قليلة هى الأعمال السينمائية التى تصلح لمشاهدتها مع عائلتك وسط الزخم الفني الذى أصبح يسيطر عليه عنصر الإجرام في حق الأسر المصرية والعربية، بل وفي حق الفن الأصيل الذي كاد أن يصبح مشوها بانعدام الأخلاق الفنية العريقة التي تمثل واجهة لمصر ورسالة تعبر عن قيمة بلادنا وتحافظ على شموخها، فتشابه مؤخرًا مؤلفي الأعمال في سيناريوهات الأفلام، كنوع من الاقتباس والنسخ المكشوف، حيث يبدأون في البحث عن الحلول والطرق التي توفر الكسب المضمون والشهرة الواسعة لفيلمهم، وفي النهاية يصبح الحل الأمثل في جذب انتباه الفئة المستهدفة من الجمهور والذي يكمن في راقصة ومغني شعبي وبلطجي، ومن ثم يرسلون إشارات واضحة للعالم بأن هؤلاء يمثلون الواقع الفعلي لمصر، ويخلقون صور ذهنية توضح طبيعة الشارع المصري الذي شوهت الأخلاق فيه وانعدمت العادات والتقاليد، وهو في الحقيقة ما تزيفه هذه الأفلام الرديئة. قبل بضعة أشهر فوجئ الجميع بتداول مجموعة من الأخبار عن اشتراك أكبر نجوم الوطن العربي في فيلم بعنوان "من 30 سنة" لم يستطيعوا تصديق حقيقته إلا بعدما صرح هؤلاء النجوم بصحة هذه الأخبار، وهم أحمد السقا، منى زكي، نور، شريف منير، ميرفت أمين، صلاح عبدالله ، رجاء الجداوي، وأحمد فؤاد سليم، محمد مهران، جميلة عوض، والمفاجأة كانت أنه من تأليف أيمن بهجت قمر، ولأول مرة يقوم بإنتاجه منظم الحفلات الشهير وليد منصور، كل هؤلاء العمالقة بقيادة مايسترو الإخراج السينيمائي عمرو عرفة.
دخل الرعب فى قلوبنا حول ماذا سيصنعون؟! وكيف سيتم تقسم الأدوار حسب نجومية كل فنان؟ ومن الذي تجرأ على ارتكاب هذه الجريمة الفنية بعد جمع كل هؤلاء النجوم في عمل فني واحد؟ أثارت هذه التساؤلات جميع المهتمين بصناعة السينما المصرية الذين قد تبسمت لهم الحياة بوجود أمل جديد لعودة ميلاد ما يسمي بالسينما الحقيقية والتي لا طالما افتقدناها لسنوات طويلة ولم نفقد الأمل رغم ذلك فى عودتها يوما ما.
حرصت بشدة على مشاهدة هذا الفيلم لمحاولة العثور على إجابة لتلك التساؤلات، لأرى ماذا سيقدم المخرج الكبير عمرو عرفه وما هي الخلطة السحرية التي يعتمد عليها المؤلف الشهير أيمن بهجت قمر في اختلافه، في تجربة كتابة سينمائية مميزة، دخل في حرب بسببها دون مبالاة لمدى قوة منافسيه في الأعمال الأخرى، ولم يلتفت لما حوله من منافسين و مضى في طريقه واثقا يهاجم بشده ليتم صناعة التاريخ مجددا على يد أيمن بهجت قمر ومجموعة من عمالقة الفن برؤية العبقري عمرو عرفة.
في بداية الفيلم شعرت بحالة من الذهول والتعجب في آن واحد حول قصة الفيلم التي تقوم على عائلة ثرية تتاجر في الأسلحة من قديم الأزل إلى أن أصبحوا من أثرى عائلات المجتمع ولكنهم متفككون حيث يعود أحد أفراد العائلة من الخارج ليرغب في توزيع أملاكه على عائلته متسترًا خلف عدم قدرته على الإنجاب ليجذب الجميع حوله، فيبدءوا في محاولة إرضائه بكل وسيلة ممكنة، وفي إطار الكوميديا تظهر لنا الشاعرة السكندرية (منى زكي) حيث تندمج مع العائلة وتصبح فردًا مؤثرًا بها، وكانت المفاجأة ظهور مجهول يخاطب (شريف منير) قائلا له: "هتقتل 9"، لتتمكن الفكرة منه وتسيطر على عقله الباطن، وبالفعل يقوم بقتل 9 أفراد من عائلته، وتتسارع الأحداث ليتم قتل جميع أفراد العائلة ولا يتبقى سوى (أحمد السقا وشريف منير ومنى زكي) التي دارت جزء من الأحداث حول الصراع بينهما على الأخيرة، وكانت سببا في اندلاع الحرب بينهم، ليكشف كل منها حقيقة الآخر وتتحكم (منى زكي) جميع أموال عائلتهم في سياق الأحداث الدرامية.
ما لفت انتباهي وأثار إعجابي هو اشتراك مدير التصوير وائل درويش مع فريق عمل "من 30 سنة"، الذي بذل مجهود رائع ومتكامل في صناعة فيلم سينمائي أعاد أمجاد السينما المصرية من جديد، ومهندس الديكور محمد أمين الذي كان له لمسة فنية ملفتة للانتباه في أحداث الفيلم، ولم يخطئ المنتج وليد منصور في الإمكانيات التي سمح بها لكل فريق العمل بإشراف المبدع عمرو عرفة ليخرجوا إلى النور بفيلم سيخلد فى تاريخ السينما المصرية كأحد أبرز أعمالها فى الوقت الراهن.
أثارت قصة الفيلم إعجابي وذهولي في نفس الوقت، حيث لم أكن لأتوقع أن يعود مصطلح السينما النظيفة بهذا القدر من النجاح إلى مصر، لتمحي النقطة السوداء التي أساءت لكبار نجوم الفن وللتاريخ الفني السينمائي والدرامي المزيف الذي اعتمده عدد كبير من صناع الفن في السنوات الماضية، بالإضافة إلى حالة من التجديد والتفكير خارج الصندوق وانتزاع ملابس التقليدية والتكرار التي انتشرت بشكل كبير وملحوظ سواء على المستوى المحلي أو العالمي.