدل بين أساتذة التاريخ والحقوقيين. حول إمكانية ضم الجزء الخاص عن الثورة ضمن منهج مادة التاريخ والدراسات الاجتماعية أم التربية الوطنية وامتد الجدل إلي الثلاثين عاما من حكم الرئيس السابق حسني مبارك ومطالب البعض بحذفها من المناهج أو تعديلها وكيفية تناول التاريخ بحيادية تامة. يقول الدكتور عاصم الدسوقي استاذ التاريخ بجامعة القاهرة انه يجب أن نفرق بين التاريخ والسياسة فأحداث ثورة يناير ما زالت متلاحقة وهي تدخل ضمن الأحداث السياسية, ومتي انتهت الأحداث السياسية يبدأ التاريخ, ومن ثم لا يمكن الحكم علي فترة تاريخية إلا بعد حدوث الاستقرار حتي لا يختلط تاريخ الفترة السياسية بآراء وأحكام كتابها. وأضاف الدسوقي: يمكن تدريس ثورة25 يناير في المدارس ضمن مادة التربية الوطنية, باعتبار أن الأحداث لا تزال جارية في الوقت نفسه تدخل فترة حكم الرئيس السابق حسني مبارك مرحلة التأريخ باعتبارها مرحلة تاريخية أو فترة سياسية انتهت وبدأ بعدها عهد جديد من الحكم, ولا يمكن تجاهل أو حذف هذه الفترة من مناهج التاريخ فهي مقدمة لأسباب الثورة, وإذا حذفت فترة تاريخية لا يمكنك دراسة الفترة التالية لها ومثال ذلك فترة ثورة يوليو حيث لا يمكن دراستها إلا بالرجوع للفترة السابقة عليها وهي فترة حكم الملك فاروق. وقال: إن دراسة فترة حكم مبارك وأسباب الثورة تبدأ بجمع ومقارنة الوثائق المختلفة من داخل مصر وخارجها خاصة الرسائل المتبادلة بين الدول الأجنبية وسفرائهم في مصر, وهي ما يطلق عليه الأرشيف التاريخي وفي العصر الحديث أصبحت الصحف جزءا من هذا الأرشيف باعتبارها مرصدا للأخبار والتقارير ومقالات الرأي فضلا عن التحقيقات الصحفية وبالتالي تعد هذه الوثائق مصدرا لكتابة التاريخ ودراسته. ثورة تاريخية وقال الدسوقي إن المناهج الخاصة بالثورة وفترة الرئيس السابق حسني مبارك والمقترح تدريسها للطلاب في مراحل التعليم قبل الجامعي يجب أن تكون دقيقة ومركزة حول معلومات أساسية عن الثورة وأسبابها, وعلي واضعي المناهج الابتعاد بطلاب هذه المرحلة التعليمية عن الجدل والآراء والأحكام المطلقة أو المتحيزة حول الفترات التاريخية أو الأشخاص أما في مرحلة التعليم الجامعي فيمكن الدخول بهم لمناقشة الآراء والأحكام حول الثورة والفترة التاريخية السابقة عليها. وأضاف: من الصعب دمج فترة الثورة مناهج التربية والتعليم لصعوبة تعديل المناهج وطباعة الكتب مرة أخري وبالتالي يصعب تدريسها هذا العام ضمن المناهج لكن يجب أن يتم تدريسها ضمن الحصص الدراسية باعتبارها شرحا لفترة ما بعد الرئيس السابق حسني مبارك, وتعديل ان مبارك انتهت فترة حكمه يوم11 فبراير2011. أما في الجامعة فيمكن ان يقوم الأساتذة بعقد محاضرات حول الثورة وأسبابها وتداعيات الأحداث اليومية, وفي هذه الحال تكون اخبار ومقالات الصحف جزءا من المنهج بما ورد بها من اراء ومعلومات. وقال الدكتور كمال مغيث الخبير التربوي رئيس مجلس امناء مركز الحق في التعليم إن تدريس ثورة25 يناير في مناهج التاريخ للتلاميذ أمر ضروري لتوعية أبنائنا بمبادئها وأسبابها ومراحلها, فالثورة لابد من تدريسها في كل الأحوال ويفضل أن يتم تدريسها ضمن مناهج التاريخ والدراسات الاجتماعية للصف الثالث الاعدادي باعتبارها نهاية الجذع العام من التعليم الأساسي. ويري أن مبررات رفض تدريس الثورة ضمن مناهج التاريخ غير مقنعة, فالهدف من دراسة التاريخ ليس فقط رواية الأحداث بل دراسة الظواهر بشكل كامل ولا يشترط في هذه الحالة أن ندرس ما مضي وانتهي كما يدعي البعض بل ندرس ما هو جار أيضا فلا يوجد حدث تاريخي انتهي, فالأحداث الجارية هي امتدادالفترات سابقة وقال إن المناهج التي يجب أن يتم تدريسها لابنائنا بخصوص ثورة25 يناير يجب أن تشمل الظروف التي أدت لقيامها داخل المجتمع المصري خلال فترة الثلاثين عاما الماضية, وعوامل انفجار الثورة من انتشار الفساد والاستبداد والتوريث وتزوير