تنسيق كلية الطب البيطري 2024.. تعرف على أبرز التوقعات    محافظ أسيوط يشهد حفل ختام الأنشطة ويكرم أوائل الشهادات بمختلف المراحل الدراسية    هبوط أسعار الذهب بعد إعلان بيانات التضخم الأمريكية    من سيحضر مفاوضات الدوحة غدا؟.. حماس تعلن عدم مشاركتها    أخبار الأهلي : ظهور لاعب لأول مرة .. 12 لاعبا من الأهلي في قائمة منتخب مصر    الأهلي يجهز مفاجأة لمصطفى شوبير    بابا فاسيليو يقترب من تولي مهمة تدريب الاتحاد السكندري (خاص)    "بهلول المزور" يدمج ويلغي مواد بنظام الثانوية العامة الجديد!!!    إيرادات ولاد رزق 3 تصل إلى 247 مليون جنيه في 9 أسابيع    تكريم رؤساء 3 أقسام بمستشفيات قنا لجهودهم في خفض معدل الولادة القيصرية    "المصطلحات التجارية" ختام الدورات التدريبية للمعسكر التدريبي للابتكار وريادة الأعمال بجامعة دمنهور    لمدة أسبوع.. فتح باب التسجيل لاختبارات القدرات لطلاب جامعة الأزهر    الزمالك يستقر على إعارة مهاب ياسر بعد نهاية الموسم    نائب ممثل بريطانيا بالأمم المتحدة يشيد بجهود مصر وأمريكا وقطر لوقف إطلاق النار في غزة    محافظ المنوفية يعتمد نتيجة الدور الثاني للشهادة الإعدادية بنسبة نجاح 89,08%    النيابة العامة تقرر محاكمة متجاوزي السرعة المرورية المقررة جنائياً    مصرع شاب فى مشاجرة لخلافات عائلية بشبرا الخيمة    اتهام رئيسة وزراء بنجلاديش المعزولة الشيخة حسينة في قضية إبادة جماعية    مصطفى حُسني ينعى والدته بكلمات مؤثرة: جزاكِ الله خيرًا عني وعن إخوتي    مواهب فنية من ذوي الهمم في العرض المسرحي صانع الأقنعة في بني سويف    15 قرارًا جديدًا من الحكومة في اجتماعها الأسبوعي.. تعرف عليها    الحكومة توافق على منح شركة "أوتسوكا العربية للمغذيات الصحية" الرخصة الذهبية    تعرف على موعد حفل إليسا وتامر عاشور في دبي    بالفيديو| عالم أزهري يوضح حكم الزكاة على شهادات الاستثمار وكيفية إخراجها    وقت صلاة العصر اليوم الأربعاء ودعاء مستجاب في ختم الصلاة    ألمانيا تصدر مذكرة اعتقال بحق مدرب غوص أوكراني لضلوعه في تفجير "نورد ستريم"    قريبًا.. الحكومة: المعاهدة الإقليمية الجديدة لقواعد المنشأ الأورومتوسطية تدخل حيز التنفيذ    الصحة: انطلاق النسخة الأولى لمؤتمر طب الأسنان لتبادل الخبرات العلمية    الاتحاد الأوروبي يرسل لقاحات مضادة لجدري القرود إلى أفريقيا    مدبولي: انخفاض التضخم خلال شهر يوليو الماضي    التصديري للصناعات الهندسية ينظم المشاركة بمعرض