يروي محرر كتاب عصر العلم الكاتب الصحفي الأستاذ أحمد المسلماني أن البرفوسور أحمد زويل قال ذات يوم للأديب الكبير نجيب محفوظ وهو متعجب " انني أفهم أن يلتف الناس حولك، ويحتفون بك، فأدبك معروف وسهل الفهم، ثم أن تقديرهم لك يأتي من قرأة ووعي.. ولكنني أندهش من هولاء الذين يتركون ما بأيديهم من عمال نظافة ومارة في الطريق ثم يأتون لتحيتي، أنهم لا يعرفون ماذا فعلت.. ولكنهم يقدّرون" لقد صدق "زويل" فيما قال، فالعالم بأسره تألم ليلة رحيله، وأكثرهم لايدركون كُنه ما فعله في مجال "كيمياء الفيمتو".. وكل ما أعرفه شخصيا أنه أبتكر مجهر يصور أشعة الليزر في زمن مقداره "فيمتوثانية"، حيث يعتبر زمن الفيمتوثانية جزء من مليون مليار جزء من الثانية !! تشكل وفاة البروفسور أحمد زويل، والمعروف بحصوله على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1999م ثُلمة في قائمة أعلام عالمنا العربي المعاصر كما قال نائب الرئيس رئيس الوزراء اليمني السابق خالد بحاح، فجميعنا شعر بالفخر حين خطف أسم عربي جائزة نوبل في مجال معقّد كعلم الكيمياء، والذي يشهد منافسة شرسة بين عباقرة العالم الأول، وإن كان ساعده في تحقيق ذلك إقامته في الولاياتالمتحدةالأمريكية وحصوله على جنسيتها في مطلع الثمانينيات، إلا أن شخصية "زويل" وإرتباطه الكبير بوطنه العربي ومصر على وجه التحديد جعله يبقى وجها حاضرا وشديد القرب منّا، وعاملا مؤثرا ومحفزا لكثير من الشباب العربي ناهيك عن تميّز شخصيته على الصعيد العالمي. ما يمكن أن نستفيده من شخصية عملاقة بحجم "زويل" هي العصامية وقصة نجاحه كفرد عربي وصل إلى أعلى درجات النجاح والتفوق على وجه الكرة الأرضية، ولعل كتابه "عصر العلم" يكشف جانب من مسيرة حياته الثرية جدا. "كنت أتمنى لو أني أستطيع القراءة، فأقرأ هذه النص كلمة كلمة، وهو يستحق ذلك لخطورة الموضوع وعظمة الكاتب" بهذه الكلمات افتتح الأديب الكبير نجيب محفوظ تقديمه لكتاب "عصر العلم" للبرفسور أحمد زويل، والإثنان حصلا على جائزة نوبل الأول في الأدب والآخر في مجال الكيمياء، وكلاهما في طليعة نماذج الإلهام العربي المعاصر، كتابات "محفوظ" ورواياته التي شغلت الجيل، ونبوغ "زويل" المذهل. بعد رحيل "زويل" ومن قبله "محفوظ" تبدو فرص الإبهار العالمي في سماوات الإبداع والعلوم شحيحة النماذج العربية، ولا تتجاوز مستوى النجاح الإقليمي والدولي في أحسن حالاتها، ذلك أن واقعنا العربي بات يترنح في دائرة الصراع والإقتتال، والأجيال الحالية لم تأخذ نصيبها من الإستقرار الذهني والنفسي الكافئ للنبوغ مستقبلا. حصد جوائز نوبل في الأدب والكيمياء ليست كالحصول على جائزة نوبل في "السلام"، فالأخيرة مؤشر غير مطمئن، ودليل مستتر على بيئة صراع الفائز بها وواقعه المتخوم بالحروب والنضال من أجل أبسط الحقوق بطرق سلمية. وداعا زويل ياعصرا من العلم أشرق به وجهك، كنت أرى فيك الصورة الحديثة من أبن الهيثم وأبن حيّان وأعلام العرب في مختلف العلوم، والذين أسهموا بعلومهم تلك في خدمة البشرية جميعا. وداعا "زويل" يا مصدر فخر وإعتزاز لنا كعرب من المحيط إلى الخليج، نرى في شخصيتك المحبة والمتردد على مصر وعالمنا العربي في مختلف المحافل العلمية، وفي بريق عينيك وملامحك الفرعونية حماس لفعل شئ من أجل أوطاننا واجيالنا. حالنا من بعدك يجب أن نحياه في أمل على الرغم من أنّ لا نجوم سوى نجوم الفن والرياضة تتصدر المشهد، وباتت تتوارى وجوه المبدعين قسرا.. بعد أن ضجت المنابر وقنوات التلفزة بالإحتفاء بمن يسعى لمجد نفسه لامجد بلاده وأمة العرب.