الانتخابات والفقر, ثم الحديث عن المتغيرات التي أدت لقيام الثورة ومنها ثورة الانترنت والاتصالات الحديثة في ظل عجز القنوات الشرعية عن اسيتعاب آمال الشباب وتطلعاتهم الأمر الذي اضطر إلي عمل القنوات التي تقنعهم, وكيف رفض الشباب الواقع المفروض عليهم, ثم تطور الأحداث ابتداء من يوم25 يناير وطرق القمع الذي واجه به النظام الفاسد هذه الثورة ثم الاعتصامات والمسيرات المليونية الحاشدة والرائعة, وثورة اللوتس التي تجاوزت دموية الثورة البلشفية ثم نتائج الثورة. ويقول الدكتور محمود عرفة استاذ التاريخ بجامعة القاهرة إن ثورة25 يناير بلا شك ثورة عظيمة, لكنها مازالت قائمة ومن ثم فإن وضع مناهج عنها في مناهج التاريخ هذا العام سابق لأوانه, فالثورة مازالت في مراحلها ولا نعلم ان كانت ستنجح في تحقيق جميع اهدافها أم لا, خاصة في ظل التوترات والتداعيات الجارية علي الساحة, وأن وضع الثورة في مناهج التاريخ صعب ان يتم قبل شهر سبتمبر مع بدء الانتخابات الرئاسية. ان فترة الثلاثين عاما من حكم الرئيس السابق حسني مبارك لا يمكن تجاهلها في كتب التاريخ, ويجب أن تذكر باعتبارها مقدمة لفترة الثورة. نقطة ضعف الثورة وأضاف عرفة: إن حالة عدم الاستقرار وتوالي الوزارات والحكومات علي الثورة يمثل نقطة الضعف, أيضا عدم وجود قيادة او زعيم وبالتالي لا يمكن تقييم احداثها ومطالبها بالكامل في الوقت الحالي, كما أنه مازلنا في مرحلة الأحداث وبالتالي لا توجد نتائج نهائية للثورة خاصة اننا مهددون بحدوث أزمة اقتصادية وانفلات امني بسبب وجود ما يسمي الثورة المضادة, وهو ما يتطلب سرعة محاسبة المسئولين عن الفساد امام محكمة عسكرية عاجلة. وقال إنه في حال تدريس الثورة في مناهج التاريخ في المدارس يجب أن يتم تدريسها في ضوء مقارنتها بثورة يوليو1952 فالظروف تقريبا تشابهت مع الاختلاف في ان الأولي ثورة شباب والأخري ثورة عسكريين ضد الفساد. وقال الدكتور قاسم عبده قاسم استاذ التاريخ بجامعة القاهرة ان احداث ثورة25 يناير الجارية ليست أحداثا تاريخية لكي يتم ادخالها ضمن مناهج التاريخ في المدارس والجامعات, فهي احداث جارية لم تتبلور بشكل نهائي ونتائجها لم تظهر بعد, فالتاريخ يدرس الأحداث التي ظهرت اسبابها ونتائجها. وأضاف: إن الأجيال الحالية عاشت الثورة, فالصحف والانترنت ووسائل الإعلام المختلفة تكشف يوميا عن معلومات كثيرة حول الأحداث, ومن حسن حظ الأجيال الحالية ان هناك وسائل كثيرة للتوثيق منها المرئي والمسموع والمقروء, وبالتالي المؤرخ الذي سيأتي في المستقبل سيكون افضل حالا وستكون مهمته سهلة للتأريخ, في حين اأن جيالنا عانت كثيرا سرية الوثائق فمازالت وثائق ثورة يوليو1952 لم يكشف عنها, ومن ثم تدريس ثورة يناير ضمن منهج التاريخ سيكون متأخرا عن الأحداث المتلاحقة لكن يمكن تدريسها ضمن مادة التربية الوطنية, إذا كان لابد من تدريسها في المناهج. وأضاف: نحن نحتاج شيئا مهما بديلا عن تدريس الثورة لابنائنا لكي نجعلهم مواطنين صالحين يعتزون بالانتماء لبلدهم, نحتاج بناء معرفتهم بالتاريخ, وقال عبدالحفيظ طايل مدير المركز المصري للحق في التعليم ان المطلوب ليس تدريس ثورة يناير فقط ضمن مناهج التاريخ بل إعادة النظر في مناهج التاريخ ككل, لانها تدرس حاليا من وجهة نظر واحدة بطريقة التلقين. وأضاف كامل عنان وكيل أول وزارة التربية والتعليم سابقا ان هناك احداثا تاريخية لا يمكن ان نمحوها من التاريخ وكما أرخنا لثورتي1919 و1952 وحرب أكتوبر يجب ألا نتجاهل فترة حكم مبارك لأن بها احداثا ثابتة منها السياسات السلبية التي كانت عاملا رئيسيا لقيام ثورة25 يناير. وقال: سواء تم إدخال ثورة يناير ضمن مادة التاريخ او مادة التربية الوطنية المهم تدريسها, ومادة التربية الوطنية هي جزء من التاريخ وانعكاساته علي الحاضر والمستقبل مشددا علي ضرورة تدريس الثورة في المدارس باعتبارها محاولة لتنمية الانتماء لمصر.