مكونات السيارات في روسيا    خبيرة فلك: احذروا طاقة الغضب والمشاكل في هذا اليوم    محمد صبحي.. الفارس الذي اغضب اسرائيل    حزب الجيل: منتدى الشباب وحقوق الإنسان يدعم رؤية الجمهورية الجديدة    حماس: واشنطن شريكة بحرب الإبادة بعد إقرارها صفقة أسلحة جديدة لإسرائيل    «الأرصاد»: أجواء شديدة الحرارة.. والعظمى على القاهرة 35    إصابة 4 أشخاص في تصادم جرار زراعي بسيارة ملاكي بالشرقية    العربي القطري يقرر التراجع عن ضم زيزو    الترجي التونسي يعطل صفقة انتقال بن رمضان للأهلي في اللحظات الأخيرة    «الصحة» تتابع نسب الإشغال في الرعايات والحضانات بالمستشفيات والمنشآت الطبية    تكرم أوائل الدورات التدريبية بكفر الشيخ بمركز سقارة للتدريب    رالي السيارات الكهربائية للجامعات على أرض العلمين الجديدة: مهرجان العالم علمين متعة بلا حدود    وزير التعليم: تفعيل قانون مد الخدمة للاستفادة من خبرة المعلمين أصحاب المعاشات    رئيس وزراء باكستان يهنئ الأمة بعيد الاستقلال ال 78    «40 % من المجموع للحضور والمواظبة».. مصدر يكشف خطة «التعليم» لجذب الطلاب للمدارس    رئيس مجلس النواب اللبناني: متمسكون بالتمديد لقوات يونيفيل وفقًا للقرار الأممي 1701    هنقضي ليلة كلها مزيكا .. مهرجان العلمين يروج لحفلة النجم حمزة نمرة علي U Arena    إبراهيم عبدالجواد: تنظيم رالي السيارات الكهربائية في مهرجان العلمين الجديدة "مشرّف للغاية وعلى أعلى مستوى"    خالد الجندي يهاجم الراقصة لوسي لهذا السبب    استهداف حملة كامالا هاريس من قبل قراصنة أجانب.. "NBC" تكشف التفاصيل    «بتمنى أنساك».. أول أغنية ل شيرين عبد الوهاب بعد أزمتها مع حسام حبيب    أداء مالي وتشغيلي قوي للمصرية للاتصالات في النصف الأول من 2024 رغم التحديات الاقتصادية    مياه الإسكندرية: حملات لإزالة التعديات على شبكة مياه الشرب بالنزهة    في 24 ساعة.. شرطة التموين تضُبط 11 طن دقيق أبيض بلدي مدعم    سقوط 7 من تجار الصنف.. ضربة موجعة لمعلمين المكيفات في أسوان ودمياط    رد فعل مفاجئ من خالد بيبو بعد أنباء رحيله عن الأهلي (تفاصيل)    علماء أوقاف وأزهر الفيوم يوصلون رسالتهم عبر برنامج «المنبر الثابت» حول «آداب التعامل مع ذوي الأرحام»    "مرض السرطان رجع للمرة التانية".. تطورات الحالة الصحية للفنانة جميلة عزيز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحياة اللندنية: الدور الإقليمي ورسالة مصر
نشر في الفجر يوم 30 - 10 - 2014

