حققت قضايا فساد وتجاوزات رجال ورموز النظام السابق بعض النجاحات.. هناك بطء وهروب لبعض المدانين وأموال طائرة وهاربة.. ولكن الأحكام الصادرة فى قضايا الفساد المالى كان بعضها رادعًا، والآخر كان يمثل الحد الأقصى للعقوبة فى القانون..والغرامات المالية كانت ضعف المبالغ المنهوبة أو المهدرة على الدولة. ولكن العار الحقيقى هو أزمة قضايا قتل المتظاهرين..فحتى الآن لا تزال أحكام البراءة هى الأعلى والأكثر فى هذا النوع من القضايا المرتبطة مباشرة بحق الدم.. الحكم بالإدانة صدر فى قضيتين فقط حتى الآن قضية السنى وصدر الحكم فيها بالسجن خمس سنوات، وقضية قتل المتظاهرين فى الشرابية وحكم فيها بإجمالى عدد سنوات سجن بلغت 14 عاما.. وبذلك يكون إجمالى عدد سنوات السجن فى قضيتى الإدانة 19 عامًا فقط.. ورفع حكم المؤبد على مبارك والعادلى عدد سنوات السجن فى قضايا قتل المتظاهرين إلى 69 عاما.. وهى مدة غير كافية على الاطلاق، ولا يمكن أن ترضى أهالى الشهداء والمصابين خلال ثورة 25 يناير أو بالأحرى ال 18 يومًا الأولى من الثورة.. وقبل تنحى مبارك. بعيدا عن أسباب البراءة المتمثلة فى طمس أدلة الاتهام وغياب الأدلة التى تربط بين قتل المتظاهرين والضباط المتهمين فإن استمرار مسلسل البراءات لم يعد مقبولاً.. فقد وصل عدد هذه البراءات إلى سبع قضايا.. وذلك بالإضافة إلى صدمة براءة مساعدى العادلى الستة فى قضية مبارك، ولذلك ظهر اتجاهان لمواجهة عار هروب المتهمين والفاعلين الأصليين فى قتل المتظاهرين.. الاتجاه الأول محلى.. وفى داخل هذا الاتجاه تيار ينادى بسرعة إعداد قانون محاكمات خاصة ثورية.. وذلك لإعادة المحاكمات فى قضايا قتل المتظاهرين وقضيتى مبارك والعادلى، لكن تياراً آخر فى أصحاب الاتجاه المحلى ينادى بتفعيل لجنة تقصى حقائق برلمانية فى قضية قتل المتظاهرين.. وذلك على غرار لجنة تقصى حقائق كارثة العبارة السلام.. وتعمل اللجنة على جمع الأدلة والشهادات لتكون بمثابة تجهيز القضايا للمحاكم.. والمؤمنون بلجان التقصى البرلمانية يؤيدون استمرار المحاكمات العادية ويرفضون المحاكمات الثورية..ومن وجهة نظرهم أن أعداد الأدلة من خلال لجان تقصى حقائق برلمانية سيعيد الحق للشهداء، وذلك دون اللجوء إلى محاكم استثنائية أو خاصة. هناك اتجاه آخر لا يرى حلاً لعودة حقوق الشهداء سوى بالاتجاه دوليا.. وذلك بتدويل قضية قتل المتظاهرين قبل تنحى مبارك وطلب الدعم الدولى.. وذلك من خلال طلب من مجلس حقوق الإنسان الإفريقى «التابع للاتحاد الإفريقى» لإجبار الحكومة المصرية على فتح تحقيق مستقل لقتل المتظاهرين قبل النتحى.. وهذا الطلب يعد بديلا عن حق المواطنين فى اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية.. وتوجيهه الاتهام للمسئولين السابقين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضد المواطنين.. لأن هذا الطريق القانونى الدولى مغلق أمام مصر بسبب عدم تصديق مبارك على الاتفاقية الدولية لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. اقتراح طلب الدعم الدولى أو تدويل القضية عاد مرة أخرى للظهور بعد صدمة حكم مبارك.. وكان الاقتراح بطلب الدعم الدولى لفتح تحقيق فى قتل المتظاهرين قد تردد أو بالأحرى تم التلويح به خلال العام الماضى.. وبشكل عام فإن هذا الاقتراح قد تكرر ظهوره عقب اليأس من التحقيق فى قضية قتل شهداء محمد محمود ومجلس الشعب ومظاهرات ماسبيرو.. ولكن فى كل مرة كان الأمر يتوقف بمجرد التلويح باستخدام كارت تدويل التحقيق فى مقتل شهداء الثورة قبل وبعد تنحى مبارك.فهل يستمر الأمر فى إطار التلويح والتهديد أم يتحول إلى طلب حقيقى وتحرك فعلى بعد عودة الثوار إلى ميادين مصر؟ وهل يصب رفض إنشاء المحاكم الثورية فى إطار تدويل قضية قتل المتظاهرين؟ الأيام القادمة ستجيب عن هذه الاسئلة.. وستكشف عن قوة أصحاب تدويل قضية قتل المتظاهرين.. وعودة حق الشهداء والمصابين.