وسط حشد جماهيرى كبير من رواد المعرض ومحبى وعشاق الشاعر الكبير، شهدت القاعة الرئيسية بالمعرض فعاليات اللقاء الفكرى مع سيد حجاب، أحد أهم رواد الشعر المصرى والعربى فى الثلاثة عقود الأخيرة، صعد الشيخ سيد كما كانت تطلق عليه أسرته فى مرحلة الصبا، إلى المنصة بصحبة الدكتور طارق النعمانى، واثق الخطوة يمشى ملكًا، ولمَ لا وقد قدم للشعر ما يعجز عنه الملوك والأمراء. وما أن جلسا الضيفان على المنصة حتى صعد الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، ليوجه الشكر للشاعر الكبير سيد حجاب والدكتور طارق النعمانى والسادة الحضور، وأكمل قائلا: لقد صعدت إلى المنصة لأشكر شاعرنا الكبير سيد حجاب على شيئين رئيسين أولهما أنه أنعم على هيئة الكتاب بأن تتولى إصدار أعماله الكاملة.. وثانيهما هو دوره الرائع والكبير فى لجنة وضع الدستور المصرى الأخير والذى يعد هو مستقبل مصر. ثم قدم الدكتور طارق النعمانى، الشكر للدكتور مجاهد واستأذن الحضور فى الوقوف دقيقة حداد على أرواح شهداء الثورة المصرية ثورتى 25 يناير و30 يونيو، وكل من مات فى سبيل رفعة ورقى هذا الوطن، واستكمل النعمانى حديثه بقوله أشعر أن حديثى لا قيمة له ، بجوار حديث الأستاذ سيد حجاب، لذا فلن أتحدث طويلا وسأكتفى فقط بالسطور التالية فى تقديم الشاعر الكبير الراحل صلاح جاهين له وهو لا يزال شابًا فى الحادى والعشرين من عمره، ففى الباب الذى كان يشرف عليه بمجلة صباح الخير قال جاهين لا تلبينى إلا الكلمات العاطفية وإن كان هناك حب من النظرة الأولى، فقد أحببته من النظرة الأولى، تذكروا جيدًا هذا الاسم سيكون له شأن كبير فى حياتنا المقبلة . وتابع النعمانى، من يقرأ شعر سيد حجاب، يعرف منذ الوهلة الأولى أنه أحد أهم رواد شعر السؤال والجواب، فمن منا ينسى تتر مسلسل ليالى الحلمية.. إن شاعرية السؤال والجواب لدى حجاب خاصة جدًا، ولعل هذا هو سبب تجدد شباب حجاب الدائم، كما أن هناك ملمح أخر وأساسى فى أشعاره ألا وهو الإتساع الإنسانى فى شخصيته وهذا يتجلى فى شعره الذى يجمع بين الألفة والحنين المقترنة بالغرابة، بعد ذلك بدأ حجاب كلامه بتحية الحضور بقوله مساء الخير والحق والجمال دائمًا، على عشق هذا الوطن الذى نحلم به حرًا مستنيرًا عادلاً، وأستأذنكم أن نبدأ هذا اللقاء بقصيدة ألقيها اليوم لأول مرة فى حفل عام،، وهى بعنوان تاتا خطى السبعين ، وهى مقسمة إلى ثلاثة أبواب الحق الخير والجمال ، وقد إنتهيت مؤخراً من باب الحق، وعلى أمل أن انتهى من البابين الباقين عما قريب.والآن أشرف بأن ألقى عليكم تاتا خطى السبعين . وما أن انتهى حجاب من قصيده حتى إنفجرت القاعة بالتصفيق الحاد، وتعقيباً على القصيدة، أشار الدكتور النعمانى، إلى أن تاتا خطى السبعين، هى أحد أهم الملامح التى تؤكد شاعرية السؤال لدى حجاب، فقد طاف بنا حجاب فى حلة عبر التاريخ الإنسانى والتاريخ الفردى والشخصى، مابين الموت والحياة، فى ظل صراع الإنسان مع الثقافة، فلم يعترض حجاب فى قصيدته على الموت من الناحية الإيمانية، وإنما أراد الشاعر أن يشير بالموت فى قصيدته إلى كل قوى الشر، كما أن الموت فى هذا النص الشعرى ليس من مخلوقات الله، إنما هو من نسج إبليس، الذى أفسد حياة الإنسان، ولعل أهم خصيصة من خصائص سيد حجاب هى أنه لا يخشى الموت ، لأن حجاب مؤمن بتواصل الإنسان، وأن الحياة لا تقف على أحد، وأرى أن هذه القصيدة التى تميزت بالوجود الإنسانى فى حاجة إلى دراسة مطولة، وأن يتم تحليلها على مستويات عدة لما تحمله من نصوص ذات مدلولات مهمة. ومع فتح باب الأسئلة للحضور جاء أول الأسئلة عن كيف يرى حجاب مستقبل مصر بعد إقرار الدستور؟ وهل حققت الثورة المصرية أهدافها؟ ورداً على السؤال قال حجاب أن قدر مصر منذ مطلع التاريخ هو الإستجابة للتحديات، والتى واجهتها مصر بإجابات مبتكرة وبإبداع عظيم، وقد حدث هذا فى مطلع التاريخ حيث فرض النيل الشرس تحديه على المصريين، ولكن استطاع المصريون أن يروضوا مجرى النهر، وصنعوا أول حكومة مركزية فى التاريخ وأول حضارة عظمى فى تاريخ البشرية وأول إبداع إنسانى فى ملك الله. ولقد عاد هذا التحدى وفرض نفسه على مصر من جديد فى العصر الحديث والمعاصر، فقامت ثورة 1919 ثورة الحريات، وثورة 1952ثورة العدالة الاجتماعية، وجاءت ثورة 25 يناير لتدمج شعارات الثورتين فى شعار”عيش حرية وعدالة اجتماعية” فالمصريون إبتكروا هذا الشعار الشديد الدلالة، لقد عبر الإستبداد السابق والأسبق، الطريق أمام مصارحة المصريين لأنفسهم، رجال ونساء شيوعيون وسلفيون، لقد جاء دستور 30 يونيو خارطة الطريق نتيجة هذه المصالحة، لقد مرت مصر بمشروعين عظيمين أولهما مشروع النهضة التى أرادها مع على وحاول أن يستكمله من بعده حفيده إسماعيل، لولا المؤامرات التى قامت بها الدول الاستعمارية الكبرى للسيطرة على مصر. وجاء المشروع الثانى وهو تأسيس مصر الحرة النامية العادلة فى عهد عبد الناصر، وكاد ناصر أن يحقق هذا الحلم، لولا مؤامرة كسر مصر والعرب فى هزيمة 1967، أما المشروع القومى الثالث والذى يجب علينا جميعًا أن نلتف حوله، هو مصر حرة ديموقراطية فيها تداول للسلطة ، لنخطو بذلك قدمًا فى طريق الحداثة. ورداً على سؤال الشاعر وحيد وصفى حول إهتمام حجاب بالشعر الغنائى شعر المسلسلات والأفلام والأغانى على حساب بقية جوانب الشعر؟ قال حجاب أن الدارس للشعر العربى القديم سيجد أنه يندرج تحت إطار ما يسمى الشعر الغنائى، والمقصود أنه أحادى الصوت أى لا يحوى إلا صوت قائله، ولعل هذا ما دفعنى للإهتمام بكتابة الأغنية حتى أعود بها إلى عالمها الشعرى، وجميعنا يعرف أن أحد أهم الموسوعات فى تاريخ الشعر العربى تحمل اسم: “الأغانى للأصفهانى”. وكاتبها يحاول أن يربط فيها بين الغناء والشعر، وكذلك الموشحات الأندلسية والمغربية، فالعلاقة بين الشعر والغناء هى علاقة أزلية وموغلة فى القدم، حيث ولد الشعر فى حضن الغناء فى حضن رعاة الإبل، وكذلك ولد الشعر الأوروبى. فالشعر ولد لصيقًا بالغناء، وكل دورى هو أننى عدت بالقصيدة إلى عالم الغناء، وليس هناك فرق عندى بين القصيدة التى تُلقى والقصيدة التى تُغنى. وعن كيفية حفاظ الشاعر على شخصيته الشعرية ما بين الأصالة والحداثة؟ قال حجاب أن المسألة لا تأتى بقرار ولكن بأن يعيش الشاعر بصدق كل زمن مع من حوله، ولعل هذا يجعلنى أثير قضية شائكة وهى أزمة الأصالة والحداثة، بمعنى نأخذ كام فى المائة أصالة وكام فى المائة حداثة، ولعل هذا هو أننا لازلنا حتى الآن محل سرك لم نتحرك إلى الأمام، وبالعودة إلى الحضارات القديمة سنجد أن أصحابها انفتحوا على كل مدركات عصرهم من فنون وعلوم ، مثل أولئك الموسوعيين الذى سبقوا قيام الثورة الفرنسية ومهدوا لها، ثم ألقى حجاب على الحضور بناء على رغبتهم ديباجة الدستور المصرى.