يجري الحديث الآن عن تصاعد الدور الإقليمي المصري، وعودة الريادة المصرية وذلك في إطار خطاب وطني شوفيني مبتذل يرى العالم كله متآمراً ضد تلك العودة، التي يبررها ذلك الخطاب بملابسات عادية ويستشهد عليها بوقائع ديبلوماسية لا ترقى أبداً إلى تكريسها، من قبيل خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي في الأمم المتحدة، وهو حدث ديبلوماسي في النهاية رغم الظروف المحيطة به. أو من قبيل انعقاد قمة إعمار غزة في القاهرة، وكأنها المرة الأولى التي تستضيف فيها مصر مثل تلك المناسبات، التي تكررت كثيراً حتى في أواخر العهد السابق ل 25 يناير، ما يعني أننا أمام خطاب مبتذل عن الوطنية المصرية، ورؤية قاصرة لمفهوم الدور الإقليمي.


ذلك أن الأدوار الإقليمية، كالعالمية، تنشأ عن عملية جدلية بين التاريخ الثقافي والجغرافيا السياسية، وهي عملية معقدة طالما أعادت توزيع الأدوار وإنتاج المكانة بين الدول في كل مرحلة تاريخية تبعاً لقدراتها على إدارة عناصر مواردها الشاملة، وعلى التكيف مع التغير في الأوزان النسبية التي تعطيها البيئة التاريخية المتجددة لهذه العناصر نفسها في كل عصر من العصور، وهي تغيرات كبيرة ترتبط بتحولات المعرفة العلمية، وتطورات القيم السياسية، وتبدلات الرؤى الثقافية، إذ لم تعد الكثافة السكانية الكبيرة وحدها أمراً حاسماً في صوغ الأدوار الكبرى، أو خوض الحروب الناجحة، أو تبوؤ المكانة الاستراتيجية المتقدمة.
وقد لعبت مصر في الحقبة الحديثة الممتدة عبر مئتي عام تقريباً تلت حكم محمد علي، دوراً في محيطها الإقليمي استناداً إلى موقعها المركزي وكتلتها الحيوية الكبيرة نسبياً، وأيضاً سبقها الاقتصادي داخل الإقليم على أرضية الثورة الزراعية، وكذلك ريادتها الثقافية سواء الموروثة تاريخياً عن احتضانها للأزهر قلعة الاعتدال السُني، أو المكتسبة بفعل سبقها إلى الحداثة الفكرية، وتجسيدها لدور الجسر الذي عبرت عليه إلى جل المجتمعات العربية.


اتخذ هذا الدور أشكالاً عدة في مراحل تاريخية متباينة، فالتبس بالتمدد الجغرافي - العسكري في الحقبة العلوية خصوصاً في بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية. ثم ارتكز إلى الانتشار الثقافي - السياسي في الحقبة الناصرية التي شهدت قيادة مصر لحقبة التحرر القومي. غير أن هذا الدور أخذ في التآكل تدريجاً منذ نهاية السبعينات بفعل ذبول حقبة المد القومي العربي، وبداية الاستقطابات السياسية العربية التي أعقبت حرب 1973، وتوقيع معاهدة السلام. وربما كانت المرة الأخيرة التي تبدّى فيها هذا الدور واضحاً كانت إبان حرب «عاصفة الصحراء» لتحرير الكويت من القبضة العراقية بداية التسعينات، حين شاركت بفعالية كبيرة ضمن التحالف الدولي/ الأميركي بقوات برية بلغ عددها 35 ألف جندي، تأكيداً لسياستها الرافضة لانتهاك السيادة الوطنية لأي من الدول العربية.


غير أن العقد الأخير من حكم الرئيس حسني مبارك، شهد هبوطاً حاداً في منسوب الدور الإقليمي لدوافع عدة منها شخصية الرئيس نفسه، ومنها عمره ودخوله معاناة الشيخوخة والمرض اللذين قللا قدرته على الإدراك والحركة، ودفعاه إلى الانطواء على الذات، وإدارة البلاد بمنطق العامل الأجير، يوماً بيوم، مما لا يمكن معه التفكير في دور فعال أو وضع تصورات استراتيجية بعيدة. ومنها أيضاً نمو الدور السياسي للابن (جمال) واحتلاله موقعه الحزبي المتقدم منذ عام 2004. واضطرار الأب لدفع رشاوى كبرى للعالم الخارجي، لضمان استمرار شرعية النظام وتمرير واقعة التوريث حين يأتي موعدها، ظناً منه أن الرضا الأميركي قادر على تقديم ضمانات لذلك التحول أو على الأقل غطاء له.


ومع التحولات التي عصفت بالمنطقة بدءاً من الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003، وصلت مصر إلى أدنى درجات التأثير الإقليمي، وباتت محاصرة بالقوة الأميركية، خائفة من شيء ما، وتم اختصار فعاليتها في رعاية ملف العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين، وضبط العلاقة بين حركتي «فتح»، و «حماس». ومع اندلاع الحربين الإسرائيليتين ضد اللبنانيين والفلسطينيين عامي 2006 و2008، بدت مصر فاقدة الشعور بالسيطرة على مصيرها، عاجزة تماماً أمام العدوانية الإسرائيلية، إلى درجة فسرها بعضهم بالتواطؤ، على نحو جرح كبرياء الجماعة المصرية التي كانت امتلكت منذ وقت طويل إحساساً عميقاً بالمسؤولية القومية، وحساسية شديدة تجاه العدوانية الإسرائيلية، وهنا لم يعد لدى المصريين ما يبكون عليه، ولم يبق أمامهم سوى الطوفان، وهو ما كان.
ومن التمدد الجغرافي - العسكري العلوي، إلى الانتشار السياسي - الثقافي الناصري، إلى السلبية الشاملة في ربع القرن الأخير، تتأكد حقيقة أن المكانة ليست هبة إلهية لها طابع الأبدية والدوام، كما أن الأدوار ليست منحاً تعطى لأحد أو تؤخذ منه، بل إن كليهما ثمرة طبيعية لشخصية المكان، وفاعلية البشر في الزمان، وقد يأتي وقت يفقد فيه البشر قدرتهم على استقصاء روح أرضهم لعارض يصيبهم، غير أن هذا لا ينال من حجم المكان ولا من شخصيته، كما لا ينال من قدرة البشر على مراجعة أنفسهم بغية تعديل المسار واستعادة السيطرة على الموقع والمصير.



ومن ثم تأتي أهمية حدث 25 يناير، فرغم كل الارتباكات والانقسامات التي تلته، فإن أحد الأهداف القليلة التي تلقى إجماعاً بين المصريين يتمثل في استعادة المجال الحيوي المفقود للحركة والتأثير، وهي مهمة تبلغ من الأهمية حداً لم تعد معه مجرد اختيار. غير أن انجازها يحتاج إلى ما هو أكثر من عقد اجتماع مهما كان خطيراً، أو إلقاء خطاب مهما كان شجاعاً، إذ يتطلب بذل جهود كبرى، والسير في مسالك وعرة، والتحلي بروح كفاحية قادرة على نقل الوطن من حال إلى حال، ومن موقف تاريخي يتسم بالركود إلى آخر مفعم بالفعالية، وعندها فقط يمكن الحديث عن عودة الدور الإقليمي. وتحديداً تحتاج إلى تنمية عناصر قوتها الشاملة، وتحقيق التناسق في ما بين المكونين القاعديين: الاقتصادي حيث إعادة بناء الذات وتشغيل الكتلة البشرية، والإستراتيجي بمعنى أن إعادة استثمار القوة العسكرية الكبيرة وتوظيف الموقع المركزي المزين بقناة السويس، يمثلان أمراً حتمياً.


ورغم أن تنمية هذين المكونين وتنسيقهما يمكن أن يجعلا من مصر بلداً محورياً في العالم، يكاد يقارب في أهميته الإستراتيجية دولاً كبريطانيا وفرنسا، فإن الريادة الحقيقية لن تتحقق إلا بتحديد دقيق لمعالم رسالة حضارية يمكن مصر أن تقوم بها. وإذا كان سبق مصر إلى الحداثة، كونها الجسر الذي عبرت عليه القيم، والفنون، والفكر الحديث، إلى هذه الأمة، وفر أرضية جذابة لدورها القديم في المحيط العربي على مدى قرنين مضيا، فإن تلك الجاذبية تقادمت، وصارت في حاجة إلى تجديد عناصرها، فالقائد غالباً ما يحتاج إلى بلورة قيم أرقى، والتبشير بأفكار أحدث مما كان سائداً في أي مراحل سابقة. ومن ثم يتعين على مصر الإمساك بالقيم الأكثر حداثة، وحفزاً لحركة العصر على منوال «الديموقراطية» ومتواليتها من قبيل الدولة الوطنية، والعلمانية، والنزعة الفردية، وهي القيم التي يتوجب على مصر أن تنميها داخل حدودها، صانعة نموذجها الذي يمكن تقديمه إلى المحيط العربي، وإلى العالم من حولها، طلباً للمكانة الحقيقية والدور الفعال، أما قبل ذلك فلن يعدو حديث الريادة أن يكون مجرد شوفينية وطنية ونرجسية ثورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.